مقالات وآراء سياسية

نعم للمصالحة .. ولكن !

عوض البارئ محمد طه

 برز إلى  السطح هذه الأيام  وبعد عودة  قادة الحركات  المسلحة  حديث عن المصالحة الوطنية  لمساندة  السلام  بإشاعة السلم  المجتمعي، وبالطبع فان أمر المصالحة  عقب التغيير السياسي  ليس آمرا جديد  وإنما هنالك تجارب  وسوابق في إفريقيا  ، مثل  (رواندا)  التي شهدت  مجازر  بشرية  تقشعر لها الأبدان  بين  الهوتو والتوتسي ، وكذلك نظام  (الأبارتيد )  في جنوب  إفريقيا   والقاسم  المشترك بين  هذه النظم  ونظام  الإنقاذ الذي  حكم السودان  ثلاثين  عاما هو إن كل هذه النظم خلفت ما خلفت من  المظالم  التاريخية  للشعوب  والتي خلفت ما خلفت  من الضغائن  والمحن ، والإنقاذ ليس اقل  بشاعة من  تلك النظم  فإذا  كان الذي  جرى  في رواندا  تطهير عرقي  ومحاولات  للإبادة  الجماعية   فان الإنقاذ  فعلت ذلك  في دارفور  وجبال  النوبة وهو أمر أثبتته محكمة الجنايات الدولية  واصدرت   مذكرة توقيف بحق  المخلوع  البشير وآخرين   من  قيادات العهد البائد .
أما نظام التفرقة العنصرية والظلم  المجتمعي  الذي ساد  جنوب إفريقيا  وقتا طويلا  فقد مارسته  الإنقاذ مثل  ما وصفه الكاتب  “الآن باتون”  في  روايته  الشهيرة (أبكي وطني الحبيب)  أو “cry the beloved country” ”    كما هى باللغة الانجليزية ، اذ كانت هنالك أقلية من البيض   يسطرون على المناجم  والثروات  ويستأثرون بكل شيء    والسواد الأعظم  يعيشون حد الكفاف ويعانون  الظلم  والتهميش ، إلا إن الاقلية التى كانت تسيطر فى السودان هى أقلية عقدية مهوسه ،  ورغم   بشاعة  تلك  النظم  إلا أن المصالحة  جرت  وبرز (نيلسون  مانديلا )  كمثال  للتسامح  والتسامي  من اجل وطنه  فخلد التاريخ اسمه في سجل  الخالدين  .
بالطبع  لا احد يريد لوطنه أن يسير  للأمام  أن يرفض المصالحة  الوطنية  والتسامى فوق الجراح ، ولا احد من حقه أن يظلم  احدا  أو يسلبه حقه في المواطنة  على أساس عادل ،  وإلا يبقى  (ناتج الثورة )  كما الإنقاذ  سوءٌ وحشف كيل وتصرف لا أخلاقي في السلطة .
إننا مطالبون حقا بنزع ضغائن النفوس وتضميد  الجراح وإيجاد  أرضية  وطنية  صالحة للانطلاق ،  ولكن الجرح إذا  ضُمد وهو  محتقن  فان مصيره التعفن وربما يؤدي  الى  الموت  أو استئصال  الجزء  الذي  يحتويه الجرح من الجسم ولدينا  تجربة مؤلمة  في استئصال  جنوب السودان … لذا لابد من تحقيق  العدالة  قبل  المصالحة فالعدالة  بمثابة  تنظيف  الجُرح قبل التضميد ،  ولذلك   نصت  اتفاقية السلام  على تحقيق  العدالة  الانتقالية ،  والعدالة  بالطبع  يجب أن تتم  عبر القانون  وهي مهمة لأمرين :
الأول :  نزع الضغائن   من النفوس وهنالك  آلاف  إن لم يكن ملايين  من الضحايا  وذوي الحق المسلوب  والمشردين  واللاجئين  ومن  عاشوا عقودا  في معسكرات  النزوح ، وآخر الضغائن والمحن التى خلفها منسوبو الانقاذ وعناصرها ومن داروا في فلكها فى عاصمة البلاد أمام القيادة العامة هى  مجزرة فض الاعتصام وهى جريمة لا يمكن أن تمر دون عقاب ، وأقل المظاليم ظلماً هم  من عانوا  الظلم  المهني والوظيفي والإقصاء.
أما الأمر الثاني :  ففى تحقيق العدالة  إحياء للقانون  روحا  ونصا  وإعادة هيبته  التي أسقطتها الإنقاذ بالتجاوزات ابتداء من  الرئيس  المخلوع  الذي بمجرد سقوطه كشف  مقر إقامته  تجاوزات لقانون حيازة  النقد الأجنبي وهي أول  قضية  حوكم فيها ..!!
أن الحديث عن المصالحة الوطنية  تزامن مع إعلاء ووتيرة الاستهداف  للجنة إزالة التمكين  ، كما صعد نادي النيابة  من  عدائه للنائب العام  مولانا تاج  السر الحبر فهل  هذا  الأمر  مصادفة ؟؟ وهل العداء للحبر  ينطلق من  خلافات مهنية  بحتة  أم هي محاولات للقضاء على هذه المؤسسات  لترميم  الجرح  على  فساد ؟؟
إذا ما الجرح رام على فساد  *** تبين فيه إهمال الطبيب ..
عوض البارئ محمد طه <[email protected]>
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..