مع الأحداث … شكل السودان الجديد

بدأ العد التنازلي لأكبر استحقاق في تاريخ السودان الحديث وهو الاستفتاء المنصوص عليه في اتفاقية السلام بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وهو الذي سيقرر بعد التاسع من يناير القادم ما إذا كان السودان سيبقى موحداً أم ينقسم إلى دولتين في الشمال والجنوب، وهذا الاستحقاق ستكون له تداعيات كبيرة على جملة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين شمال السودان وجنوبه مع مخاطر المواجهات العسكرية المتوقعة بين شريكي الحكم الحاليين في حال تصاعد الخلاف حول الملفات العالقة والملغومة.
في ساعة متأخرة انتبه الشمال ممثلاً في المؤتمر الوطني الذي يتزعمه الرئيس عمر البشير إلى ضرورة أن تكون الوحدة جاذبة بعد أن تسربت كافة الآمال في المُلاسنات الدائرة بين الحزبين الكبيرين في الشمال والجنوب، وبعد أن جرت عملية شحن واسعة في جنوب السودان لجعل الانفصال جاذباً لجميع أبناء القبائل والتكوينات السياسية المتعددة، حتى باتت النتيجة معروفة مقدماً وهي أن الاستفتاء سيؤيد انفصال الجنوب وأنه لا أمل في إمكانية وحدة في المنظور الراهن وهو ما سيُحمّل الإسلاميين مسؤولية تمزيق السودان إلى دويلات تبدأ بالجنوب وتمتد إلى أجزاء أخرى من السودان الذي كان موحداً.
بالإضافة للتوقعات الخجولة التي تنطلق من هنا وهناك ويردد صداها التليفزيون السوداني والذي لا يلتقط تردداته أحد في جنوب السودان، دخل لاعبون جدد في حلبة الصراع الدائر والذي يدفع باتجاه ضرورة الالتزام بالميعاد المحدد للاستفتاء وهو التاسع من يناير والذي يرفض أي عقبات أو معاذير يمكن أن يختلقها المؤتمر الوطني لتأجيل هذا الاستحقاق، وإلى أبعد من ذلك دخلت الولايات المتحدة الأمريكية بكل ثقلها في مضمار السباق ، حيث لوحت ابتداء بالجزرة وقالت إنها ستعيد العلاقات الدبلوماسية كاملة بين الخرطوم وواشنطن وسترفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وستلغي ديون السودان الخارجية في حال الإيفاء بالاستفتاء في تاريخه المقرر، وفي حال المماطلة والعجز ووضع العقبات فقد أخرجت الإدارة
الأمريكية العصا الغليظة لتلوح بها من أنها ستتخذ المزيد من العقوبات ضد السودان بما قد يشمل وقف تصدير النفط، فأصبح الوضع في جميع الجبهات قابلا للاشتعال بصورة كارثية. الادارة الأمريكية دعت إلى جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي في الرابع والعشرين من سبتمبر الحالي- أي بعد أسبوع من الآن- يحضرها الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونواب الرئيس السوداني سلفار كير ميارديت وعلي عثمان طه على أن تُخصص تلك الجلسة لاستحقاق الاستفتاء في جنوب السودان والحصول على ضمانات وتعهدات دولية بضرورة إجرائه في موعده المحدد وهو التاسع من يناير ٢٠١١ ودراسة المخاطر والاحتمالات.
هذه لن تكون نهاية القصة، والسؤال هو ثم ماذا بعد؟ وكيف ستكون صورة السودان بعد انفصال الجنوب؟ وما هي المخاطر والتحديات المرتقبة والمتوقعة؟ وما هو مصير الأقاليم الأخرى خاصة إقليم دارفور الذي مازال يصلي من أجل السلام؟ وكيف ستكون صورة الجوار الإفريقي حيث إثنيات وقبائل وجماعات تطالب بالانسلاخ من الوطن الأم؟ وهل سيعمل الغرب على النهوض بالجنوب المسيحي ليقدمه نموذجاً لنجاح الاقتصاد الغربي في مواجهة الشمال المسلم؟ وكيف ستُحسم قضية الهوية والانتماء؟ وفي حال اشتعال الحرب مجدداً بين الشمال والجنوب كيف ستكون صورة الحال؟ وسننتظر لنرى.
بقلم – بابكر عيسى
الراية القطرية
منذ ابرام اتفاقية نيفاشا التي انهي الحرب في الجنوب جاء كل التوقعات في صالح انفصال وارتفعت وتيرة هذه التوقاع بعد فشل المؤتمر الوطني في جعل من خيار الوحدة جاذبا وضاعت كل الامال في مماحكات كلامية وخلافات بين الشركين، فاستراتيجية مؤتمر الوطني الذي يدعى الذكاء والتفوق الاثني لا تستيقظ الا في الزمن الضائع ، وصارت في موقف لا يحد علية عزلة من الداخل، رئيسها مطارد ، ضغوط دولية هائله فشل في اشعال فتنة في الجنوب قبل موعد الاستفتاء التدهور الاقتصادى والعسكري كل هذه الاشياء جعل اضعفت من موقف المؤتمر الوطني، وهو الان يفكر في التشكيك في نتائج الاستفتاء ودخول في حرب جديدة مع الجنوب والتي تبدو صعبة في ظل هذه المعطيات الجديدة . لان كل الحكومات استغلت الهامش في حربها مع الجنوب وخاصة نظام الانقاذ الذي جعل من الحرب في الجنوب حرب دينية ووعد قتلاها بالجنة وحور العين وهي اخر ورقة في يد الشمال لتعبئة الهامش و اقحامها في حروب لا ناقة لها ولا جمل فيل فيها,,فقد ولى عهد استراتيجة اضرب العبد بالعبد لجملة من الاسباب:
النظام مثلا يحاول باقناع مليشيا الجنجويد بان الحرب في دارفور قد انتهى ونقل ما يفوق الخمسة الاف منها الي الخرطوم لتدريبها والزج بها في الجنوب ، لكنها يغفل تماما ان هذه المليشيات وعت الدرس تماما وصارت اقرب الي مراعاة مصالحها وخداع النظام والانتقام منها اكثر من دخول في حرب وكالة جديدة وتتحمل وزرها كما حملها في دارفور وهنالك كثير من المؤشرات تصب في هذا الاتجاه اخرها ما صرح به والي ولاية جنوب دارفور بعيد الفوضى الذي اجتاح نيالا فجر عيد الفطر المبارك حين اطلق فيها المليشات وما يعرف بحرس الحدود النار بطريقة عشوائية لساعات عديدة واثارة الهلع في اوساط الحكومة والقوات الحكومية فضلا عن المواطنين ، وايضا عمليات الاختطاف في وضح النهار داخل مدينة نيالا، واحتمالات تمرد مليشيا حرس الحدود ضد النظام والنزاعات بين القبائل العربية المفتعلة من النظام وتبرع النظام من جرائم دارفور وتحميلها لميشيات العربية وغيرها من الاموار التي جعلت من الملشيات تفقد الثقة من النظام وتنتظر الفرصة المناسبة للثأر منها.كذلك نذر التمرد في جبال النوبة وغبن المسيرية من اتفاقية ابي ياي وغيرها الاشياء تجعل من اقحام الهامش في حرب وكالة جديدة امر بعيد المنال واي محاولة من المؤتمر الوطني لاشعال الحرب هنالك سيكون نائجها غير مضمونة على الاطلاق ,, ولا اعتقد ان الشعب السوداني ستدعم نظاما ارتكب ابادة جماعية و فرط في وحدتها ولوث سمعتها ونهب ثروتها ويتم اطفالها ،، ببساطة على المركز ان تتواضع وتتخلص عن سياسة التفوق العرقي وغيرها من العنتريات لقد حان الوقت ان يكون السودان لكل السودانيين.
وسننظر لنرى