أخبار السودان

السودان: انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان خلال عام من الحكم العسكري

الخرطوم – محمد عبد الحفيظ

شهد السودان خلال عام من انقلاب الجيش على الحكومة الانتقالية، انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان ضد المتظاهرين السلميين ومعارضي النظام العسكري.
ومنذ بدء الاحتجاجات المناهضة للانقلاب، وحتى الآن قتل أكثر من 119 شخصاً وأصيب الآلاف، بينما وثق حقوقيون العديد من حالات الاغتصاب والعنف الجنسي ضد المحتجين.
وظل السودانيون منذ صبيحة 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي يقاومون الانقلاب العسكري الذي نفذه القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان الذي أطاح عبره بالحكومة الانتقالية، التي شُكلت في أعقاب إسقاط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير.
بالإضافة إلى رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، اعتقلت السلطة العسكرية وزراء الحكومة من المدنيين وأعضاء الأحزاب السياسية والمحامين ونشطاء المجتمع المدني والصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وقادة الاحتجاجات السلمية، في صبيحة الانقلاب.
ومنذ أول يوم للانقلاب وحتى الآن، نظمت لجان المقاومة نحو 48 موكباً مركزياً بالإضافة لمئات الوقفات الاحتجاجية والإضرابات التي شملت الأجسام المهنية والنقابية.
وأدى استخدام العنف المفرط والقوة المميتة بواسطة الأجهزة الأمنية إلى مقتل أكثر من 119 شخصاً، منذ بدء الاحتجاجات بينهم متظاهر قتل الثلاثاء في مليونية «إسقاط الانقلاب» بالرصاص والدهس بواسطة عربة تابعة للشرطة وإصابة آخرين بجروح بليغة. وحسب منظمة «حاضرين» فإن عدد المصابين حتى الرابع من آب/اغسطس الماضي، تجاوز السبعة آلاف مصاب.
فور انتهاء مواكب الثلاثاء الماضي المناهضة للانقلاب، التي دعت لها تنسيقيات لجان مقاومة ولاية الخرطوم، في ذكرى مرور عام على الانقلاب. أصدرت شرطة الولاية بياناً وجهت عبره اتهامات للمحتجين السلميين، وناشدت وزارة العدل والجهاز التشريعي بفرض إجراءات استثنائية لمواجهة المتظاهرين لحسم ما أسمته بالفوضى وتقديم الجناة للعدالة الناجزة.
وفي 8 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، فرقت الشرطة وقفة احتجاجية رافضة للانقلاب وتندد بعودة منسوبي النظام السابق لوزارة التربية والتعليم. وقامت السلطات الأمنية وقتها باعتقال 87 معلماً وكسرت ساق إحدى المعلمات.
وقال عضو «محامو الطوارئ» عثمان البصري لـ«القدس العربي»: «بعد انقلاب الخامس والعشرين من تشرين الأول/اكتوبر حدثت انتهاكات بشكل ممنهج على نطاق واسع». وأشار إلى أن الانتهاكات بدأت بضرب المعلمين في الوقفة الاحتجاجية واقتيادهم لقسم الشرطة وابقائهم ليوم بالنسبة للنساء ويومين للرجال، ولفت إلى أن النيابة العامة رفضت الطلبات التي قدمها المحامون للإفراج عنهم بالضمانة العادية على الرغم من أن القانون يتيح لهم ذلك.
وإلى جانب حجب خدمة الاتصال والإنترنت، صبيحة الانقلاب والأيام التي تلته فقد أوقفت سلطات الانقلاب بث القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية، باستثناء تلفزيون السودان القومي وإذاعة أمدرمان الخاضعين لسيطرة العسكريين.
كما قامت السلطات بإيقاف خدمة الإنترنت صباح الثلاثاء الماضي، الذي وافق مرور عام على الانقلاب.

فرض تعتيم إعلامي

وقالت شبكة الصحافيين السودانيين الأربعاء، إن السلطات عملت على فرض تعتيم إعلامي عن طريق قطع خدمة الاتصال والإنترنت الأمر الذي ساهم في حجب تدفق المعلومات ما مثل غطاءً للأجهزة الأمنية لارتكاب مزيد من الانتهاكات.
وفي الفترة من الخامس والعشرين تشرين الأول/اكتوبر إلى الرابع من آب/اغسطس الماضي، أعدت منظمة «حاضرين» غير الحكومية تقريراً بعنوان «الطرف الحقيقي» وثقت فيه الانتهاكات التي ارتكبت بحق المحتجين السلميين.
وأحصت المنظمة 1074 إصابة تصنف بالبليغة بينهم 187 طفلاً، ومن بين 119 شهيدا لقوا مصرعهم بيد أجهزة الأمن فهناك 19 طفلا. وفي حالات العنف الجنسي، قالت المنظمة أنه تم الإبلاغ عن 50 حالة، ثلاث منها أكملت الإجراءات الطبية متضمنة البروتوكولات الخاصة بحالات الاغتصاب، بينما تم البدء في الإجراءات القانونية لحالتين.
وفي 30 كانون الأول/ديسمبر الماضي اقتحمت الأجهزة الأمنية المكونة من الشرطة والدعم السريع مكتب قناة «العربية» و«الحدث» بالعاصمة الخرطوم وتم إطلاق الغاز المسيل للدموع ومصادرة معدات القناة وأصيب ثلاثة من العاملين وأودعوا المستشفى.
وفي 13 كانون الثاني/يناير الماضي اقتحمت القوات الأمنية مكتب قناة «العربي» في الخرطوم وقامت باعتقال المراسل والفريق العامل معه أثناء تغطية التظاهرات المناهضة للانقلاب.
وفي 18 كانون الثاني/يناير أصدرت وزارة الإعلام قراراً بإغلاق مكتب «الجزيرة مباشر» وسحب ترخيص المراسل الصحافي محمد عمر والمصور بدوي بشير بسبب ما أسمته الوزارة بالنقل غير المهني للشأن السوداني.
ولم تنجُ المستشفيات المُخصصة لعلاج مصابي المواكب في ولاية الخرطوم من بطش الأجهزة الأمنية التي درجت أكثر من مرة على اقتحامها وإطلاق الغاز المسيل للدموع وترويع المرضى.
وفي 24 كانون الثاني/يناير، اعتقلت السلطات الأمنية 9 من كوادر منظمة أطباء بلا حدود، وتم احتجازهم في مركز شرطة بمدينة الخرطوم. وجرى اقتيادهم إلى قسم الشرطة بعد خروجهم من مستشفى الجودة وسط الخرطوم بوقت وجيز، وكانوا ثلاثة فرنسيين ويمني وباكستاني وإيطالي وثلاثة سودانيين.
وفي استمرار للانتهاكات التي تمارسها السلطات ضد المواطنين لقي مدثر كمال 29 عاماً مصرعه داخل حراسات قسم شرطة امتداد الدرجة الثالثة، وظل جثمانه 7 أيام داخل مشرحة أمبدة في 11 تشرين الأول/اكتوبر الجاري وأفاد البلاغ المدون من قبل الشرطة بأن سبب الوفاة نزيف في المعدة، في الوقت الذي أكد فيه تقرير الطبيب الشرعي تعرض القتيل للضرب بآلة حادة مع وجود آثار ضرب وكدمات في أجزاء متفرقة من جسده.

الإفلات من المساءلة والعقاب

وأمام الانتهاكات المستمرة ضد المحتجين السلميين والمواطنين، يرى مقرر لجنة الدعم القانوني للمحامين السودانيين وائل علي سعيد، لـ«القدس العربي»: «أن الأجهزة الأمنية والشرطية درجت خلال الثلاثين عاماً الماضية وهي عمر النظام السابق، على انتهاك حقوق الإنسان وعدم احترام القانون، وأدى إفلات هذه الأجهزة من المساءلة والعقاب لأن تستخدم العنف المفرط بشكل ممنهج ضد الأفراد والجماعات».
ورأى الخبير الحقوقي، عبد الباسط الحاج، أن المجلس العسكري بعد انقلابه على حكومة الفترة الانتقالية منح صلاحيات وحصانات للقوات الأمنية وفقاً لقانون الطوارئ، ما دفعها إلى استخدام العنف المفرط وغير المبرر ضد المتظاهرين السلميين. وأشار إلى أن ذلك يتضح من خلال نوع الأسلحة المستخدمة في تفريق التظاهرات، حيث تستخدم القوات السلاح الناري وسلاح «الخرطوش» المُحرم دولياً.
وقال الحاج لـ«القدس العربي» إن القوات الأمنية قامت باستخدام «سلاح القنص» وأشركت قوات الاحتياطي المركزي، وهي قوات شبه عسكرية وتشارك في مهام قتالية ولا يفترض بها المشاركة في تفريق التظاهرات السلمية المكفولة بموجب القانون والمواثيق الدولية. ولفت إلى أن التقارير تشير إلى تورط هذه الفصائل في أعمال القتل الوحشية التي تعرض لها المتظاهرون طوال فترة عام من الانقلاب.
وأكد الحاج خطورة أوضاع حقوق الإنسان في السودان ودعا إلى ضرورة إصلاح القطاع الأمني بشكل كامل ومحاسبة القادة المسؤولين عن عمليات القتل الذي يستهدف المتظاهرين السلميين.
وأشار رئيس مجلس أمناء هيئة أمناء محامو دارفور المكلف، الصادق علي حسن، إلى أن هناك عدة أنواع من الممارسات التي تندرج تحت انتهاكات حقوق الإنسان، أفظعها القتل الجزافي الذي مارسته الأجهزة الأمنية ضد الثوار العزل.
وحسب حسن فقد قُتل 125 شهيداً بعدة أنواع من الرصاص الحي وعبوات الغاز الحارقة، مشيراً إلى أن غالبية الشهداء من الشباب والأطفال.
وأكد أن الانتهاكات الجسيمة شملت جرائم الإغتصاب بواسطة عناصر ترتدي الأزياء الرسمية فضلاً عن التحرش الجنسي بالأطفال. وأضاف: «على سبيل المثال تم احتجاز 2 من الأطفال في قسم شرطة أمدرمان بعد أن جُردا من ملابسهما بالكامل والتحرش بهما».
وتابع: «هذا بالإضافة إلى التعذيب البدني والمعنوي والاعتقالات الجزافية التعسفية بموجب إعلان الطوارئ وإبعاد المحتجزين إلى أماكن خارج مناطقهم مثل سجون بورتسودان والهدى ودبك كما تم إساءة استغلال القانون بالإخفاء القسري بسجن سوبا وبقية المعتقلات».
وأكد على وجود 109 سجناء بسجن بورتسودان تم ترحيلهم من الجنينة ومناطق أخرى من ولاية غرب دارفور كما يوجد بسجن أردمتا بالجنينة 77 سجيناً، وفي سجن شالا بالفاشر 26 وبلغت جملة السجناء أكثر من 300 مقبوضين بموجب أحكام قانون الطوارئ الذي تم إلغاؤه، الأمر الذي يكشف أن الاحتجاز يخالف القانون.
ووفقاً لحسن فقد بلغت تقديرات أعداد المعتقلين جزافياً منذ انقلاب البرهان وحتى الآن أكثر من ثمانية ألف اعتقال. وأشار إلى أن فترات الاعتقال والإخفاء القسري تراوحت ما بين الأيام والأسابيع والشهور كما تم تقديم المئات للمحاكمات الجائرة، تمت تبرئة المئات وأدين العشرات منهم بأحكام الطوارئ، كل ذلك بالإضافة إلى الملاحقات والأحكام الجائرة والغرامات التي طالت «ستات الشاي» في بعض المناطق لعدم الالتزام بما أسمته السلطات «الزي المحتشم» كما ظهرت حالات الملاحقات الكيدية للشباب تحت غطاء تهم الردة .
وأشار إلى وقوع عدد من حالات الاغتصاب خلال عام من الانقلاب، المعلن عنها لا يقل عن 14 حالة، مع وجود العديد من الحالات الأخرى المسكوت عنها.
من جهة أخرى فإن الصادق رأى أن الانقلاب أدى إلى استفحال الصراعات القبلية في ولايات دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، مشيراً إلى أن هذه الانتهاكات يتحمل مسؤوليتها النظام الذي ظل يستغل المنازعات المحلية ويطورها إلى حروب قبلية.
وأوضح عضو محامو الطوارئ، عثمان البصري أن المعتقلين من الثوار ظلوا يتعرضون لأنواع من الانتهاكات بينها الضرب منذ لحظة الاعتقال وحتى وصولهم إلى أقسام الشرطة، فضلاً عن أن الأجهزة الأمنية تقوم بنهب ممتلكاتهم المتمثلة في الهواتف المحمولة وغيرها، كما تقوم بحلاقة شعور رؤوسهم بهدف إذلالهم، بالإضافة إلى حالات التحرش الجنسي ببعض المعتقلات أثناء نقلهم إلى أقسام الشرطة وداخل هذه الأقسام.
وأكد على وجود 5 حالات اختفاء قسري موثقة من ضمنهم الطفل محمد عبد المنعم 16 عاماً الذي اختفى في موكب تشرين الثاني/نوفمبر العام الماضي. وأشار إلى أن الأجهزة الأمنية تقوم بانتهاك خصوصية المقبوض عليهم من الثوار، حيث تقوم الأدلة الجنائية بفحص المخدرات للمعتقلين من الشباب والشابات.

القدس العربي

تعليق واحد

  1. أما ننسي انو هذا كله بأسم الأسلام الذي قال عنه البرهان أنه “خط أحمر” بالله شوووف !!!!!!!!!!!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..