اقتصادنا والتفكير بالسيف

محجوب عروة
إمتداداً لما كتبت بالأمس أقول إن التفكير بالسيف وداخل الصندوق هما ما يحدث حالياً من محاولات للجم التضخم وتدهور العملة المستمر واستعادة الحيوية للاقتصاد حيث كانت هي سمة السياسات الاقتصادية منذ خمسة عقود بل وصلت محاولة تثبيت العملة لدرجة إعدام (أي استخدام السيف) لبعض من يحوز الدولار ولم يوقف الانخفاض المستمر في الجنيه بل كان لعنة على الجنيه والاقتصاد.. حاولنا تبديل العملة بصورة عشوائية عام 1991 بدعاوى سطحية وفشلنا فكرسنا عدم الثقة مع البنوك لفترة طويلة و رغم ذلك نكررها اليوم بطريقة أخرى بعدم توفير النقد للمواطنين.. نعم طبقنا جميع ما طبقته الأنظمة السابقة منذ المراهقة الاشتراكية عام 1970 من محاولات للتحكم الاقتصادي وظننا إننا بذلك سنكرس الكفاءة في الإنتاج والعدالة في التوزيع، ولما جاءت سياسية التحرير كمحاولة لتحررنا من ذلك النهج ولانطلاق وتحريك الاقتصاد فشلت في التطبيق للأسباب التي ذكرتها في مقال سابق أهمها عدم العدالة والتساوي والحاضن السياسي غير المواتي وما صاحبها من فساد مالي وليس في مبدأ حرية الاقتصاد التي هي أفضل من سياسة التحكم و(وضع السيف في موضع الندى) فالتعامل في الاقتصاد والمال هو موضع الندى. وكما قال تعالى: (إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ).
كما درسنا في علم الاقتصاد إن أحد لأهم تعريفاته هو علم البدائل بين مختلف الخيارات ولذا يطلق عليه الاقتصاد السياسي لأنه يرتيط ارتباطاً وثيقاً بمعطيات شتى منها السياسية والثقافية والاجتماعية وحجم الموارد المتاحة والتي في السودان موارد هائلة ويأتي على رأس ذلك محاولة إحداث معادلة موزونة بين الكفاءة والفعالية الاقتصادية وبين العدالة الاجتماعية equity vs growth ولهذا فإنه يقع في دائرة التعامل بــ (الندى) وليس بــ (السيف) لهذا يجب أن تنطلق السياسات الاقتصادية بالحافز الإيجابىيpositive incentive وليس الحافز السلبي negative incentive وهذا هو الفرق بين الاقتصاد التحكمي والاقتصاد الحر الذي اعتمد في توصيات الحوار الوطني.
نحن الآن نطبق الحافز السلبي في سياساتنا بالتهديد والوعيد وهذا خطأ استراتيجي فيغرق صناع السياسة الاقتصادية في الظواهر وليس وضع السياسات الإيجابية المحفزة ولذلك تجيء سياساتنا إنكماشية وليست انفتاحية لبلد غني جداً بموارده وحتى أمواله النقدية وليس بلداً فقيراً فأدت تلك السياسات الانكماشية والتهديدية إلى هروب وبقاء الأموال الحرة والمحلية خارج دائرة الاقتصاد واستمرينا داخل الصندوق وفي دائرة الاقتصاد السري والموازي فازدادت عدم الثقة التي صارت أحد أهم الضربات الموجعة لاقتصادنا إذا لم نستعيدها فلن نندهش إذا ساءت الأمور أكثر من ذلك وأدت إلى ما لا يحمد عقباه .
الحل في الانفتاح الاقتصادي والإصلاح السياسي الشامل فالاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة.. فالانفتاح الاقتصادي الذي بدأ عام 1979 هو الذي دفع بالاقتصاد الصيني ليصبح ثاني اقتصاد في العالم لأنه اتخذ من الحافز الإيجابي منهجاً له.
أما الإصلاح السياسي والتوحد الوطني والحريات العامة ودولة الحكم الرشيد ودولة سيادة القانون والعدل والتساوي والمشاركة الحقيقية ودولة المؤسسات لا غنى عنها لإطلاق الطاقات من أجل الازدهار الاقتصادي والاستقرار والسلام.
التيار