مقالات سياسية

أرض السمر والنيل وبارا (1)!

التاريخ بسجل والسواقي شهود
عليك اتالبو الفرسان وماتو جدود
المقدوم مسلم عن حماك بزود
مات واقف شهيد واتوسد البارود
“الفاتح أبو السارة”

برنامج “أرض السمر والنيل” هو سلسلة من الحلقات التوثيقية، من إعداد مؤسسة نبتة للإنتاج الإعلامي، وهو برنامج يعنى بالمناطق الأثرية في كافة أنحاء السودان. إن الهدف الرئيس لهذه السلسلة هو: “تغيير الصورة الذهنية النمطية عن السودان التي باتت تسيطر عليها المادة المزورة والتشويه المؤذي؛ ولذلك يهدف البرنامج إلى إبراز صورة واقعية وحقيقية عن السودان في الماضي والحاضر”. ولقد كانت الحلقة الخامسة عشرة (15) من البرنامج المذكور عن مدينة بارا التي تقع في ولاية شمال كردفان. فهل يا ترى أن هذه الحلقة تنسجم مع هدف البرنامج المعلن أو التزمت به؟ ولقد كان ضيف تلك الحلقة هو الأستاذ خالد الشيخ حاج محمود، الصحفي والباحث في التاريخ والتراث، ووزير الثقافة والإعلام بالولاية، وهذا منصب يحتم على من يتولاه تحري الدقة والصحة في كل ما يقول؛ خاصة في أجهزة الإعلام سواء في ذلك المقروءة أو المشاهدة أو المسموعة منها، واضعين في الاعتبار هدف البرنامج الذي ذكر أعلاه! يضاف إلى ذلك أن الأخ الوزير كان من الواجب عليه توخي الحياد والتعبير عن رأي يمثل كل مكونات مجتمع بارا دون الانحياز إلى فئة بعينها؛ تفادياً لما يثيره مثل هذا الانحياز من نعرات من شأنها أن تشعل الفتنة بين أناس تربط بهم صلات عديدة، وربما تؤدي إلى تفتيت النسيج الاجتماعي بإثارة جدل لا طائل من ورائه! أنا شخصياً، تربطني بالأستاذ خالد علاقة أخوية، ومودة ضاربة جذورها في القدم من قبل توليه الوزارة؛ فقد عرفته رجلاً صاحب باع طويل في مجال التراث والشعر الشعبي في دار الريح، ولعمري هذا واحد من المجالات التي تروق لي وتهمني جداً، لكن من الملاحظ أن الأخ خالد يعتمد كثيراً على الروايات الشفوية التي يتخذها كمصدر رئيس أو ربما وحيد للمعلومات، للأسف الشديد. وإذا كان الاعتماد على الروايات الشفوية مفيداً أو مقبولاً في مجال التراث، إلا أن الحديث عن التاريخ والديموغرافيا يتطلب الاعتماد على حقائق ثابتة ومراجع موثوق بها، وهذا ما لم يلتزم به سعادة الوزير في أفادته التي وردت في تلك الحلقة. ولعل أولى الملاحظات هي ما ذكره الأستاذ خالد عن اسم بارا باعتباره كلمة نوبية قديمة! وقد يعلم الجميع ألا وجود للعنصر النوبي في منطقة بارا باستثناء بعض الأسر التي هاجرت إلى بارا من منطقة شمال السودان أو من دنقلا تحديداً، في فترات متأخرة من تأريخ المدينة، وهؤلاء يتحدثون اللغة العربية ولا يعرف عنهم استخدام أي كلمات نوبية باستثناء ما يستخدم في مجال السواقي من كلمات مثل التربال والأروتي واللبقة، نظراً لعدم وجود كلمات تعنيها في اللغة العربية. عموماً، فإن اسم بارا ليس نوبياً كما زعم ضيف الحلقة؛ وبما أننا غير ملمين باللغة النوبية، نرجو من الأستاذ خالد أن يشرح لنا معنى الكلمة النوبية؛ إن كان يعلم ذلك؛ لأن هنالك كثير من الآراء حول التسمية، لا يتسع المجال لذكرها، ليس من ضمنها الأصل النوبي، وحتى كلمة “آبارا” التي ذكرها الأستاذ خالد ليست كلمة نوبية، وإنما هي لسان عربي مبين من حيث الاشتقاق والمعنى. من جانب آخر، فإن نموذج التراث الذي استخدم في مقدمة البرنامج لا يمثل تراث المنطقة وفنونها الشعبية التي تقوم بشكل أساسي على إيقاع الجراري والدلوكة، وهذا طمس لأحد أهم المكونات الاجتماعية والحضارية، ألا وهو التراث! أما كون مقابر بارا هي مدافن للعباسيين فهذه مغالطة لا يسندها الواقع والتاريخ! وكما هو معلوم فإن اللوحة التي اعتمد عليها الأستاذ خالد لكي يؤيد زعمه فيما يتعلق بوجود مقابر للعباسيين في بارا، هي لوحة لا يمكن لشخص باحث في التاريخ أن يركن إليها أو يعتمد عليها؛ لأنها لوحة جاءت بها مجموعة من النافذين الذين ينطبق عليهم قول الله تعالى: “أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ” وهذا منتهى الغفلة والانشغال بسفاسف الأمور. وأتحدى الذين وضعوا هذه اللوحة أن يحددوا لنا قبراً واحداً من قبور العباسيين في هذا الموقع! إن القبور التي تتحدث عنها بعض الروايات الشفوية لا توجد أصلاً في مدينة بارا وإنما هي الآن جزء من ضاحية خرسي الواقعة إلى الجنوب الشرقي من مدينة بارا، وحتى وجود هذه القبور لا يدل بأي حال من الأحوال على قيام كيان سياسي للعباسيين في بارا أو حولها، سواء أن كان مملكة أو حتى مجرد مشيخة. من جانب آخر، تحدث ضيف الحلقة عن كثير من الأسر العريقة التي تسكن بارا ولكنه لم يتطرق للناظر محمد تمساح ناظر عموم دار حامد الذي لا تزال داره قائمة في بارا التي هي مقر مجلس ريفي دار حامد، وبها محكمة زانوق، أي الناظر محمد تمساح، وكانت تعقد تحت شجرة اللبخ المشهورة في بارا. هذه الحلقة تعد نقطة ضعف في البرنامج؛ نظراً لسوء الإعداد لأنها عكست رأي شخص واحد، وفق وجهة نظره وخدمة لأجندة معلومة، وهذا ما سنتطرق له لاحقاً.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. عباسيين بتاع الساعه كم يا دكتور ؟ مش بارا بل السودان كله لا يوجد به عباسي واحد والناس البقولوا مثل هذا الكلام هم ناس وهم .. نعم بارا كمدينة بها خليط من الخلق من جميع أنحاء السودان د. محمد التجاني أعلم به من غيره .. وهذه المدينه تقريبا عرضها في حدود عشره كلم وطولها 15 كلم .. هذه المساحه مقارنه بالمنطقه تعتبر نقطه في بحر عظيم من أرض عموم قبائل دار حامد والتي تمتد من حدود ام درمان شرقا الى حدود دارفور غربا وشمالا الى الصحراء الكبرى ..وبارا هي أحد مراكز هذه القبيله بقيادة العمده تمساح … وهم عربان أهل كرم ومروءه استضافوا في أرضهم الكثير من الأمم الأخرى .. وقد كان الاحرى بالاخ خالد ذكر جميع هذه الحقائق وكان الاحرى بمثل هذا البرنامج ان يستضيف بعضا من أهل الشأن أمثال د. محمد التجاني فهم من حكام المنطقه وادرى بها .. والاخ محمد معارفه لا تقتصر بالمنطقه فقط بل تمتد الى مناطق شسعه من ارض السودان … وكلام الاخ خالد لا يغير من الحقائق والتاريخ شيئا والنوبيون والرطانه هؤلاء ومع احترامنا لهم لا يمتون لهذه الارض بادنى علاقه .. والاسم بارا وكما اخبرني أحد الحدادين من اهلها يعني انها بارة بأهلها وفعلا هي باره بهم .. ارجو من الاخ خالد ان يتصل بالبرنامج لايضاح بعض الحقائق التي غابت عنه تنسيقا مع د. محمد التجاني ..

  2. لست من كردفان لكن ما قراته عن بارا وخاصة عن محكمة زانوق وشهرتها في الاشعار كيف لم يذكرها الوزير .

  3. عباسيين بتاع الساعه كم يا دكتور ؟ مش بارا بل السودان كله لا يوجد به عباسي واحد والناس البقولوا مثل هذا الكلام هم ناس وهم .. نعم بارا كمدينة بها خليط من الخلق من جميع أنحاء السودان د. محمد التجاني أعلم به من غيره .. وهذه المدينه تقريبا عرضها في حدود عشره كلم وطولها 15 كلم .. هذه المساحه مقارنه بالمنطقه تعتبر نقطه في بحر عظيم من أرض عموم قبائل دار حامد والتي تمتد من حدود ام درمان شرقا الى حدود دارفور غربا وشمالا الى الصحراء الكبرى ..وبارا هي أحد مراكز هذه القبيله بقيادة العمده تمساح … وهم عربان أهل كرم ومروءه استضافوا في أرضهم الكثير من الأمم الأخرى .. وقد كان الاحرى بالاخ خالد ذكر جميع هذه الحقائق وكان الاحرى بمثل هذا البرنامج ان يستضيف بعضا من أهل الشأن أمثال د. محمد التجاني فهم من حكام المنطقه وادرى بها .. والاخ محمد معارفه لا تقتصر بالمنطقه فقط بل تمتد الى مناطق شسعه من ارض السودان … وكلام الاخ خالد لا يغير من الحقائق والتاريخ شيئا والنوبيون والرطانه هؤلاء ومع احترامنا لهم لا يمتون لهذه الارض بادنى علاقه .. والاسم بارا وكما اخبرني أحد الحدادين من اهلها يعني انها بارة بأهلها وفعلا هي باره بهم .. ارجو من الاخ خالد ان يتصل بالبرنامج لايضاح بعض الحقائق التي غابت عنه تنسيقا مع د. محمد التجاني ..

  4. لست من كردفان لكن ما قراته عن بارا وخاصة عن محكمة زانوق وشهرتها في الاشعار كيف لم يذكرها الوزير .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..