الموسقة

السلوك الموسيقي نشاط يصدر عن الإنسان أياً كان جنسه أو عمره أو مستواه الثقافي أو الاجتماعي، ذلك لأن الإنسان مكون أساساً من قوانين كونية ووفق نواميس أهم ما يميزها الانتظام، ولب هذا الانتظام هو ضربات القلب ذات الايقاعات المنتظمة والتي لا تختل إلا في حالة المرض والسقم، ويفيض عنها بالطبع كل ما له علاقة بانتظام وحركة الدم في الجسم بما يؤدي في النهاية إلى نشوء نظام إيقاعي يسطير على كل النشاطات الفردية ويؤثر على الاندماج في الجماعة والتماهي مع الكون والانسجام مع الطبيعة في سيمفونية رائعة لا تزال تعزف منذ أمد بعيد.
وغني عن الذكر أن هذا الايقاع البيولوجي الذي يشيع في البناء الجسمي للإنسان يرتبط بإيقاع نفسي خاص بكل منا كأفراد، وخاص بكل جماعة متجانسة من الجماعات التي تخضع لظروف طبيعية واجتماعية واحدة أو متشابهة، وخاص بعد ذلك بكل مجتمع يشترك أفراده في ثقافة واحدة وفي موقع بيئي واحد، وأن الإنسان أياً كان له صفات يشترك فيها مع كل الناس وأخرى يشترك فيها مع بعض الناس، وصفات أخرى لا يشبه فيها أحداً من الناس، ولعل هذا ما يتماشى مع بيت الشعر:
خلقت مبرأ من كل عيب ** كأنك قد خلقت كما تشاء
وأحسن منك لم ترى قط عيني ** وأجمل منك لم تلد النساء
ومن التراث السوداني:
شدولو الجواد والصلاح برو مين المتل هو مين البشبهو
يا ود العزاز الجماعة جو يسلم لي علي ويضوي دار ابو
ونحن هنا نضيف أن هناك صفات أخرى للإنسان لا يشبه فيها نفسه احياناً، أي أنها تختلف لديه من لحظة لأخرى لأسباب متنوعة من أهمها الأسباب الموقفية والظروف التفاعلية التي يتعرض لها أو يشاهدها أو تروى له أو يشارك فيها، كما في قولنا أن فلان اتغير أو اتفصم فينا أو تبدل وكما قيل:
القدامنا ما انتا وكيفن بس تكون إنت
وكما قال التجاني حاج موسى:
تلاقي الزمن غير ملامحنا ونحنا بقينا ما نحنا
وأنا الصابر على المحنة
وما أكثر الصابرين والمتغيرين في هذه البلاد. والسلوك الإيقاعي هو تلك الايقاعات المنظمة والمنتظمة والتي تصدر عن الإنسان بشكل إرادي وتلقائي لاتكلف أو تصنع فيه، وهي عامل جوهري يساعد في تنظيم سلوك الإنسان بشكل عام. بمعنى أن كلامنا ومشينا ونومنا وشخيرنا وأكلنا و شربنا وعملنا يخضع للإيقاع والانتظام، وهذا الايقاع له نغمات خاصة بكل فرد،
فالخطوات أثناء المشي إذا تم احتسابها نجدها ذات نظام فريد وأنيق، والكلام كذلك له ايقاعه، ووحدات العمل محكومة بإيقاعات الأفراد وهذا يندرج في السلوك التعبيري والذي يغلب عليه الطابع التلقائي لارتباطه بحياة الإنسان وفسيولوجيا البشر.
الجريدة