تلف الوعي الجماعي (2): قصور الحراك المدني و المعارضة الذكية

لا يختلف عاقلان على أننا الآن في حالة احتقان شعبي عارم على طريق الكارثة الإقتصادية المؤدية إلى هياج الشارع و دمار لا نعلم مداه، مع غياب تام لقيادات المجتمع المدني و فعالياته. و يقيني أن هذا ما يسعى إليه ولاة النظام توطئة للفوضى الشاملة لتيسير خروجهم لملاذات ظنوا أنها آمنة
فعندما تضطرب أمور المجتمع في أي مكان يلتفت الناس إلى قوى المجتمع المدني الفاعلة تنشد الخلاص. وعندما لا تجدها يجب عليها أن تعمل على صناعتها على الوجه الذي يكفل لها قيادة عملية التغيير.
وتشمل مكونات منظمات قوى المجتمع المدني النقابات الفئوية و الاتحادات المهنية و الطلابية و إتحاد أصحاب العمل و الأحزاب السياسية و القيادات القبلية (عمد و نظار ومشايخ) وممثلي اللجان الشعبية بالولاية. و المفترض أن تعمل تلك الكيانات لحماية حقوق مواطنيها و منسوبيها، كل حسب الإهتمام و التخصص، بالتنسيق مع الجهات الحكومية أو جهات العمل لتحقيق مطالبها مادامت مشروعة.
إلا أن هذا التعريف أصابه الخلل نتيجة للاستقطاب السياسي لتلك المكونات من قبل الأحزاب بمختلف مسمياتها للكسب الحزبي، الذي يجوز أن نطلق عليه الآن تعبير الرخيص، إذ استغلت النخب الحزبية تلك القوى المدنية للوصول بها إلى السلطة بإنقلاب عسكري في مايو 25 و يونيو 30..
ما يهم الناس الآن هو كيفية تكوين قوي مجتمع مدني حديثة بديلة (كيانات ظل) موازية لتلك المسجلة، في ظل هيمنة الإخوان على كامل الجسم النقابي. وهنا مربط الإبداع و التحدي لفئة الشباب البارعة في استخدامات تقنية المعلومات و وسائل التواصل على الفضاء السايبيري لطي الزمان و المكان ونقل التحدي على الواقع الإفتراضي متخطيا الحدود بنشر الوعي بالقضايا الوطنية على أوسع قاعدة شعبية محليا و عالميا و الجمع بين الخبراء في مختلف المجالات بما يحبط كل مساعي القمع و التصدي و التحريف.
إذ لا مجال الآن للأطر التقليدية للعمل الجماهيري والنقابي من إعتصام و تظاهر و عصيان و التي لا ننكر إحتمال اندلاعها في أي وقت مع تواتر الأزمات، كما لا نستبعد ابدا حتمية قمعها بوحشية، فأمر
-shoot to kill –
أي الضرب في المليان، مازال في الذاكرة في انتظار اليوم الموعود.
إلا أنه يمكن تجنب الكثير من الضرر بإحلال المعارضة التقليدية بأخرى بديلة عبر الوسائط الإليكترونيه الذكية و بالتفاعل الإيجابي بين مكونات القوى المدنية الظل. فيجب أن يهتم الناشطون في كل ولاية بإنشاء مجموعات عمل متخصصة عبر الإنترنت للدعوة لعمل شعبي حول أي قضية محلية أو قومية، سواءا كانت في الشأن الدستوري أو الاقتصادي أو الخدمي أو التشريعي أو المشروعات القومية، حسب التخصص الفئوي، في كل منطقة او ولاية لمخاطبة المشكلة المحددة.
يتم التداول حول القضية على صفحة الإنترنت التي تتيح التصفح فقط ليكون التفاعل بالتعديل او الإضافة للمتخصصين المشاركين في المنظمات الظلية من خبراء و بيوتاًت استشارية وطنية، و الإطلاع مسموح لجمهور المتابعين لترسيخ الوعي و بيان صفة المكتسبات.
و يكون للصحف الإلكترونية الفضل في تبني هذا الطرح بمنبر للرأي يخصص لكل مشروع أو مطلب ذو صفة قومية أو ولائية و أن تعمل على الترويج للمداخلات الجادة حوله. كما تقوم بالربط و التنسيق و تبادل أوراق العمل بين الخبراء المشاركين في المنبر.
ثم يتوج النشاط على الفضاء السايبيري بوثيقة رأي خبرة لبيان حدود المطالبة الجماهيرية بحقوقها المشروعة تجاهه. و يشمل ذلك رفع الشكاوى الإدارية و الدعاوى القضائية أمام المحاكم الوطنية أو أمام جهات حقوق الإنسان الدولية. كما يجوز للقوى المدنية الإسفيرية مناشدة مواطنيها بالإمتناع عن أداء الرسوم الحكومية و مقاطعة اعمالها والاحتجاج بشتى الوسائل السلمية على مبدأ الحقوق مقابل الواجبات.
من أهم أهداف هذه الاطروحة الدفع بضرورة ظهور قيادات مدنية جديدة و نشطاء شباب قادرة على إستقطاب الجماهير وحشدها حول حقوق واستحقاقات قومية لتكوين الكتلة الجماهيرية الحرجة القادرة على الحراك كسيل منهمر يجود بالتغيير لنيل حقوقها المشروعة.
و نطرح هنا، دون الحصر، القضايا القومية والولائية اللازمة للحراك الشعبي:
1- مسودة الدستور الدائم المستمد من دستور السودان لعام 1956 (غير المعدل) باعتباره إستحقاق نضال الإستقلال. ويمكن طرح التعديلات إضافة نصوص جديدة للإستفتاء الانتقائي على الإنترنت.
(سبعة رجال وضعوا الإعلان الدستوري الأمريكي فكانوا الآباء المؤسسون)
2- بيان مستويات الحكم في السودان سواءاً جمهورية رئاسية ام برلمانية مع بيان صفة الملائمة للتاريخ السياسي المعاصر.
(تجربة الاستعمار الإنجليزي الذي إنتهى بالسودنة تحت إدارة تكنوقراط بمهنية عالية أفسدها العبث الحزبي إلى يومنا هذا)
3- تعريف رمز السيادة الجامع لكل مكونات المجتمع السوداني دون إقصاء أو تهميش لأي مجموعات أهلية. على أن يكون دائم الانعقاد بنصاب ثلثي عدد أعضاءه.
(التعبير الحقيقي للديمقراطية)
4- أسس التمثيل الأهلي في المجالس المحلية التنفيذية للإشراف المباشر على المشروعات والخدمات المحلية.
(حكم الشعب المباشر دون وسيط حزبي أو طائفي)
5- المطالبة بزيادة بند مخصص التعليم و الصحة خصما على مصروفات الأجهزة الامنية والدفاع في الموازنة العامة.
(الحقوق المكتسبة و تلك المهدرة)
6- المطالبة بالإدارة الشعبية لمخصص مصروفات الخدمات بالمحليات خصما على رسوم العوائد والضرائب المحلية المباشرة.
(إرادة المكونات الاهلية المحلية لفرض الحقوق)
7- المشروعات الولائية:
(الإرادة الوطنية للنهضة و عدم الخضوع)
1-7 تأهيل مشروع الجزيرة
2-7 مشروع استغلال حقل الغاز الطبيعي بسواكن لتوفير مياه و كهرباء بورتسودان
3-7 مناهضة التعدين العشوائي بولاية الشمالية
4-7 أضرار مشاريع الرودس بالشمالية ومخاوف تلوث و انحسار الحوض النوبي للمياه الجوفية
5-7 حقوق التعدين بولاية كردفان و دارفور و قسمة الثروة.
6-7 الخريطة الجيولوجية للمياه الجوفية لكافة ولايات السودان و قضايا تلوث مياه الشرب.
7-7 ان مظاهر النزاعات المسلحة و الاحتقان القبلي رهين بقدرة حكماء الأمه على الإتفاق حول المبادئ الأساسية للعدل و المساواة في إعلان دستوري لتحقيق التنمية المتوازنة بين كافة أقاليم السودان.
طريق الخلاص سيكون معبدا بالإخلاص و العمل، و التغيير معقود بعزيمة شباب الأمة، ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، و هو من وراء القصد.
لقد ولى لدينا هنا في السودان زمان وضع الدساتير على أساس التوازنات السياسية الحزبية وتجاربنا تقول بأنه لم يفلح دستور واحد، مؤقت ولا دائم، على حفظ مثل هذه التوازنات بدليل أن كل تجربة ديمقراطية تنتهي بانقلاب وبارتداد للحكم الشمولي العسكري أو المدني بقبضته الأمنية وتكميم الأفواه لا بل وتسخير المواطن خدمة للحكام مستغلين فكرة الواجب التقليدي للمواطن نحو الدولة مقابل الخدمات التي يتوجب عل الدولة توفيرها للمواطن بالمقابل، فاستغل الانقلابيون الحاليون هذا بعد التمكين واحكام القبضة الأمنية فظلوا يأخذون مساهمات المواطن دون أن يقدموا له شيئاً بالمقابل ثم صار الأمر واقعا بأن انقلب الوضع وصارت الدولة قطاعاً خاصا ولكن بسلطات الدولة وجبروتها في الاحتكار وفرض الاتاوات والجبايات الباهظة لمن أراد من المواطنين طلب الخدمات الأساسية التي هي مهمة كل دولة في العالم بما في ذلك السودان في عهده السابق. وطبيعي أنْ صاحَبَ هذا التحول، أي صيرورة الدولة إلى إقطاعيات خاصة، ذهاب كل إيرادات الدولة إلى جيوب الحكام ومن شايعهم وليس حتى إلى صيانة الموارد التي يبيعون خدماتها للمواطن ولا الحفاظ على مرافقها فذهبت كل البنية التحتية لمرافق الدولة ومشاريعها التنموية والخدمية التي كانت قائمة ولم يبقى شيئ حتى بيعت الأرض ذاتها بما فيها ظاهراً وباطناً للمستثمرين الأجانب. فهل تعتقد أن أمثال هؤلاء يجب أن يشملهم التوازن الحزبي الدستوري إن قدر للسودان بعدهم أن يصوغ دستوراً لبرالياً تعددياً؟ إن اتباعهم فقط يمكن أن ينخرطوا كأفراد ولكن ليس بهيئاتهم التي كانت حاكمة، وأما قياداتهم وزعماؤهم فلابد من نفيهم من الأرض من بقي منهم بعد القصاص العادل ورد الحقوق.
وحيث أن الديمقراطية قد فشلت وصارت معبراً للإنقلابات فلا أظن أن عاقلاً سيقبل بدستور يعيدنا للعمل بالحكم الحزبي مرة أخرى بعد فشل دستور 56 و86 دستور انتفاضة ابريل 85. بيد أننا لا نزهد في الديمقراطية والحرية الفردية والمساواة والعدالة ولكن نريدها مبرأة من الحزبية والتشاكس السياسي الفارغ؛ إننا نريد أن نطبق الديمقراطية ومعاني المساواة والحرية والعدالة والكرامة من خلال مؤسسات الدولة التي تمثل كل المواطنين الراغبين في الخدمة العامة والمؤهلين لذلك فتكون دولة المؤسسات العامة هي الممثل الشرعي للمواطن والأمين على حقوقه والعادلة بشأن واجباته وهذا كل ما يطلبه الفرد المواطن لمعيشته ورفاهه وحريته وكرامته ضد التمييز والاستلال ولا يتطلع ولا يحتاج لحرية التنظيم أو التحزب لمجرد التبعية أولتمثيل نفسه لدى الدولة حيث لا حاجة لذلك.
إذن فإن الدستور الذي نريد هو دستور لحفظ التوازن بين مؤسسات الدولة وتكاملها بحيث تقوم بكافة واجبات الدولة بفعالية وتناسق تام مع إحكام الرقابة القانونية الادارية والقضائية لمنع وإزالة التضارب ومحاسبة المقصرين مع ملاحظة أن التقصير الفردي سيكون غير وارد اذا تم صياغة تشكيل وتنظيم مؤسسات الدولة على العمل الجماعي الذي لا يعتمد على القيادة الفردية في أي مؤسسة من مؤسسات الدولة لجنة كانت أم مؤسسة الرئاسة أو وزارة. مثل أن يكون العمل متسلسلاً بحيث لا يكون لصاحب القرار الانتهائي إلا أن يمضيه أو يستقيل إن لم يعجبه، أو يكون الرئيس أو الوزير المدير أو المسئول بجانب دوره كحلقة اتصال بالمؤسسات الأخرى (وارد وصادر) مهمته داخل المؤسسة التي يتبع لها هو مجرد التنسيق بين الكادر البشري في المؤسسة والمشاركة معها في اتخاذ وصنع القرار بالأغلبية ووفق القانون ولا يستقل باي قرار مما هو موكل للمؤسسة الاضطلاع به واتخاذه.
نعم قد يتطلب الأمر مفوضية واستشاريين وممثلين ناقلين لقرارات الفئات أو الجهات التي يمثلونها مع ابراز ما يفيد ذلك (محاضر توقيعات مؤتمرات ندوات تقارير مكتوبة أو مسجلة أو مصورة) ولا يقبل أن يقدم أي ممثل لجهة ما اقتراحاً أو رأياً منسوباً إلى من يمثلهم إلا بسند ويحظر تماماً المفهوم السائد بأن يعطى الممثل تفويضاً مطلقا ليستغله أو تستغله المؤسسة الحزبية في النظام اللبرالي السابق في السودان حيث لا توجد حقيقية فهي إما طائفية إشارية أو عقائدية ومذهبية وداعشية وهي أوصاف غير مقبولة أصلاً في المصدر الأصلي للديمقراطية الذي نشأت فيه. ولكن مهمة هذه المفوضية ليست التقريب بين مواقف الفرقاء الحزبيين فقط ولكن تنسيق جميع الآراء السياسية منها والفنية . غير أننا نرى مهمتها حسب طرحنا أعلاه تنحصر فقط في الصياغة والضبط الفني للنصوص التي تعبر عن المعاني أعلاه، فلا خلاف على هذه الحقوق والحريات الأساسية كالمساواة وعدم التمييز والحرية بما في ذلك حرية التنظيم والتحزب رغم ان ذلك لا معنى له ولا تأثير له على مؤسسات الدولة، فلو تحزبت مؤسسة كاملة أو وزارة فلن تخرج من مهمتها الدستورية المرسومة لها تحت مظلة القانون ورقابة الجهات الادارية والقضائية والاعلامية. ففضلاً عن عدم وجود أي سجل أو مسجل أحزاب، فإن تكوين أي حزب مع ذلك لاجدوى منه لأنه سيكون لا علاقة بالحكم وبعمل مؤسسات الدولة ويصبح كمن يؤذن في مالطة.
لقد ولى لدينا هنا في السودان زمان وضع الدساتير على أساس التوازنات السياسية الحزبية وتجاربنا تقول بأنه لم يفلح دستور واحد، مؤقت ولا دائم، على حفظ مثل هذه التوازنات بدليل أن كل تجربة ديمقراطية تنتهي بانقلاب وبارتداد للحكم الشمولي العسكري أو المدني بقبضته الأمنية وتكميم الأفواه لا بل وتسخير المواطن خدمة للحكام مستغلين فكرة الواجب التقليدي للمواطن نحو الدولة مقابل الخدمات التي يتوجب عل الدولة توفيرها للمواطن بالمقابل، فاستغل الانقلابيون الحاليون هذا بعد التمكين واحكام القبضة الأمنية فظلوا يأخذون مساهمات المواطن دون أن يقدموا له شيئاً بالمقابل ثم صار الأمر واقعا بأن انقلب الوضع وصارت الدولة قطاعاً خاصا ولكن بسلطات الدولة وجبروتها في الاحتكار وفرض الاتاوات والجبايات الباهظة لمن أراد من المواطنين طلب الخدمات الأساسية التي هي مهمة كل دولة في العالم بما في ذلك السودان في عهده السابق. وطبيعي أنْ صاحَبَ هذا التحول، أي صيرورة الدولة إلى إقطاعيات خاصة، ذهاب كل إيرادات الدولة إلى جيوب الحكام ومن شايعهم وليس حتى إلى صيانة الموارد التي يبيعون خدماتها للمواطن ولا الحفاظ على مرافقها فذهبت كل البنية التحتية لمرافق الدولة ومشاريعها التنموية والخدمية التي كانت قائمة ولم يبقى شيئ حتى بيعت الأرض ذاتها بما فيها ظاهراً وباطناً للمستثمرين الأجانب. فهل تعتقد أن أمثال هؤلاء يجب أن يشملهم التوازن الحزبي الدستوري إن قدر للسودان بعدهم أن يصوغ دستوراً لبرالياً تعددياً؟ إن اتباعهم فقط يمكن أن ينخرطوا كأفراد ولكن ليس بهيئاتهم التي كانت حاكمة، وأما قياداتهم وزعماؤهم فلابد من نفيهم من الأرض من بقي منهم بعد القصاص العادل ورد الحقوق.
وحيث أن الديمقراطية قد فشلت وصارت معبراً للإنقلابات فلا أظن أن عاقلاً سيقبل بدستور يعيدنا للعمل بالحكم الحزبي مرة أخرى بعد فشل دستور 56 و86 دستور انتفاضة ابريل 85. بيد أننا لا نزهد في الديمقراطية والحرية الفردية والمساواة والعدالة ولكن نريدها مبرأة من الحزبية والتشاكس السياسي الفارغ؛ إننا نريد أن نطبق الديمقراطية ومعاني المساواة والحرية والعدالة والكرامة من خلال مؤسسات الدولة التي تمثل كل المواطنين الراغبين في الخدمة العامة والمؤهلين لذلك فتكون دولة المؤسسات العامة هي الممثل الشرعي للمواطن والأمين على حقوقه والعادلة بشأن واجباته وهذا كل ما يطلبه الفرد المواطن لمعيشته ورفاهه وحريته وكرامته ضد التمييز والاستلال ولا يتطلع ولا يحتاج لحرية التنظيم أو التحزب لمجرد التبعية أولتمثيل نفسه لدى الدولة حيث لا حاجة لذلك.
إذن فإن الدستور الذي نريد هو دستور لحفظ التوازن بين مؤسسات الدولة وتكاملها بحيث تقوم بكافة واجبات الدولة بفعالية وتناسق تام مع إحكام الرقابة القانونية الادارية والقضائية لمنع وإزالة التضارب ومحاسبة المقصرين مع ملاحظة أن التقصير الفردي سيكون غير وارد اذا تم صياغة تشكيل وتنظيم مؤسسات الدولة على العمل الجماعي الذي لا يعتمد على القيادة الفردية في أي مؤسسة من مؤسسات الدولة لجنة كانت أم مؤسسة الرئاسة أو وزارة. مثل أن يكون العمل متسلسلاً بحيث لا يكون لصاحب القرار الانتهائي إلا أن يمضيه أو يستقيل إن لم يعجبه، أو يكون الرئيس أو الوزير المدير أو المسئول بجانب دوره كحلقة اتصال بالمؤسسات الأخرى (وارد وصادر) مهمته داخل المؤسسة التي يتبع لها هو مجرد التنسيق بين الكادر البشري في المؤسسة والمشاركة معها في اتخاذ وصنع القرار بالأغلبية ووفق القانون ولا يستقل باي قرار مما هو موكل للمؤسسة الاضطلاع به واتخاذه.
نعم قد يتطلب الأمر مفوضية واستشاريين وممثلين ناقلين لقرارات الفئات أو الجهات التي يمثلونها مع ابراز ما يفيد ذلك (محاضر توقيعات مؤتمرات ندوات تقارير مكتوبة أو مسجلة أو مصورة) ولا يقبل أن يقدم أي ممثل لجهة ما اقتراحاً أو رأياً منسوباً إلى من يمثلهم إلا بسند ويحظر تماماً المفهوم السائد بأن يعطى الممثل تفويضاً مطلقا ليستغله أو تستغله المؤسسة الحزبية في النظام اللبرالي السابق في السودان حيث لا توجد حقيقية فهي إما طائفية إشارية أو عقائدية ومذهبية وداعشية وهي أوصاف غير مقبولة أصلاً في المصدر الأصلي للديمقراطية الذي نشأت فيه. ولكن مهمة هذه المفوضية ليست التقريب بين مواقف الفرقاء الحزبيين فقط ولكن تنسيق جميع الآراء السياسية منها والفنية . غير أننا نرى مهمتها حسب طرحنا أعلاه تنحصر فقط في الصياغة والضبط الفني للنصوص التي تعبر عن المعاني أعلاه، فلا خلاف على هذه الحقوق والحريات الأساسية كالمساواة وعدم التمييز والحرية بما في ذلك حرية التنظيم والتحزب رغم ان ذلك لا معنى له ولا تأثير له على مؤسسات الدولة، فلو تحزبت مؤسسة كاملة أو وزارة فلن تخرج من مهمتها الدستورية المرسومة لها تحت مظلة القانون ورقابة الجهات الادارية والقضائية والاعلامية. ففضلاً عن عدم وجود أي سجل أو مسجل أحزاب، فإن تكوين أي حزب مع ذلك لاجدوى منه لأنه سيكون لا علاقة بالحكم وبعمل مؤسسات الدولة ويصبح كمن يؤذن في مالطة.