الورد ينبت في العيلفون – شعر

? حتى لا ننسى..اليوم تحل الذكرى 17 لمجزرة معسكر العيلفون:

الورد ينبت في العيلفون – شعر
(إلى أرواح شهداء معسكر العيلفون)
===
1
ما الذي يجعلُ النّيلَ حرباءَ
تخلعُ لوناً وتلبسُ لوْن ؟
وقد شدّ أوصالَه كالمصارعِ
بعثرَ أمواجَه في الضِّفافِ
وأشهَرَ سيفَ المنونْ !
كان يرغِي ويزبدُ
يعلو ويهبُطُ
ثم استدارَ على بعضِهِ
يلفظُ الطمْيَ
يبحثُ عن صيدِه في جنونْ !
والقُرى والبيادرُ
تحلمُ بالخيْرِ والرِّزق
والطيّبون على ضفتيْهِ اطمأنوّا
فقد طالما كان يُعطي ويجزلُ
دون انتظارِ الثناءْ
ولكنّه اليومَ جاعَ
وقد يأكلُ النِّيلُ أبناءه
إذ يجوعْ !

2

وفي ضفّة النّيل في العيلفونْ
أطلّ النخيلُ بأعناقهِ
وشْوشَ السعْفُ للسعفِ
ناحت على البعدِ “قُمْريّةٌ”
ثم رانَ السكون !
ودبّت على الأرضِ
رائحةُ الخوفِ
طارت إلى الوكناتِ الطيور
تخلّى عن الضفّة السمبر، الرّهو،
حتى الأوزُّ الذي كان في النهر..
أقلع للبرِّ !
إنّ السكونَ الذي رانَ في الكونِ..
ليس السكونْ !
وثمّة شيءٌ يدبُّ على الأرضِ
يزحفُ في الموجِ
ينفُثُ رائحةَ الموتِ
شيءٌ تراهُ القلوبُ
وتعجزُ كيما تراهُ العيونْ !
والإوزُّ الذي كان في النهرِ أقلعَ للبرِّ !
إنّ الطبيعةَ تكشفُ أسرارَها للطيورِ
وتفتحُ أغوارَها للدوابِّ
وتنبئُهُم أنّ شيئاً يدبُّ على الأرضِ ..
ينفثُ ريحَ الخرابْ !!

3

… وفي النقطةِ الصِّفرِ
بين انتباهةِ عينٍ وغمضةِ عينْ
تنادوْا إلى لُجّة الماءِ
ألقوا بأجسامِهم في العُباب!
إذْ ربّما يمنح النّهر حرّية
ربما يكسرُ القيدَ والأسْر
كان المعسكرُ ذلاً وقهرْ
وكان المعسكر
وصمةَ عارٍ على العيلفون!
لأنّ المعسكرَ كان المزيجَ من الهَذيانِ
وحبلَ الغسيلِ الذي أرهقته العيوبْ !
فقد كان ينسِجُ ثوْبَ المنيةِ
للقادمين إليه..
يجهِّزُ أكفانَهم في الشّمالِ
ليدفنَهم في الجنوبْ !
تنادوا إلى النّهر
والنّهرُ أرْغَى وأزْبدَ
كشّر عن نابِهِ واكفهرْ
هنا الموجُ يعلو
وفي الخلْف دوّى الرُّصاصُ
وأحْلى الخياريْنِ مُرْ !
امتطى البعضُ زورق صيدٍ على الشطّ
والبعضُ لاذ إلى جذْعِ سنطٍ قديمْ ،
طفا..ثم غاص بهم في العميق !
كان السبيلُ الوحيدُ إلى الإنعتاقِ هو النّهر
والنهرُ جاعَ
وقد يأكلُ النّهرُ أبناءه إذ يجُوعْ !
(4)
وهاج المعسكرُ
دوّى الرّصاصُ الجبانْ
رصاصٌ يلعْلِعُ
دنّس طُهْرَ المكانْ
رصاصٌ تساقط مثل المطرْ
شواظٌ كفعلِ الجحيمِ انهمرْ
رصاص..جحيم .. قضاء أمرْ !
أتى من جميع الزوايا
من البرِّ جاء
من الماء جاء
تسلّل عبْرَ فروعِ الشجرْ !
وهاج المكانْ
مطرٌ من دخانْ
مطرٌ في حشاه المنونْ
مطرٌ في القفا والجبينْ
مطر من رصاص الزنادقةِ الملتحين !
وضعت أمّنا الأرضُ أوزارَها
ليس في ضفة النّهرِ معركة..
بين جندٍ وجند
ولكنّ في العيلفونْ
رصاصاً يمزّقُ صمْتَ الأصيلْ
وساعةَ نحسٍ تقول :
هنا قاتلٌ يتعقّبُ خطوَ القتيلْ!

(5)

..وفي عتمةِ اللّيلِ
والنِّيلُ أغْفَى
ورانَ على الضفّتين السكونْ
مشى النهرُ هوناً
سرتْ نسمةٌ في المكانْ
ودبّ وراءَ السحابِ القمرْ
رأى وجهَه في العُبابِ خجولاً
تُرَى هل مضى زمنُ الشِّعْرِ
والقمرِ العسجدي ؟
ويا ليلُ ، أين الحبيبُ الذي
يشتكيك الجوى والغرام؟
وأين المُغنّي الذي
أطربَ الحيَّ؟
وانداح تحنانُه
بين شمباتَ وابْ روفْ؟
…………………..
يا ليلْ أبقالي شاهدْ
على نار..
شوقي وجنوني *
………………
كان ليلُك يا ليلُ
كلَ المُنَى والسلامْ
وكانت بدورُكَ
كانت نجومُكَ
تضحكُ ،
تنعسُ ،
تسقطُ في النهرِ
والنّهرُ يغدِقُ آلاءهُ
ينثرُ الخيْرَ
والحُبَّ للعالمين !
ويا ليْلُ هل ضاق صدرُكَ
بالجُثَثِ الطافحاتِ على النهر ؟
يا ليل كُنْ شاهداً
أنّ ذاك الزمانَ الجميلَ مضى
وأنّ البرابرةَ الملتحينَ ،
أتوا من ثقوبِ النوايا
ومن صُلْبِ ذاك الزمان الجميل !
ويا ليلُ كُنْ شاهداً..
أنّ عصر البرابرة الملتحين سيمضي!
وأنّ الورودَ ستنبُتُ حمراءَ
في ضفّةِ العيلفون !
——————————–
* شاعر فن الحقيبة / أبوصلاح
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. ايها الشاعر الصادق
    حملتني حروفك الى المشهد… فأنت شاهد ،،، و الليل شاهد،، وأنا اشاهد عبر كلماتك:
    ” مطر من رصاص الزنادقة الملتحين اتى من جميع الزوايا
    مطر علي القفا و الجبين”
    ايها الشاعر،،، لقد اسمعت لو ناديت حياً
    و لكن……

  2. لله درك يا أستاذ … انه الشعر الذي يهيج مشاعرك… شعر فضيلي ينساب دون تكلف كانسياب النهر العظيم.فبالأمس القريب حلق بنا لنشاهد المأساة من أعلى قنة كاودا ، واليوم نحن على مستوي البحر (النهر) في ذكرى مأساة أخرى في هذا الوطن المنكوب المرزوء. يرسم الشاعر فضيلي جماع لوحتة بالكلمات لتتجسد أمامك كشمس استبدلت ضياءها بنور القمر. قلة من الشعراء من يرسم لوحة بهذه الدقة. أترى هى قراءات الشاعر في أيام شبابه ونهمه اللامحدود في الشعر الرمنطيقي للفحول أمثال (وليم وردسورث) في قصيدة The Daffodils أو الشاعر بدر شاكر السياب في (أنشودة المطر) ليتجسد أثر ذلك في رائعة الشاعر فضيلى جماع (رسم على الماء) والتي أعتبرها أنا شخصيا لوحة من طراز فريد تبدي للمتأمل في كل مرة شيئا كان قد غاب عنه في المرات السابقة كلوحة (الموناليزا) ، والفن الراقي أرومة واحدة : أكان شعرا أم نثرا أم نحتا أم غناء. فالفنان الأصيل عبدالقادر سالم عندما يتغنى برائعة الشاعر ويذكر مفردتي (رهيد) و(وزين) يقفز اللب مباشرة للفعل (جيناكي) لتتم الصورة متجسدة كالأوز المهاجر من على البعد حين يرمق غدير الماء مترقرقا من شاهق فضاءاته البعيدة.
    خذ القصيدة التي أمامك عزيزي القارئ عن ذكرى مأساة طلاب العيلفون الذين تم علفهم لخيول (البرابرة الملتحين) وانظر الى وحدة القصيدة وجمعها بين مشهدين بديعين. فصدر القصيدة :
    ما الذي يجعل النيل حرباء
    تخلع لونا وتلبس لون؟
    ……
    …… وعجز القصيدة ومسك ختامها:
    أن عصر البرابرة الملتحين سيمضى ! وان الورود ستنبت حمراء
    في ضفة العيلفون !

    النظام القابع على صدر شعبه يتلون كالحرباء ، ودماء من مات من الشهداء أمل يخضب ورد الفرح بزوال عصر البرابرة الملتحين . فالحرباء تتلون ولكن حين يحين أجلها تموت علو لون واحد ، لون عابس مغبر كالح كسحنات البرابرة أعلاه. شاعرين من شعراء بلادي مبدعين فضيلي جماع وعالم عباس ، كتب النقاد العظام أمثال المرحوم البروفسير على المك والشاعر الدكتور محمد عبد الحي عن تجربتهما الشعرية المبدعة ، ولكن نأمل أن تترجم أعمالهما ولومختارات منها الى اللغات الأجنبية ليتعرف عليهما من لا يجيد العربية من سكان المعمورة. عيد مبارك وسعيد أيها الشاعر المناضل

  3. سلم الله يداك وقلمك ايها المبدع.
    لقد وثقت بهذه االقصيدة الرائعة والتي امتلئت بالصورالشعرية المعبرة و المليئةبالعاطفة والمحبة رغم الم الذكري حدثاً يستحق التوثيق .
    ليت مثل هذه القصيدة تكون في منهج التعليم عندما يسقط البراربة الملتحون.

  4. ايها الشاعر الصادق
    حملتني حروفك الى المشهد… فأنت شاهد ،،، و الليل شاهد،، وأنا اشاهد عبر كلماتك:
    ” مطر من رصاص الزنادقة الملتحين اتى من جميع الزوايا
    مطر علي القفا و الجبين”
    ايها الشاعر،،، لقد اسمعت لو ناديت حياً
    و لكن……

  5. لله درك يا أستاذ … انه الشعر الذي يهيج مشاعرك… شعر فضيلي ينساب دون تكلف كانسياب النهر العظيم.فبالأمس القريب حلق بنا لنشاهد المأساة من أعلى قنة كاودا ، واليوم نحن على مستوي البحر (النهر) في ذكرى مأساة أخرى في هذا الوطن المنكوب المرزوء. يرسم الشاعر فضيلي جماع لوحتة بالكلمات لتتجسد أمامك كشمس استبدلت ضياءها بنور القمر. قلة من الشعراء من يرسم لوحة بهذه الدقة. أترى هى قراءات الشاعر في أيام شبابه ونهمه اللامحدود في الشعر الرمنطيقي للفحول أمثال (وليم وردسورث) في قصيدة The Daffodils أو الشاعر بدر شاكر السياب في (أنشودة المطر) ليتجسد أثر ذلك في رائعة الشاعر فضيلى جماع (رسم على الماء) والتي أعتبرها أنا شخصيا لوحة من طراز فريد تبدي للمتأمل في كل مرة شيئا كان قد غاب عنه في المرات السابقة كلوحة (الموناليزا) ، والفن الراقي أرومة واحدة : أكان شعرا أم نثرا أم نحتا أم غناء. فالفنان الأصيل عبدالقادر سالم عندما يتغنى برائعة الشاعر ويذكر مفردتي (رهيد) و(وزين) يقفز اللب مباشرة للفعل (جيناكي) لتتم الصورة متجسدة كالأوز المهاجر من على البعد حين يرمق غدير الماء مترقرقا من شاهق فضاءاته البعيدة.
    خذ القصيدة التي أمامك عزيزي القارئ عن ذكرى مأساة طلاب العيلفون الذين تم علفهم لخيول (البرابرة الملتحين) وانظر الى وحدة القصيدة وجمعها بين مشهدين بديعين. فصدر القصيدة :
    ما الذي يجعل النيل حرباء
    تخلع لونا وتلبس لون؟
    ……
    …… وعجز القصيدة ومسك ختامها:
    أن عصر البرابرة الملتحين سيمضى ! وان الورود ستنبت حمراء
    في ضفة العيلفون !

    النظام القابع على صدر شعبه يتلون كالحرباء ، ودماء من مات من الشهداء أمل يخضب ورد الفرح بزوال عصر البرابرة الملتحين . فالحرباء تتلون ولكن حين يحين أجلها تموت علو لون واحد ، لون عابس مغبر كالح كسحنات البرابرة أعلاه. شاعرين من شعراء بلادي مبدعين فضيلي جماع وعالم عباس ، كتب النقاد العظام أمثال المرحوم البروفسير على المك والشاعر الدكتور محمد عبد الحي عن تجربتهما الشعرية المبدعة ، ولكن نأمل أن تترجم أعمالهما ولومختارات منها الى اللغات الأجنبية ليتعرف عليهما من لا يجيد العربية من سكان المعمورة. عيد مبارك وسعيد أيها الشاعر المناضل

  6. سلم الله يداك وقلمك ايها المبدع.
    لقد وثقت بهذه االقصيدة الرائعة والتي امتلئت بالصورالشعرية المعبرة و المليئةبالعاطفة والمحبة رغم الم الذكري حدثاً يستحق التوثيق .
    ليت مثل هذه القصيدة تكون في منهج التعليم عندما يسقط البراربة الملتحون.

  7. نعم انها ماساة عبرت عنها هذه القصيدة الصادقة. والنفس الانسانية السوية تتأثر لموت اى انسان بل حتى لموت حيوان فكيف بؤلئك اليافعين الذين تفطرت من اجلهم قلوب الامهات والاباء الذين كانوا يحلمون بمستقبل باهر لفلذات اكبادهم. ففقدوهم ﻻسباب ﻻ ادرى ماهى . ولذلك مثل هذه القصائد ترجعنا القهقرى لذاكرة التاريخ القريب وتجعلنا نقول ان كانت هذه الحادثة وقعت لخطأ انسانى غير مقصود فيجب ان تعوض الدولة اسر الشهداء وان كانت حدثت لقصد متعمد تم التستر عليه فى حينه فقد ان الاوان لمحاسبة المجرمين الذين قاموا بهذه المجزرة الشنيعة . ولنعلم بأن ذهاب الدنيا اهون عند الله من قتل امرئ مؤمن . فالتحية للاديب الرائع فضيلى جماع وهو يثرى ذاكرة الامة السودانية ووجدانها بروائعه ويراعه المتفرد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..