نانسي هيوستن تحاور أساتذة اليأس

شوبنهاور يمثل الأب الروحي لمعظم أساتذة اليأس في أوروبا الذين جسدوا القيم الأدبية الأوربية في تعلم الموت وتعليمه والتقليل من قيمة الجسد.
بقلم: مفيد نجم
بعد الحرب الكونية الثانية سادت في الأدب الأوروبي نزعة عدمية عبرت عن واقع الأزمة الروحية والفكرية التي عاشتها المجتمعات الغربية بعد تلك الحرب الطاحنة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل كان ظهور الفكر العدمي وليد تلك الحرب، أم أن له جذورا تاريخية أقدم أسست لظهوره، الذي بلغ مداه في نهاية النصف الأول من القرن العشرين. الباحثة النمساوية نانسي هيوستن في كتابها «أساتذة اليأس» الذي صدرت ترجمته مؤخرا عن مشروع «كلمة» للترجمة بأبو ظبي تحاول الإجابة عن هذا السؤال، إلى جانب محاولة استكشاف العوامل الفكرية التي كمنت وراء تلك الظاهرة، التي تشكل مفارقة في مجتمعات استهلاكية تقبل على الحياة بنهم.
تختار الباحثة لدراستها ثلاثة أجيال من الأدباء الأوروبيين وفي مقدمتهم الأب الروحي لمعظم هؤلاء الأدباء آرثر شبنهاور، لكنها تعترف أن الجهل باللغات الأخرى كالطليانية واليابانية والاسكندنافية جعلتها لا تتطرق إلى رموز العدمية في تلك الثقافات. تحاول هيوستن في البداية أن تتبع جذور العدمية في محاولة منها لمعرفة من أين جاءت تلك النزعة، ولذلك تتناول تاريخ تطور الفكر الأوربي منذ قرنين من الزمن وما اتسم به من ثنائية ضدية تمثلت في النزعة الطوباوية، والنزعة العدمية اللتين لاقتا رواجا كبيرا بسبب طبيعتهما المطلقة.
وقبل أن تتحدث عن العلاقة بين العدمية والأدب تشير إلى أن المعاني المختلفة لمفهوم العدمية تبين الصلة الكامنة بين الطوباوية والعدمية إذ أن مفهوم العدمية في روسيا القرن التاسع عشر كانت تشير إلى الراديكاليين الذين كانت تتمثل عقيدتهم في سؤال ما العمل بينما كان دوستويفسكي من ألد خصومهم. الميزة الأولى التي ترى أن العدميين يشتركون بها هي العزوف عن الإنجاب، وهو بالنسبة لهم ليس مجرد خيار، بل يمثل مبدأ يتعذر نقضه، فهم أشجار غير مثمرة على خلاف الشخصية النسائية التي تحاول اكتشاف السمات التي تميزها عن الرجل باعتبارها مدخلا لفهم شخصية الرجل.
وبالتالي فهم الأسباب التكوينية التي تقف وراء ظهور تلك النزعة العدمية عند الرجال، بدءا من التربية الاجتماعية وعلاقة المرأة والرجل بجسده إذ يتميز الرجال بأنهم وحيدون في أجسادهم أكثر من النساء إضافة إلى أن الرجال ذو ميول للنظر لأنفسهم كأشخاص منعزلين. الباحثة تميز بين الخطاب اليائس عند الرجل من حيث كونه خطابا ميتافيزيقي الجوهر بينما هو عند المرأة مادي عنيف وجنسي وانتحاري وهذا ما يجعل الرجال أقل عرضة للانتحار من النساء، في حين تعتبر أن أول خطوة نحو العدمية هي الإدراك مبكرا أننا موجودون في هذا العالم بمحض الصدفة ما يجعل هذا الوجود عبثيا.
يمثل شوبنهاور الأب الروحي لمعظم أساتذة اليأس في أوروبا الذين جسدوا القيم الأدبية الأوربية في تعلم الموت وتعليمه والتقليل من قيمة الجسد وانتزاع النفس من جميع أشكال الصلات وفي مقدمتها صلة الحب وإنكار المؤنث المفكِّر. شخصيات أدبية وفلسفية كثيرة تتناول هيوستن حياتهم والكيفيات التي تجلى فيها الفكر العدمي في أدبهم وفلسفاتهم بدءا من شوبنهاور وصموئيل بيكت مرورا بإميل سيوران وميلان كونديرا وميشيل ويلبيك وحتى رومان غاري وتوماس بيرنهارد وشالوت ديلبو وفيتغشتاين ودستويفسكي لتخلص في النهاية إلى مقولة تؤكد فيها أن العدمية هي فلسفة عبثية بامتياز.
وعندما تحاول أن تميز بين أساتذة اليأس تجد أن ألفريدا يلينيك تأتي في مقدمتهم بسبب طبيعة الوسط العائلي الذي أثّر كثيرا على مزاجها العام إذ شددت والدتها عليها الحصار في بداية مرحلة مراهقتها الأولى بحيث منعت أن تكون لها حياتها الجنسية. وفي بحثها في روايات ميلان كونديرا تكتشف البغض الذي تظهره تجاه الأمهات كما ظهر ذلك في عملين له عندما اكتفى بالإشارة لهما بكلمة ماما دون أن يمنحهما اسما.
ميدل ايست أونلاين