حرب أحزاب الحوار

الحوار الذي أطلقه المؤتمر الوطني قبل ما يقارب أربع سنوات لتسوية قضايا الوطن التي فرقت الشعب ودمرت السودان وخلفته وعزلته عن العالم، لم يتفاءل به أحد بسبب النهج الذي مضى عليه والمشاركين فيه، فكان التنبؤ بفشله أمراً لا يحتاج إلى فراسة أو ذكاء. وحين وصل النهاية أصبح أزمة جديدة أضيفت إلى أزمات السودان، فمخرجاته التي مضى عليها أكثر من عام أصبحت محل جدل مثلما كان الحوار.

قبل أيام اتهم المؤتمر الشعبي الوطني بالتأخير والتباطؤ في تنفيذ المخرجات وهدَّد بالانسحاب، وقبل خمسة أيام نقلت الصحف أنَّ أكثر من 45 حزباً شاركت في عملية الحوار، رفعت مذكرة للرئيس عمر البشير تتضمن ملاحظاتٍ ومقترحاتٍ بشأن الانتخابات المزمع إجراؤها في العام 2020، متهمين لجنة إنفاذ مخرجات الحوار بتزوير توصيات ورشة عقدت بشأن مناقشة الإجراءات الخاصة بالعملية الانتخابية. وكانت الورشة قد شهدت خلافاتٍ حادة بين عدد من ممثلي الأحزاب، واتهم بعضهم اللجنة بتزوير مخرجات الورشة، واحتج بعض ممثلي أحزاب الحوار الوطني على عدم تضمين توصياتهم في مخرجات الورشة، فضلاً عن إضافة توصيات لم ترد في الورشة. وطالب ممثلو أحزاب الحوار في الورشة بتغيير لجنة متابعة إنفاذ المخرجات ودمغوها بالافتقار لثقة المشاركين، وسبق أن انتقد الكثيرون اللجنة وطالبوا بتغيير أعضائها لشغلهم مناصب وزارية أو مقاعد برلمانية.

شاركت في الحوار أشلاء كثيرة من الأحزاب والحركات المسلحة اليائسة التي دخلته بحثاً عن وجود سياسي، ولكنها اكتشفت أنه لا يمنحها قيمة، فقد ظل وجودها ديكورياً بدليل أنَّها ظلت تشكو من التهميش دون أن تتخذ موقفاً حاسماً حتى وصل مرحلة المخرجات. ورغم ذلك ظلت تظن أنه سيأتي اليوم الذي ستصبح فيه صاحبة رأي وقرار فتحملت التهميش، وكلما اشتدَّ عليها تثور وتطلق نيران التصريحات والتهديدات، ثم تسكت ثم تعيد الكرة دون نتيجة، فهي تعلم أنَّها تخوض حرباً بلا أسلحة.

تلك الأحزاب المشاركة في الحوار والتي أطلق عليها أحزاب (الفكة) لم ولن تقنع أحداً أنَّها تقوم بجهد يسهم في تغيير طبيعة المؤتمر الوطني الجامدة، فهي أثبتت أنَّها تدور في حلقة مفرغة خاصة وأن المؤتمر الوطني يعلم جيداً أنها أشلاء لا روح فيها ولا حياة، ولذلك هو يعمل بقول المثل (الجمل ماشي والكلب بنبح). وعليه فهي أوقعت نفسها في ورطة كبيرة، انشقت من أحزابها الكبيرة المعلولة ولم تستطيع أن تكون أفضل منها، ولم تبقَ جزءاً منها تشاركها المعاناة، وهي اليوم إن تراجعت ستطاردها الفضيحة والشماتة وإن استمرت ستحصد الفشل والخيبة والخزلان. وعليه فهي تحتاج إلى تصحيح مسارها بطريقة مختلفة مثل أن تجتمع في حزب واحد، قد تتمكن من فعل شيء أمام غلبة الشعبي وسطوة الوطني، وهما فعلياً حزب واحد مهما فرقتهم الخلافات فهم أصحاب أيديولوجية مشتركة يتفقان على حمايتها كلما اقترب منها خطر. وقد ظل الشعبي يدعم الحوار بقوة لأنه يعلم أنهما (ما لهمش غير بعض)، أما بالنسبة للسودان فهما مشكلة إن اختلفا أو اتفقا.
التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..