لا مفاجآت في السياسة!!

دكتور هاشم حسين بابكر
ما كنت أهتم كثيراً بما يقوله قادة البلاد بقدر ما أهتم بما يقدمونه على أرض الواقع، فما يُقدم يغني تماماً عما يُقال!!
ولم أكن أتوقع مفاجأة أياً كان نوعها لاقتناعي التام بأن الحكم لا يقوم على المفاجآت؛ فالمفاجآت السياسية دائماً ما تكون في شكل انقلاب عسكري ناجح ليصبح بعد بيانه الأول ثورة وما هو كذلك!!
ما قدمه الرئيس كان دعوة عامة للحوار، ولعل هذه الدعوة فاجأت أحدهم بالمؤتمر الوطني واتفقوا عليها وهي من نوع الأفكار المفاجئة «Sudden Thoughts» فأخذت الفكرة المفاجئة اسم المفاجأة فأعلنوها كذلك!!
أي دعوة للحوار يجب أن يكون لها مرجعية وآلية تدير ذلك الحوار، كما يجب أن تكون هناك أسس يدور حولها الحوار!! كما أن للحوار مناخ يُدار فيه والمناخ المطلوب للحوار هو الحريات، ففي غير مناخ الحرية لا يمكن أن يدور حوار يفضي لخير!!
المناخ السياسي العام لا يفضي إلى حوار جاد يخرج البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية!!
بنظرة عامة إلى الأحزاب السياسية بما فيها حزب النظام الحاكم نجدها مجرد قيادات، فالأحزاب السياسية خلال الربع قرن الماضي تم إضعافها وتفتيتها للحد الأدنى، أي أن المعارضة السياسية كانت الأقل تأثيراً على الشارع العام!!
كذلك الأمر يمكن أن يُقال عن المؤتمر الوطني حزب النظام الذي أضعف أحزاب المعارضة إما بالتفتيت أو الاستقطاب، وقد انعكس الأمر عليه كذلك، فضعف الأحزاب ووهنها جعله هو الآخر ضعيفاً، وانعكس الضعف عليه ورغم أنه حزب النظام الحاكم إلا أنه يعجز عن إخراج مسيرة تأييد للقرارات التي يتخذها النظام خاصة الاقتصادية، والمعارضة كذلك لا تستطيع إخراج مسيرة استنكار للسياسات الاقتصادية.. اتفق الاثنان في الضعف فأي حوار يمكن أن يقوم بينهما؟!
مصطفى عثمان ربما أوضح المقصود من الحوار حين أعلن في قناة الجزيرة عن أن المؤتمر الوطني أجرى حوارات وخرج بسياسات كان بعضها ناجح والآخر جانبه النجاح والحوار كما قال يؤدي إلى إصلاح السياسات غير الناجحة، بمعنى أن يؤخذ رأي الأحزاب لإصلاح السياسات غير الناجحة للمؤتمر الوطني!!
تفشي الأمية والعطالة وظهور النعرات القبلية والعنصرية جعل الحديث لا بالكلمة ولا بالقلم بل بالبندقية والنظام جار هذا الحديث فأخذت الحرب شكلاً مدمراً في جنوب السودان، الأمر الذي أدى إلى تدويل الحرب الأهلية التي راح ضحيتها مئات الآلاف إن لم نقل الملايين وانتهى الجهاد المعلن بانفصال الجنوب على يد من دعوا للجهاد في الجنوب حتى يبقى ضمن السودان الموحد!!
وليت الأمر اقتصر على جنوب السودان فالاتفاقية التي وقعها «الجهاديون» كانت البداية لانفصالات أخرى في المناطق الثلاث والنيل الأزرق وربما الشرق، وكذلك كانت بإعلان أحد قادة الحركة الشعبية حين قال إن نموذج الجنوب سيطبق على دارفور والنيل الأزرق والشرق والمناطق الثلاث!!
ويبدو أن النظام الحاكم مغرم بالمفاجآت، وقد كان الأول والأخير الذي تفاجأ بنتيجة الاستفتاء، رغم أن المفاوض السوداني بصم على الاتفاقية التي تقضي بسحب الجيش السوداني من أرض الجنوب «وهو رمز السيادة» كما وافق على حق تقرير المصير، فكيف تفاجأ النظام وأركانه بانفصال الجنوب؟!!. وقد لا يخفى على محلل للأحداث أن الذي يدور في مالي والنيجر ونيجيريا وإفريقيا الوسطى، إنما هو من إفرازات اتفاقية السلام التي فرضتها أمريكا على وفد التفاوض السوداني!!
الكل يدرك الضعف السياسي لدى حزب النظام الحاكم ومعارضته، وكذلك أحزاب المعارضة كل حزب تجسّد في شخص رئيسه!!
إن أي فوضى في السودان.. وهذا الاحتمال الأكبر إذا سارت الأمور فيه بهذه الطريقة.. فستعم كل الإقليم فموقع السودان الجيوبوليتكي الذي يطل على غرب إفريقيا ومنطقة البحيرات والقرن الإفريقي والتداخل القبلي في كل هذه المناطق قد يشعل كل المنطقة!!
وأمريكا تدرك هذا جيداً وإذا اشتعلت المنطقة فإن انتشار الأصوليين أمر وارد الحدوث خاصة أن الأوضاع في مصر وليبيا لا تبشر بخير، هذا إلى جانب الحرب القبلية في جنوب السودان وإفريقيا الوسطى والنيجر ومالي!!
لا أعتقد أن كارتر جاء للسودان كي ينعم بشمسه الدافئة هرباً من الصقيع الذي ضرب أمريكا هذا العام، إنما جاء ليملي على كل من النظام والمعارضة ما يعرف بالتفاوض، الذي عرضه المؤتمر الوطني هكذا مبهما دون آلية تديره وتلزم أطراف التفاوض بقراراته ودون أن يقدم النظام الحد الأدنى من التنازلات حتى يضمن نجاح المفاوضات لإخراج السودان من ثورة الغوغاء التي ستدمره مع محيطه الإقليمي!!
[email][email protected][/email]
والله هاشم جسين مفكرخطير وانا انصح اجهزة الدولة بقراءة مقالاته بصورة متعمقة رغم اعتقادي بانه محسوب علي الاسلاميين واذكرمقالته عن حركة العدل عندما دخلت الخرطوم ماذ ان الكاتب ذكر بالحرف الواجد ان المرحومخليل كان بطئ الحركة لانه عندما تناول اللحوم في مطعم بابا حسين في امدرمان طلب التحلية الامر الذي مكن دبابة الاحتياطي من ضربه في كوبري امدرمان