?نظرة إنسانية? يقول والي الخرطوم إن قلبه يتقطع حين يشاهد معاناة ?ستات الشاي?، ولكن من الذي دفعهن إلى امتهان الألم؟

الخرطوم ? الزين عثمان
قال والي الخرطوم الفريق عبد الرحيم محمد حسين وسط حشد من الصحفيين إنه يشعر بألم في قلبه حين يرى (ست شاي) وكشف عن توجيهات لوزارة التنمية الاجتماعية بضرورة إيجاد معالجات وبدائل لهن من أجل توفير لقمة العيش، وأردف أن نظرتهم إلى هؤلاء السيدات هي نظرة إنسانية في المقام الأول تستهدف بشكل كبير توفير الكرامة الإنسانية لهن بإنقاذهن وتوفير مهن بديلة توفر لهن قوت يومهن.
كان من المؤمل أن يناقش التنوير الصحفي جل القضايا في ولاية الخرطوم لكنه توقف في محطة ستات الشاي طويلا..
من المشاهد التي لا تخطؤها عين العابر في الشوارع الخرطومية الحملات التي تنظمها المحليات التي تشحن ?دفارات الكشة? بمعدات ستات الشاي في مشهد تسبقه حالة من الربكة تحت ظلال الأشجار الخرطومية حين تطفئ السيدات نيران (الكوانين) خوف اشتعال قيمة الغرامة في حال تم توقيفهن في الحملات التي تقول السلطات إن الهدف الرئيس منها (التنظيم). ولكن البعض يقرأ الحملات في سياق قرار آخر يتعلق بتحديد توقيت العمل بالنسبة لستات الشاي في العاصمة القومية، الأمر لا يخرج أيضاً عن تداعيات حملات تفتيش قامت بها السلطات في شارع النيل استهدفت ستات الشاي في بحثها عن مزاعم وجود حبوب (الترامدول) وهو ما جعل البعض يقول إن ثمة استهدافا مباشرا من قبل السلطات لتلك الفئىة من النساء.
هل تبدو ظاهرة ستات الشاي ظاهرة بإمكانها أن تقلل من الوجه السياحي للعاصمة السودانية؟ يرى البعض أن الأمر قد ينبني على درجة كبيرة من الصحة دون أن يكون هو الملمح الوحيد الذي يعكس الوجه غير المقبول للعاصمة السودانية فثمة إخفاقات في جوانب متعددة لكن ثمة سؤالا يأتي هنا: ما هي الظروف الموضوعية التي أنتجت ظاهرة ست الشاي في الشوارع الخرطومية وفي بقية المدن السودانية؟ تحدد الأرقام الرسمية وفقاً لدراسة أجرتها وزارة التنمية الاجتماعية في ولاية الخرطوم بـ(13) ألف امرأة منذ العام 2012 وهو رقم ازداد في الفترة الأخيرة. الناشطة في قضايا المرأة أمل هباني ترد ظاهرة ازدياد عدد من يعملن في مهنة بيع الشاي ويتعرضن لعدد من الانتهاكات اليومية يعبرن فوقها بالصبر أنها كانت نتاجا لسياسة حكومية زادت من نسبة الفقر وبالتالي كانت مدخلاً لأولئك النسوة للبحث عن طريق يوفر لهن ولأسرهن لقمة العيش الحلال. أمل تشير أيضاً للظروف الاجتماعية والسياسية في البلاد فالحرب التي أنتجت ظواهر مثل النزوح وقبل ذلك فقدان العائل كانت سبباً آخر لتمدد الظاهرة.. تستهجن هباني طبيعة التعاطي الذي تقوم به السلطة في مواجهة هؤلاء النسوة وترى أن النهج الجديد لا يعدو كونه مدخلاً لمزيد من التضييق عليهن.
في وقت سابق كانت مجموعة من الناشطات في مجال المرأة قد أقمن يوما للتضامن مع ستات الشاي بالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة حيث جلست عدد من الطبيبات والمحاميات والصحافيات في تقاطعات الشوارع الخرطومية وقمن بصنع الشاي وبيعه في محاولة منهن للفت أنظار الجميع لمعاناة صاحبات المهنة مع السياسات الحكومية في التضييق عليهن ومع النظرة الاجتماعية التي تحاول أن تحط من قيمتهن في المجتمع، رغم الدور الكبير الذي يقمن به لدرجة أن وجود ست الشاي صار وكأنه ملمح لا يكتمل الشارع السوداني في غيابه.
?نحن يليق بنا الألم? هكذا تقول إحدى العاملات في بيع الشاي، السيدة التي تبدأ يومها قبل أن تشرق الشمس حيث تجلس برفقة أخريات في السوق الشعبي أم درمان.. المدهش في الأمر أن السيدة تقول إنها تقوم بتأجير كراسي تعود ملكيتها لشخص نال عطاءها من المحلية ويدفع مقابلها أموالاً طائلة.. تكمل السيدة: ?العائد من العمل بالكاد يوفر مصروفات اليوم للأطفال في المنزل? هذا إن مضى اليوم دون أن تعترضها حملات الكشة اليومية وتطالبها بدفع غرامة رغم أنها تدفع ما عليها للجلوس في هذا المكان وتدفع في الوقت نفسه الغرامة المفروضة عليها من أجل استعادة أدوات عملها في حال تم رفعها في الدفار.. بالنسبة لها فلإن الحديث عن بدائل لهن لا يعدو كونه حديثا للاستهلاك الإعلامي.. بالنسبة لذات السيدة فإن تمسكها بمهنتها يأتي في سياق (الجابرك علي المر الأكثر مرارة منه).. تقول: ?لا شيء يجبرنا على هذه (البشتنة) غير خوفنا من أن نموت بالجوع?.. وتقول السيدة إن الحل الوحيد لهذه المشكلات ليس وضعها في إطار أن ستات الشاي هن الأعداء الذين يجب التخلص منهم بقدر ما هو الطريق الأمثل للبحث عن حلول ترضي الأطراف كافة.
اليوم التالي.