الرياض السعودية : محمد وردي أحبَّته أفريقيا وتناساه العرب ..

يكفي الاطلاع على العدد الوافر من المراثي التي ترافقت مع رحيل الفنان السوداني الكبير محمد وردي وحفلت بها الصحف الورقية والالكترونية والمنتديات وما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية والاسوشيتدبرس عن تجربته الغنائية المتفردة فضلاً عن مشهد التشييع المهيب ووقفات التأبين لنستدرك حجم المساحة التي احتلها الراحل والتأثير العميق الذي مرره بسلاسة بين جموع المتلقين والفجوة التي تركها داخل السودان وخارجه بين معجبيه الكثر.

وُلد الاستاذ محمد عثمان وردي أو فنان إفريقيا الأول بشمال السودان عام ١٩٣٢ والتحق بسلك التدريس معلماً بالمرحلة الابتدائية ، ليوفد عام ١٩٥٣ لحضور مؤتمر للتعليم بالعاصمة الخرطوم وهي النقلة التي وضعته في قلب المشهد الفني في أمدرمان التي كانت على موعد مع ابداعات جيل الغناء في طوره الحديث إبراهيم الكاشف وأحمد المصطفى وعبدالعزيز داود وابراهيم عوض . وفي وسط هذا المناخ بدأ وردي بالتناغم مع المشهد العام ليستند ضمن استعدادات خاصة وتجارب غنائية محلية سابقة على إرث نغمي وإيقاعي حافل كان أحد مكونات البيئة النوبية التي ينتمي إليها وهو ما ساعد على إضفاء الأبعاد المؤثرة التي أحدثها وردي في ديوان الغناء السوداني بتطوير أساليب الأداء وفتح آفاق لحنية وايقاعية جديدة، وانتقاء أفضل النماذج الشعرية حيث ساعدته موهبته العائدة الى التأليف باللهجة النوبية على تعزيز أدائه الشعري بالعربية تأليفاً وانتخاباً لنماذجه الرفيعة لتشهد نهاية الخمسينات وبداية الستينات التأسيس الحقيقي لمرحلة التطلعات الفنية التي توَّجها بباقة من الأعمال الكبيرة على مستوى النصوص التي دشنت تجاوزاً حقيقياً للتصورات السائدة على صعيد الأفكار والتراكيب اللحنية والتوظيف الموسيقي للخروج من قبضة الأغنية الدائرية لتضع تجربة الغناء برمتها أمام أسئلة التطور والتنوع وفي إطار ذلك أطلق وردي أغنية (أول غرام) من تأليفه وتلحينه استهلالاً لمشروع فني يحاول أن يكتشف مواقع جديدة للإبهار ويرتفع في ذات الوقت بذائقة المتلقي، ليضع مستمعيه أمام باقة من المنتخبات الغنائية المشغولة بجودة عالية من مثل (لو بهمسة) و (مرحبا يا شوق) و(المستحيل) و (خاف) و(الحبيب العائد) وهو المشروع الفني الذي بنى عليه حضوره الواسع وحقق من خلاله رصيدا كبيرا من الاعجاب حوَّله إلى رقم متقدم في استحقاقات المتابعة.

ظل الموسيقار محمد وردي الذي وحَّد رحيله أطياف المجتمع السياسي والفني والثقافي والرياضي فناناً إشكالياً عصياً على القولبة منذ امتهانه للغناء حيث لعبت خياراته الوطنية والثقافية دورا مؤثراً في تحديد مواقفه واتجاهاته ، فعلى الرغم من تأييده لنظام الفريق ابراهيم عبود (٥٨ – ٦٤) في بداياته لكنه سرعان ما ناصبه العداء جراء إغراق منطقة وادي حلفا وتهجير أهلها لصالح مشروع السد العالي بمصر إبان حكم عبدالناصر حيث تصدر المظاهرات المناهضة لما اعتبره صفقة بيع لجزء من الوطن وهكذا ظل على الدوام منحازا لقضايا الناس وخياراتهم يستخدم سلاح الكلمة وجرأة اللحن ليصعد بمقومات التجربة ويوسع من مداها بالاناشيد الاكتوبرية الشهيرة التي نهضت عليها الأجيال المتعاقبة فبقيت مصدر إلهام وصوتاً للبسطاء في كل الأوقات ،وعلى ذات النهج انقلب وردي على الرئيس جعفر نميري (٦٩ – ٨٥) وذاق جراءه الاعتقال والتشريد.فجاءت انتفاضة أبريل بمنظومة من الأناشيد الوطنية التي دشنت لثنائية ملهمة ربطته مع الشاعر الكبير محجوب شريف عكست دورهما المؤثر في الانحياز لقضايا الناس ومناهضة التصورات الشمولية وهو ما دفعه لمناهضة انقلاب ٨٩ ليخوض معها تجربة اغتراب طويلة في العواصم العربية قضى جزءاً في الرياض فكان محل حفاوة الملتقيات والانشطة الاجتماعية والثقافية ، وفي رحلة العواصم شهدت استديوهات هوليود تسجيلات فنية نادرة عكس معها وردي الأبعاد الإيقاعية واللحنية المتنوعة للأغنية السودانية.

ترافقت تجربة وردي الذي اعتبره الأمير الحسن بن طلال علامة مميزة في مسيرة الغناء العربي ووصفته الواشنطون بوست في مقال لها بالأيقونة مع ألمع شعراء الساحة الغنائية حيث جسد مع الراحل اسماعيل حسن إحدى أجمل الشراكات الإبداعية والتجارب الغنائية الحافلة بالرؤى الجديدة رشحت تجربتهما لتداول مستحق ، إلى جانب اسحق الحلنقي وصلاح احمد ابراهيم وكجراي وفي مرحلة الأناشيد الاكتوبرية وما بعدها مع الشاعر الكبير الفيتوري ومحمد المكي ابراهيم ، لتتلوها المرحلة الرمزية في مشروعه الإبداعي التي عبرت عن مستوى عالٍ من النضج على مستوى النصوص الشعرية والبناء الموسيقي الذي أفصح عن الأفكار العميقة للقصيدة التي صارعت مناخات التعتيم الإعلامي وعززت جدارة رسالتها بين المستمعين مع عمر الدوش والتيجاني سعيد ومحجوب شريف ، وحلَّقت خلالها أغنية (الود) للشاعر الدوش في آفاق بعيدة على مستوى الصنعة والتوزيع الاركسترالي الذي تولاه الموسيقي اليوناني البارع اندرية رايدر متيحاً لآلة الطمبور الشعبية نافذة مهمة لأول مرة في تجربة موسيقية عالمية.

ووردي الذي استهوى غناؤه القطاع الافريقي الواسع من شرقه إلى غربه على الرغم من موانع اللغة واللهجة إذ بات من المألوف الاستماع الى أغانيه تصدح بها سماعات المقاهي والمطاعم وسيارات الأجرة في العديد من دول أفريقيا فقد كان حظه على الصعيد العربي غير ما توفر له إفريقياً إلا بين المهتمين بهذا النمط الموسيقي وهو ما يرجعه وردي لأن الموسيقي السودانية تتبع السلم الخامس فيما يعتمد الغناء العربي السباعي الذي تبرز نغماته في نصف التون وربع التون ..وهو ما فتح الباب للتلاقح مع مجتمعات موسيقية أخرى ذات ثقل كالهند والصين واليابان وكوريا وفيتنام ومعظم دول أفريقيا حيث يستساغ هذا النمط الموسيقي حد الانفعال ، فضلا عن المكونات الخماسية في الموسيقى الأمريكية، ولم يعف الاستاذ وردي في ذلك الإعلام المحلي من مسؤوليته المباشرة في عدم إيصال هذا الصوت الى محيطه العربي الكبير فضلاً عن إخلاله الواضح ببناء مبادرات فاعلة لتعزيز اعتياد حضور الموسيقى الخماسية وسط الأخوة العرب .

وفي رحلة تجاوزت الستين عاما وبحصيلة إبداعية تجاوزت ال ٣٠٠ عمل فني وحَّد وردي في نسختيه العربية والنوبية وجدان شعب متنوع الثقافات في لغاته وموسيقاه وأشكاله التعبيرية لأنه استطاع أن يمزج الثقافة الموسيقية لكل القطاعات السكانية وخصوصاً في أبعاده الإيقاعية والأدائية بما مثَّل صهراً حقيقياً للتباينات الاثنية والثقافية ليحقق عبر رؤيته الفنية ما عجزت عنه العديد من المشاريع السياسية المتعاقبة .

إن ما يترجم مكانة الفنان محمد وردي وفرادة انتاجه أنه وهو يناصب الأنظمة المختلفة العداء منحازاً لخياراته فقد حفظ له مناوئوه السياسيون والفكريون إعجاباً منقطع النظير ..

تعليق واحد

  1. يا اخونا انحنا افارقة مافي زول بنكر الكلام دا ولكن ثقافيا نحن عرب فقط اكتسبنا اللغة العربية ثقافيا ليس الا حتي وردي لمن بدا الغنا كان بيغني بالرطانة ثم بعد ذلك اصبح يغني بالعربي والسودان الاغلبية هم رطانة يعني افارقة كفاية انبطاح للعرب

  2. انا استغرب انه في السودان لسه في ناس مشغوله بنظرة العرب تجاهنا وتجاه كل شئ سوداني ,,فن وادب وارث وحضاره وعراقه

    ارجو من هؤلائ الاخوه التركيز علي كل ما هو سوداني ومن تابع الناس مات هما وبارك الله في رجل عرف قدر نفسه

  3. نجلد انفسنا يومياً ونمزق خريطة السودان وننظر في عيون العرب والمسلمين ان كانوا قد رضوا علينا ويوم انقسم سوداننا اقمنا عزاءنا ولم يحضر من يعزينا وكان رئيسنا ينتظر برقيات الاستحسان والسناء من جامعة الدول العربية تشكره على جهوده في تنقية السودان من الدم الزنجي متناسيا ان اسم السودان نفسه مشتق من الزنوجة ولم يستلم اي برقية ولم يشعره احد انه قام بعمل جيد كما كان ينتظر رئيسنا برقيات الاستحسان والسناء تأتيه من منظمة المؤتمر الاسلامي وايضا لم يشعره احد بأنه قام بعمل جيد وحتى خال الرئيس عندما ذبح الذبائح احتفاءاً بالمناسبة لم يشاطره لحم ثيرانه إلا الرجرجة …..

    وردي لا تعرفه إلا افريقيا حيث ينتمي رغم ان مسيرته امتدت لأكثر من ربع قرن فلم يسمع به احد في الوطن العربي ولم نشاهد تلفزون عربي واحد يفتح يذيع له اغنية وكذا لباقي الفنانين السودانيين ولكن في افريقيا اغانيهم تذاع على مدار الساعة فما التفسير الصحيح لهذا ايها السابحون شرقاً …

  4. الى المعلق من السعوديه المدعو (واقعى) خليك واقعى انت ايضا عن اى عروبه وثقافه غالبه فى السودان تتحدث عنها يا اخى وموضوع انك لا تنتظر اعترافا من احد هذا كلام قاله الواهم الطيب مصطفى فى البي بي سي والسودان مثل موريتانيا وجيبوتى والصومال وجزرالقمر وجودها فى الجامعه العربيه مجامله لا اكثر . وانت ايضا شئت ام ابيت نحن افارقه وهل انت اكثر ذكاءا وحكمه من وردى الذي اتجه بفنه الى افريقيا ارجوكم لا تتركوا الاخرين يشبهوننا بتركيا التى جيرانها العراق وسوريا وقلبها وجغرافيتها اسيوي وتصر على انها اوروربيه .

  5. رقم ان عدد كبير من المعلمين والاطباء والصيادله والقضاء والشعراء والرياضيين كان لهم دور بارز
    فى نهضة وتنميه معظم شعوب الوطن العربى

    ورقم ان السودان يفوز شعرائه بجوائز مهرجانات الشعر والافلام والسينما والاغنيه العربيه
    والكثير من السودانيين فازوا بجوائز عربيه فى عدة مجالات امثال عبد الله الطيب وعون الشريف قاسم وعزالدين موسى وعدد مقدر فى مجال الطب والرياضه والقصه والشعر
    لكن مازال الصحفيين العرب والاعلاميين العرب بعيدين كل البعد عن الثقافه السودانيه وبعيدين عن الفن السودانى الاصيل المميز
    حتى عندما سجل احمد المصطفى رحماك يا ملاك مع صباح لم تزكر هذه التجربه ولا مره واحده فى جميع دول العالم العربى
    وانا اشاهد كل القنوات العربيه لم اشاهد يوم واحد برنامج ثقافى فنى عن السودان او للقاء مع فنان سودانى او شاعر سودانى الا فى عدد اربع قنوات فقط ومن زمن بعيد هل يعقل على الاقل اربعه قنوات فى كل دوله فى 12دوله نشاهد فى اربعه قنوات فقط
    حتى عندما نفوز بكاس او مباراة فى كرة القدم او جائزه فى مسابقه علميه او شعريه او غنائيه الصحافه العربيه لم تشير ولا بجرة قلم عن انجاز وحتى لو ظهر خبر عن انجاز سودانى ياتيك الخبر بعد 3ايام
    انما فقط يعرضون اخبار الحرب والمرض والاختلافات السياسيه ناسين كنوز الفن السودانى وحضارة السودان العريقه
    انا استغرب هنالك حمله من بعض الاعلاميين بتعتيم اى انجاز سودانى لشئ فى نفس يعقوب
    وبكل اسف رقم اننا نتحدث العربيه بطلاقه منذ نشأة اجدادنا لكن هنالك تباعد كبير من الاعلام العربى
    وهذه سياسه غير متوازنه مع اخوة العروبه والعجيب فى الامر التلفزيون السودانى يقدم تبادلات عربيه
    لكن وبكل اسف وحسره لم اشاهد يوم واحد اى ملحق ثقافى فى اى تلفزيون دوله عربيه كثل ما يقدمه التلفزيون السودانى نفسى افهم وافهم ما هذا!!!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..