الأطفال -نعمة ورزق من السماء تغذيتهم – صحتهم – تربيتهم -تعليمهم (٢)

د. حسن حميدة*
الأطفال: صحتهم:
للصحة والعلاج دور لا يستهان به في كل مجتمع. والمجتمعات التي تتوفر لأفرادها سبل الصحة والعلاج، لا تستسلم للعقبات ولا تستكين للخمول، والذي يوقف عجلة الدخل والإنتاج والتقدم بشتى ضروبه. في ظل مجتمع معافى وصحيح يتوفر الإنتاج ويرتفع الدخل الفردي والجماعي، وتدور عجلة التقدم والازدهار. وبهذا يكون بدوره مجتمع ذو مكان بين المجتمعات. وكل هذا لا يأتي إلا بصحة الفرد، التي تتجسم أيضا في صحة الجمع، وترسم كبيرة في وجه المجتمع. والمجتمع المريض ليس هو إلا وصمة عار، تضرب بعمق على أوتار دولة بأكملها. ومن هنا تأتي الضرورة ليؤدي كل فرد منا في المجتمع دوره. وهذا سوى كان دورا ارشاديا أو تثقيفيا أو تربويا أو تعليميا أو تمويليا أو اداريا أو غيره من الأدوار. وكل هذا ليس بجديد علينا في كيفية تقدم المجتمعات، وسبل النهوض بها. وكل هذا يمكن أن يلخص في بضع كلمات، وهي: توفير العلاج للمرضى، خصوصا علاج الأطفال في سن الطفولة. ومن البديهي هو أن الكشف والتشخيص والعلاج المبكر، من أنجع أنواع الوقاية والعلاج من الأمراض. بها يمكن أن توفر تكاليف مستقبلية باهظة وغير ضرورية. على سبيل المثال لا للحصر، علاج الاعاقات والتشوهات والعلاج الجراحي واستكشاف الأورام السرطانية عند الأطفال في مبكرة العمر. وللذكر هنا: هناك كثير من الدول التي تهتم بصحة أفرادها الصغار منذ عمر مبكر. مثلا لذلك الفحص الدوري للأدنين والأعين والأسنان، بل أيضا فحص التغيرات وأعراض الأمراض الالتهابية في الجلد والجهاز التنفسي. وهذه الدول على وعي تام بقيمة إستثمارها في صحة الطفل المبكرة. فهي تدرك كم هو قيم وجود طفل في المجتمع، يتمتع بحاستي سمع وبصر قويتين، وأسنان قويمة، وخلوه من الأمراض الالتهابية سريعة العدوى والانتشار، خصوصا الجلدية والتنفيسة منها. وكم تكون التكلفة باهظة للطفل وأسرته، وللمجتمع والدولة ككل، بوجود طفل يفقد سمعه أو بصره في مبكرة العمر لسبب يمكن علاجه ببساطة. ولذا التحوطـ، ومراعاة لحق الفرد في مجتمع ينتمي إليه. مجتمع يوفر ويصون له حقوقه، ويحسبه كفرد مهم ومنتج.
الأطفال: تربيتهم:
لا تقتصر تربية الطفل فقط على توفير الغذاء له من طعام وشراب، بل تفوق كل ذلك. وهذا يعني أن اشباع النفس يتشعب لأشباع البطن واشباع العقل معا. ومن هنا تأتي الضرورة الملحة، والتي تفرض نفسها على الموقف، متمثلة في سبل تربية الطفل تربية سليمة ومتكاملة. تربية تتلخص في مجملها في أن يكون الكبير قدوة للصغير، وأن يكون الصغير قدوة للأصغر. ويتجسم كل هذا فيما يراه الصغير من مؤثرات تحيط به. الطفل يتعلم سريعا، يتلقن ما يتلقاه من معلومات، يرفد بها من حوله من الأطفال. فاذا صلح وسط الطفل، صلح فعله. وإذا ربي الطفل، أو دعم بالشذوذ والعنف والبغض والكراهية، نقلها مباشرة ومن دون وسيط لغيره. بل بالغ أيضا في نقل أشياء لا مكان لها في حق الانسانية. وكل هذا يحدث بوعي الطفل وادراكه التام، لوجوده في مجتمع لا ينتمي إليه بصلة. مجتمع أساء إليه وهو طفل يافع، مجتمع هضم حقوقه المعروفة، مجتمع أوصله لمرحلة العجز والفشل، مجتمع مثل فيه العنف بكل أنواعه وضروبه.
ومن البديهي أن يهتم كل ولي أمر بوليه. ويأتي الطفل بمتطلباته في المقدمة. ويأتي إذا كان يتيما، قبل غيره في حق الولاء. فالطفل اليتيم كأمانة على عاتق وليه، أثقل من أمانة غيره من الأطفال. الشيء الذي يعني أن نحب الخير لأطفالنا، نربيهم بصبر وافر، نزودهم بحنان متدفق، نعلمهم معنى العطف والكرم والمرؤة والشهامة والصدق والأمانة والوفاء والعدل والتسامح. وألا ننسى بأن بر الطفل بوالديه أو وليه أو من يكبره عمرا، لا يأتي بالإكراه أو الإجبار وفظاظة القول والفعل، بل يأتي مقدما بتسامح وحنان، ويقوم على دعامات سند تبنى على تربية الطفل الصحيحة، وتوجيهه للأمثل. تربية بعيدة عن ممارسة العنف بكل أنواعه، من سب وضرب وسخط وصياح. وفي نهاية العمر وآخر المطاف يضعف الانسان جسدا وعقلا. ويتحتم عليه القاء مصيره في كف طفل من أطفاله أن وجدوا وكانوا. ومن أحسن المعاملة لطفله كوالد أو ولي، يرى فعله قبل رحيله ومماته في معاملة بر واحسان. ومن عامل طفل بعنف أو فظاظة، تلقى ما أعطى، أو لم يجد من يلتفت إليه من الناس. وهذا لأن ذاكرة الانسان تتعلق دائما بالأحداث الجميلة، وتخزنها بطريقة جيدة، مقارنة بغيرها من أحداث.
تربية الطفل الصحيحة تعني أن نهتم بالطفل وهواياته. وأن نعطي الطفل قدر نفس كاف ومجال يسعه. من آداب وأصول التعامل مع الطفل: أن نصغي للطفل باهتمام ودقة، أن ننظر له في وجهه برفق وعطف، أن نعلمه بتأني وصبر، أن ندعم هواياته بمزيد من الوقت والمتابعة، وأن نحتفي بنجاحه بالتشجيع والتحفيز. وكم أن الطفل ذو نفس صغيرة، تكمن في نفس كل طفل ولو صغر ضروب من الابداع. وربما لا يرى الكبار هذا الابداع مبكرا. بل يأتي بالمتابعة الدقيقة والصبر المتأني في وقت لاحق. يأتي الابداع بتهيئة الجو المناسب للطفل من ينبوع داخلي، متدفقا كالشلال، ومتفجرا كالبركان. وربما كان هذا الأبداع في الأدب، أو العلوم، أو الرياضة، أو الفن، أو الموسيقى، أو في أكثر من ضرب من ضروب الابداع.
ويجب ألا ينحصر هذا الدعم على النطاق المنزلي أو المدرسي فقط، بل يجب أن يمتد إلى الحي السكني بأنديته الرياضية، والشارع العام بأهله ونواصيه، ودور المعرفة من معاهد علم وجامعات بأركانها وملاعبها ومكتباتها. وبتزويد الطفل وتغذيته فكريا يمكن ضمان جيل ناجح، بل تأمين مستقبل أجيال واعد، أجيال تحدب على مصلحتها ومصلحة غيرها. الشيء الذي ينعكس حتى على سلوكيات زوار المعاهد والجامعات. والشيء الذي يترك أثره بوجود فئات صالحة، تصلح المجتمع، وقبل كل شيء وسط الطلاب الدارسين والمتدربين. زوار دور علمية ذات رسالة، يكون همها الأول والأخير التحصيل الأكاديمي، والتفرد في مجالات تحصيلهم، لدفع ضريبة المجتمع الذي يعيشون فيه. ومن هذا المنطلق لا يعفى مجتمع أي كان نوعه، من أن يوفر لأطفاله وطلابه سبل العلم ودروب التعلم. وبنهوض طفل وجيل، يرسخ تطوير مجتمع.
الأطفال: تعليمهم:
لا شك في أن تقدم الأمم وتحضرها يبني على التعليم. فيه تكمن كل مزايا الازدهار والتعمير في الدول. وبه تتاح للشعوب والأمم فرصة مواتية للمنافسة بين نظيراتها من أمم. والتعليم يكفل للمجتمعات وأفرادها حق العيش الكريم. وهذا متمثلا في توفر مقومات حياة رخاء، تحفها الراحة، وتكللها الرفاهية. وفي المقدمة يأتي توفير الغذاء الصحي، والتعليم المجاني، والعلاج المدعوم. وإذا ركزنا هنا على التعليم والنهوض به، فهو بالتأكيد استثمار لا يندم عليه أبدا. وهذا لأنه يؤتي بأكل الوفير في وقت قريب. وفي التعليم يكمن مصير أجيال تتتالى. أجيال تتزود بالعلم، تتبادله مع بعضها البعض، وتلقنه برغبة لغيرها. وكل هذا لا يأتي عن فراغ. بل تكمن حقيقته في اتاحة فرصة التعليم لكل طفل. وعبر هذا المدخل يمكن الحد من تفشي الأمية، وبه محاربة الجهل. والذي هو أساس تخلف الشعوب، متمثلا في تفشي العادات والبدع الضارة بالمجتمعات. وبتوفير فرص التعليم للأطفال والأجيال، تثبت دعامات المجتمع السليم. وهذه السلامة الإجتماعية لا تأتي إلا بصلاح انسان المجتمع. وقبل كل شيء سلامة انسانه الصغير. انسان جيل يحمل رسالة ثقيلة على أعتابه. ليسلمها لاحقا لأجيال من بعده. وهذه الرسالة هي أمانة، لا تقتصر فقط على انسان المجتمع الصغير. بل هي رساله وأمانة في عنق كل منا. أمانة في عنق صاحب الرأي الصواب، وأمانة في عنق حامل المعلومة الصحيحة، وأمانة في عنق ولي الأمر المربي، وأمانة في عنق الأستاذ المعلم، وأمانة في عنق الجار القريب، وأمانة في عنق رفيق الدرب الصديق، وأمانة في عنق الثري الميسور، وأمانة في عمق الموظف المسؤل، وأكانة في عنق رجل الدين الموقر، وأمانة في عنق الوالي الراعي.
خاتمة:
لماذا كل هذا السرد المطول، ولماذا كل هذا الحديث الكثير؟ نحن شعب أتعبه الجري، وبلد أضعفته الانشقاقات، وأضنته الحروبات. أطفالنا أمانة في أعناقنا، فهل سألنا أنفسنا يوما، كم تركنا لهم من إرث يفتخرون به، وكم تركنا لهم من زاد يقتاتون به؟ لم يتبقى من العمر والزمن الكثير لارجاع عقارب الساعة لنقطة البداية، ولا ينفع البكاء والنحيب على أمس ضاع، وضيعناه من أيدينا بأنفسنا. ولنكن واقعيين: الشيء المتبقي لنا هو لم شمل بلد ما زلنا نفتخر بانسانه المنهك أن لم نعد نفتخر به كما هو من قبل. بلد واقع منذ حقب وزمان، كصيد غطاه كثب رملي، يظن أهله أن فيه لحم، ولا يدرون أن ما تبقى منه إلا عظم. ومن هنا واجب علينا أن نصحى ونوعى ما يحيط بنا من مآلات ومخاطر، أن لم ندفع ثمنها، دفع ثمنها أطفالنا. وأن نبذل كل الجهود، للنهوض والرقي بالطفل ووضعه في مجتمعنا. وألا نعمل جاهدين على ايقاظ أسود جائعة ونهمة تنام عن قرب منا. فهناك الكثير من منظمات المجتمع المدني، والتي تهتم وتعني بهموم ومشاكل الطفل على النطاق الدولي. وللطفل في أي مكان كان، صلاحيات وحقوق محفوظة، مبنية على اتفاقيات وقوانين دولية، تكفل ضماناتها له الدولة التي يعيش فيها، وليس الدول المجاورة أو الصديقة.
وأخيرا أنا أكتب هذا المقال ليست مأجوراً عليه، ولكننى كتبته من منطلق اجتماعي ووطني وانساني لا غير. والدافع لكل ذلك، هو الغيرة على وطن كلنا نحبه ونتغنى بماضيه ونبني له صورة مستقبل مزهر ليتها تتحقق رغم ما ألم به فلم يتبقى له وجه من أوجه ويلات الزمان ليعيشها أكثر من ما عاش وعايش. ويبقى همي الأول والأخير هو أن يعيش من عاش، خصوصا في وطنه عزيزا، كريما في ربوع وطن من واجب سيادته أن يكفل للمواطن الباقي فيه حقوقه الاجتماعية كاملة، وخصوصا الأطفال منهم. والأستثمار في الطفل الذي هو جيل الغد القادم ، إنه فى نظري لأهم من الإستثمار في الذهب والبترول وبيع أراضي الوطن – كله لا يفيد – ومن لا يصدق، فالينظر أين كنا بالأمس، وأين نحن الآن… القراء الكرام أسأل الله آن يحفظ آبناءكم بل كل أبناء الوطن العزيز السودان من كل سوء وأن يحقق الله حلمنا الكبير بنجاح هؤلاء الأطفال قرة العيون ورزق السماء الذي يستوجب الحمد والشكر.
* مستشار تغذية/ أستاذ مساعد/ ألمانيا
//… كاتب للأطفال …//
[email][email protected][/email]