مشاهد وحكاوي من الفصل الأخير لمسرحية الأكاذيب الإنقاذية (٣)

مشاهد وحكاوي من الفصل الأخير
لمسرحية الأكاذيب الإنقاذية

(٣)

الانقاذ نبتت من بذرة فاسده، ورويت بماء الأكاذيب ، في مسرحية سيئة الأعداد والإخراج . وفصول المسرحية التي عرضت علي مسرح السياسة السودانية مايقارب ربع القرن ، الان في فصلها الأخير . وهذا الفصل بدا بمرض البشير في حباله الصوتية، وانشغال عضوية المؤتمر الوطني وقياداته وإعلامه بالبديل وخلافة البشير. وبدأت الضجة الإعلامية الإنقاذية ، والترشيحات والخلافات الصورية المعدة والموزعة الأدوار بصورة جيدة. وانشغل الرأي العام لفترة غير قصيرة بالأمر ، وبمتابعة صحة البشير ، وحباله الصوتية القصيرة والطويلة منها ورحلاته العلاجية واعتكافه عن الكلام حتي ظن البعض ان البشير لن يكلم اليوم إنسيا . خصوصا بعد ان اختفي من بعض المؤتمرات والفعاليات واناب عدد من المسئولين للقيام بذلك. صدق بعض العامة وكافة منسوبي الانقاذ انهم فعلا يبحثون عن خليفة للبشير . وإمام تضارب التصريحات وتعدد الترشيحات وتباين التحليلات داخل الأجهزة الإعلامية ، اعتقد د غازي صلاح الدين ان الامر جاد، فصرح قائلا :
ان الدستور الذي صغناه واجزناه حدد دورات الرئيس ، ووفقا للدستور فان البشير لايحق له الترشح لدورة جديدة.
انكشفت مناورة النظام ، فطار صوابهم وجن جنونهم . واتي الرد سريعا بتجريد د غازي من موقعه كرئيس لكتلة المؤتمر الوطني في برلمان الانقاذ الصوري . وغازي تتقلص درجاته ومواقعه كلما خالف ، النظام فحين رفض تقديم تنازلات في موضوع نيفاشا تمت تنحيته جانبا ، ونقل ملف المفاوضات لعلي عثمان !
وحين نافس في انتخابات الحركة الاسلامية ، معتقدا ان هناك انتخابات اضطر للانسحاب ، وانتهاءا بمذكرته الاخيرة حول الإجراءات الاقتصادية . كلما أبدا موقفا مخالفا خصمت وتقلصت درجاته الإنقاذية ، التي أوشكت علي النضوب. مخلفه وراىها السؤال المثير أيهما يغادر اولا قبل الاخر هل تغادر الانقاذ اولا ام يغادرها غازي ومجموعته وهو ينظر الي أفول نجمها وغرق سيفينتها في المحيط الهائج ، بينما أطواق النجاة كلها معطوبة.
انتهت خلافة البشير والغبار الذي أثارته لشغل الرأي العام لفترة من الزمن، ثم ماذا بعد انكشاف هذا الامر الانقاذ لاتنتهي عجائبها في شغل الناس والرأي العام عن القضايا الاساسية الملحة التي تواجه الوطن ، فأخرجت الانقاذ من دفاترها ، اللجنة القومية للدستور، وظهر المشير سوار الذهب مجددا علي المسرح متجولا بين القوي السياسية طارحا المشروع الدستوري الإنقاذي وقومية المشاركة. استمع المشير سوار الذهب لرؤية المعارضة التي تقول :
– الدستور هو القانون الاسمي والأعلي الذي ينظم الحقوق والواجبات والحريات للمواطنين . وهو الذي يحدد نظام الحكم وشكل الدولة ونظامها السياسي والاقتصادي ، وعلاقاتها الخارجية ، وسيادتها. وللاتفاق عليه علينا ان نتفق اولا علي نظام الحكم ، والتداول السلمي للسلطة ، والحكومة الانتقالية ، التي تكتب الدستور الانتقالي المتفق عليه ، بعد ان تبسط الحريات ، وتنتقل الدولة من دولة الحزب لدولة الوطن . خمدت اللجنة الصورية، ولكن الانقاذ طعمتها هذه المرة بالنائب الثاني للرئيس الحاج ادم الذي بدا جولات واجتماعات ميدانية مع عدد من قادة المعارضة. انتهت لجنة الدستور الي لا شي ، واسدل الستار عليها بعد ان شغلت أعلام السلطة فترة من الزمن، دارت فيه الماكينة الإعلامية مبشرة بدستور جديد وانتخابات فريدة وجديدة لفترة من الزمن . قبل ان يسدل الستار عليها بهدوء ، ثم ينهال عليها غبار النسيان . ثم ماذا بعد هذا؟ هناك امر جلل قادم في مسرحية الانقاذ، كتب عنه صاحب عمود اخر الليل:
كل المسؤولين مادون البشير مغادرون السلطة ، وزير المالية مغادر، ووزير الخارجية يصحب وزير المالية ، ممسكا بطرف جلبابه، وكذلك وزير الداخلية.
ودارت ماكينة الانقاذ تسوق خيوط الوهم .
ان الحرس القديم برمته مغادر الحكومة ، وان هناك وجوه جديدة سوف تظهر . والمباحثات السياسية مع المعارضة وحزب الامة قد قطعت شوطا بعيدا للمشاركة في الحكومة. وتطايرت الأوهام هنا وهناك ، وأفردت صحف النظام العناوين البارزة لبعض المعارضين الذين سيتولون حقائب الوزارات المتنقلة ، والمتطاىرة في سماوات الانقاذ السلطوية. وبدأت حمي التعديل الوزاري ترتفع حرارتها بعد ان حل سلفاكير حكومته ، وأحال ابرز قياداتها للتحقيق واعفاىهم من مناصبهم . وبدء أعلام الانقاذ يروج هل ستكون إجراءات البشير مشابهة لما قام به سلفا ام تختلف عنها قليلا او تزيد عليها كثيرا. ولمزيد من الإثارة الإنقاذية بعد تنحية الاخوان من السلطة في مصر ، اصبح أعلام الانقاذ اكثر تشويقا ، هل سيطيح البشير باخوان السودان ويزيحهم من السلطة ، ويحملهم مسؤولية الفشل وما آلت اليه احوال البلاد والعباد. ويقوم بانقلاب داخلي يستولي فيه الجيش كليا علي مقاليد الأمور . هكذا يصرف أعلام الانقاذ الرأي العام من القضايا الرئيسية ، محاولا بيع الأوهام في مسرحيته الإنقاذية ، والتي تتصاعد كخيط دخان .

أواصل واتابع خبط الدخان الإنقاذي هذا.
*اخر رئيس تحرير لصحيفة الامة والحزب الحاكم قبل انقلاب الجبهة القومية الاسلامية يونيو 1983

تعليق واحد

  1. لك التحيه دكتور بولاد وانت تعيد الينا ذاكرتناالمعطوبه بافاعيل الا بالسه كما سماهم الكاتب الالمعي فتحي الضو فكل السيسناريوهات التي اشرته لها في مقالك. لم تكن الانقاذ جاده يوما في ان تتحول من دولة الحزب والبلطجه الي دولة الوطن والحقوق ولكن اختلط الامر علي الكثيرين وصدق اسطوانتها المشروخه وفي كل مره تتفنن في الاعيب السرك ولكن الان وصلت الي نقطة النهايه فما باتت حبال السرك قادره علي حمل البهلوانات والهاء المشاهدين الان حصحص الحق فما بات سحرها يسترهب شعبنا وما باتت صناعة الاوهام تجدي فما علي شعبنا الي ان يسارع الخطا في درب الثورة ليستاصل شافتها

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..