مقالات وآراء

بين سنوات القحط واعوام الرخاء 

ظِلَال القمــــــر
عبدالرحمن محمـــد فضــل
لقد توالت كثير من ايام حياتنا واصبحت سنوات ، يشوبها الجدب والقحط والغلاء وسنوات من الحروب والثورات والانقلابات والانتفاضات ، وأصبحت أعناقنا مشرئبة نحو اي بارقة امل ونتتطاول لرؤية أعوام الخير والنماء والرخاء لقد تزاحمت علينا السنين وتلاشت لدينا الاعوام ، وكيف هو السبيل حتى تصبح أيامنا أعواما لا سنوات .
ومن المعلوم أن الأيام والأسابيع والأشهر والسنوات مجرد أواني فارغة ، أوجدها الله للناس كجزء من عملية الإبتلاء والإمتحان في هذه الحياة ، ومن ثم فإن البشر يمكن أن يملؤوها بالخيرات والمبرات أو بالشرور والآثام ، ويمكن أن يجعلوها عامرة بالأفراح أو مليئة بالأتراح ، والمسرات أو الأحزان ، ويمكن أن يستغرقوها بالتعمير أو التدمير ، إن الزمن عامل محايد لا يحمل في طياته خيرا أو شرا ، معروفا أو منكرا، حقا أو باطلا ، والإنسان هو الكائن المريد الذي يستطيع أن يرسم بصمته في جدار الزمن ، فيزينه بالمباهج والآمال أو يلطخه بالأوجاع والآلام والاحزان ويملاه بالظلم والطغيان ، ونجد ان التاريخ يقص لنا القصص ويحكي لنا عن  الحياة ويذكرنا  أن الإنسان الذي يحاول الفرار من مسؤولياته ، كثيرا ما يتسلح بالمنهج الذرائعي ، لتبرير قعوده عن عمارة الأرض ونكوصه عن صناعة الحياة ، حيث يلقي بالتبعة على عوامل عديدة ومنها الزمن ، حيث يقول الشاعر (نعيب زماننا والعيب فينا ، وما لزماننا عيب سوانا) ولأن آنية الأيام شفافة كالزجاج ولينة كالماء، فإنها تتغير بتغير المحتوى الذي يوضع فيها ، ولما كانت المصطلحات توضع وفق مدلولاتها فإن هذا التبدل في المضمون يتم مراعاته في الأسماء والمصطلحات ، ومن ثم فإن مصطلح العام غير مصطلح السنة ، وإن كنا نستخدمهما بذات المدلول! ولأن القرآن الكريم بلسان عربي مبين ، فإننا نجد فيه هذا التفريق الدقيق والحاسم بين مصطلح العام ومصطلح السنة، فالسنة تستخدم للتعبير عن التعب والقحط والجدب والمعاناة ، والعام يستخدم للتعبير عن الخير والخصوبة والراحة ، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى : (قال تزرعون سبع سنين دأبا … ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون). ولكي نجعل من أعمارنا أدوات إعمار ، وحتى تصبح أيامنا أعواما لا سنوات ، ينبغي أن نملأها بالجهاد العقلي في آفاق الفكر ، وبالجهاد العملي في مناكب الأرض ، وذلك بفاعلية التخطيط العلمي المدروس ، والأخذ بقوة بكل وسائل العمارة والنماء ، وباحتلال كل مجموعة متعاضدة للثغر الذي يناسب مواهبها وللمكان الذي يوازي إمكاناتها ، وبذلك فقط يمكن استعادة خيرية الأمة المفقودة وقوامتها المنشودة على سائر الأمم ، ولا شك أن أول خطوة في رحلة تحويل سنين الهزائم والتيه والضعف والهوان إلى أعوام للنصر والعزة والكرامة ، والتخلص من اليأس الذي يثقل الكواهل وينقض الظهور ، ويتسبب في خور العزائم وضعف الإرادات ، وذلك باستدعاء التفاؤل وإدراك أن الزمن محايد وأنه ملك لمن يعصر أيامه ويحسن استثمار ساعاته ودقائقه بالكد والجد والاجتهاد والمثابرة
ولن يحدث هذا التغيير اذا لم ندع عوامل النزاع والبغض والكراهية والعنصرية والحسد والشحناء ، لن يحدث لنا تغيير اذا لم نسلك طريق الحق والعدل لا سواه ، لن يحدث التغيير المنشود ونحن متفرقين لا تجمعنا عقيدة ولا دين ولا امل ولا فكرة ولا طموح سوف نظل في دائرة التيه وعتمة الظلام وسنين القحط والجدب والحروب والاقتتال علي لا شى والانهار والثروات تحت ارجلنا ونحن نعيش في سنين تلو السنين من الفقر والجفاف الحسي والمعنوي ، يجب علينا ان نسعي ونجتهد لكي نتغير من دواخلنا المظلمة وحتي يشع ضياء التغيير  من حولنا لكي نغير ما حولنا ونصلح أوضاعنا، وحتى نستعيد مقاليد الأمور وأَزمة المبادرة ، ولنغير ما في أنفسنا من أفكار جعلت أيامنا سنوات ، ولنستبدلها بأفكار الخير والجمال والتفاؤل ، حتى نستبعد سنوات القهر والحرمان ونستعيد أعوام القوة والأمجاد وكل هذا لن يتم الا اذا خلعنا رداء الجاهلية والعنصرية والظلم والبغض والكراهية وتمسكنا بمنهج الله عزوجل ونعبد الله وحده ولا نعبد انفسنا ولا ننقاد لهوي النفس الامارة بالسوء.
وعلينا ان لا نطلب من السنوات أن تكون هي  الافضل ، بل يجب ان نكون نحن  الافضل حتي تتغيير السنوات الي اعوام فنحن من يتغيٌر لأن السنوات والأعوام هي مجرٌد أرقام تزداد فقط الحكاية ليست عاماً رحل وعاماً جديدا قادم .
الحكاية ليست مجرد أمنيات وتمنيات .
الحكاية (إنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ).
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..