كل الشموع تضئ من الرأس إلا السودان يذوي من جنوبه?

كل الشموع تضئ من الرأس إلا السودان يذوي من جنوبه?
د.عبد القادر الرفاعي
بالأمس التاسع من يوليو 2011 عبرت الإنقاذ إلى النصف الثاني من العقد الثالث من ولايتها، وهذه هي المرة الأولى منذ عام 1956 يعبر رئيس سوداني وحزبه ويكون قد فشل هو في أن يسلم خلفه ? كائنا من كان- خريطة السودان كما تسلمها هو ? كاملة غير مجزأة ? ويكون بذلك قد فشل في أن يحافظ على مفهوم ? لا شيء يعدل الوطن ? ، إنه بهذا الوضع البلاد بأسرها أمام القفزة الخطرة، فأما الإنتصار في الحرب الأهلية وأما أن يدفع البلاد كلها للتفتت، فكان أن انفصل الجنوب، إن الجميع يعلم ويعرف جيدا حجم وإمكانات الإنقاذ، ولكنهم يعرفون أيضا إن الأبطال في التاريخ هم الذين تركو بلدانهم ? بنفس الحجم ? مثلما تسلموها ولم يسعوا لتفتيتها، وأنهم ورغما عن التركة الثقيلة والظروف الصعبة التي تجتازها بلادهم، هم الذين حافظوا على وحدتها في مواجهة التمزق والتقسيم، وإذا كانت الإنقاذ تتحمل وزر الإطاحة بالسودان لأسباب نعلمها ويعلمونها فأن الأنظمة الديمقراطية التي سبقتها للحكم لم تكن مبرئة من النواقص والعيوب، حتى الأنظمة العسكرية ــ إلا أنها لم تضمر رغم أخطائها وبشاعتها ? لم تعمل لانفصال أي جزء من الوطن بقدر ما كانت تعتمد على أجهزة الأمن في تثبيت حكمها أما الإنقاذ فهي ما تزال في مرحلة الدولة الدينية وهي تعتمد على جماهير مفتعلة تدعوها للتظاهر أحيانا وتهدد الشعب أحيانا وبقوة السلاح أحيانا أخرى، بإعتبار إن هذه هي أهم أسلحتها لمواجهة المد المتصاعد المتربص بها من أجل استعادة الحرية والديمقراطية.
هذه هي بعض الحقائق التي أفرزتها حكومة الإنقاذ وإن أي خطأ من جانبها سيزيدها اشتعالا ويحول الحادث الصغير العادي إلى أزمة كبيرة مليئة بالاحتمالات، لا أحد يقول إن على الإنقاذ أن تؤمن بالديمقراطية لأن طبيعتها غير ديمقراطية فهي تتجاهل حقائق الحياة الموضوعية الذي هو سمة من سمات حكمها، لكن التعامل بالعقلية الأمنية وتوجيه الدعوات التحريضية حينا والاستفزازية حينا أخر، كان في أكثر الأحيان بديلا للحكمة وإطفاء الحرائق التي أشعلوها، حتما سينتشر الحريق بعد انفصال جنوب السودان إلى غربه وشرقه فتتحول بلادنا إلى دائرة ضيقة لا تساوي بضع كيلومترات بعد إن كانت أرض المليون ميل مربع، والخلاصة إن الذين تركوا بلدانهم أصغر مما تسلموها فالتاريخ كانوا : نابليون الذي ترك فرنسا أصغر من حجمها، وهتلر الذي ترك ألمانيا مقسمة، أضف إليهم السودان الآن.
الميدان