الخطيب، لم يخرج من عبودية الأسد لكي يذل بعبودية قطر

الزعامة القطرية لا تفكر إلا بلفلفة الصراع في سوريا والمشي به في اتجاه واحد: الاجهاز على النظام الحاكم، بغض النظر عن الثمن الذي يدفعه الشعب السوري وحده.
بقلم: فاروق يوسف
قيل يومها انه رجل دين معتدل. بل أن البعض زعم ان علاقاته بالتيارات السياسية العلمانية كانت قوية. احمد معاذ الخطيب قفز إلى الواجهة فجأة، من غير أي تمهيد وبلا مقدمات. قبل حوالي أربعة أشهر دُعي أعضاء المجلس الوطني السوري المعارض لاجتماع عاجل في الدوحة، من أجل أن يعلنوا عن ولادة تنظيم جديد للمعارضة السورية يكون أكثر سعة من المجلس وليتم انتخاب الخطيب رئيسا لذلك التنظيم الذي سمي بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.
كان واضحا ان الرجل وإن كان معارضا غير أنه ليس من طينة المعارضة المتبناة من قبل الغرب. هيأته الحائرة جعلته يقف وحده بمعزل عن شخصيات الواجهة المعارضة الذين اجتهدت وسائل الاعلام في تلميع صورهم. وبالرغم من أن الرجل كان خطيبا حقيقيا غير أنه لم يصدع رؤوس الناس بالانشاء البلاغي الثوري. كانت جمله قصيرة وواضحة وتذهب إلى الهدف مباشرة وهو ما عبرت عنه مبادرته لانهاء الحرب . تلك المبادرة التي افزعت المعارضين الرسميين واربكت النظام الحاكم في دمشق ووضعته في زاوية ميتة.
عرف الرجل كيف يجذب الانظار إليه بتواضع، من غير أن يقصد ذلك. وكان واضحا أن ليس في نيته أن يدخل إلى ملعب السياسية من بوابة التواطؤ والدسائس والمنافع الشخصية. وما بيان استقالته إلا اعلان مرير عن فجيعته بذلك العالم الذي اكتشف أنه لم يُخلق له. وما قفز عليه دعاة العلمانية من غليون الى صبرا مرورا بعشرات النساء والرجال ممن يتغنون بالحرية جهارا وقف الخطيب أمامه بغضب. كان هناك شيء من العبودية اسماه الرجل “الطاعة” هو الثمن الذي يجب أن يدفعه كل معارض سوري يرغب في البقاء في موقعه، متمتعا بدعم القوى الاقليمية والعالمية. من غير تلك الطاعة يجد المرء نفسه معزولا ومنبوذا وذاهبا إلى المجهول. ولان الخطيب ليس من طينة المعارضة فقد شق عليه أن يكون عبدا مرتين: مرة في المواطنة ومرة أخرى في المعارضة. لسان حاله يقول “لقد اخترنا المعارضة لكي نتحرر من عبودية سابقة لا لكي نُذل بعبودية جديدة”.
كانت استقالته ضرورية، من اجل صيانة ما تبقى من كرامة الشعب السوري. ليس مهما بعد البيان الذي كتبه الخطيب أن تقبل تلك الاستقالة أو ترفض. لقد قال الرجل كلمة الحق التي يؤمن بها، وهي الكلمة الفصل بين الزيف والحقيقة. لم تكن المعارضة السورية حرة في خياراتها ولا مستقلة في قراراتها. دائما كانت (لا تزال) هناك املاءات من قوى خارجية ترعى بالدرجة الاساس مصالحها على حساب الدم السوري الذي سعى الخطيب بشجاعة الفرسان إلى إيقاف نزيفه. وهو ما جر عليه غضب المعارضة والدول الراعية والممولة لها وفي مقدمتها قطر.
قبل القمة العربية والتي لم تكن صدفة أن تعقد في الدوحة نأى الرجل بنفسه عن المسألة كلها. قال في بيانه كل ما يمكن أن يقوله انسان وطني، مخلص وشريف عن روح المؤامرة التي تخيم على قمة لم تعقد إلا من أجل أن يستمر الخراب السوري في الانجرار وراء تجلياته وصوره المأساوية. فلا أحد ينتظر من قمة ترعاها قطر أية مبادرة توحي بحسن النية، على الأقل لايقاف القتل. وهو ما يقض مضجع الشيخ معاذ الخطيب. فالزعامة القطرية لا تفكر إلا بلفلفة الصراع في سوريا والمشي به في اتجاه واحد: الاجهاز على النظام الحاكم، بغض النظر عن الثمن الذي يدفعه الشعب السوري وحده. وهو ثمن وقف أمامه الخطيب مذعورا.
في هذا السياق فقد كانت مبادرته التي تعامل معها النظام بغباء انما تشكل أساسا لحل يرفع عن كاهل الشعب السوري مسؤولية دفع ما تبقى من ثمن حرب يريدها الآخرون لتحقيق مصالحهم وتنفيذ مخططاتهم. وإذا ما كانت المبادرة قد تم اجهاضها، فان الشيخ الخطيب لن يذهب إلى التاريخ خاسرا. قال كلمته التي لن ينساها أحد.
فاروق يوسف
ميدل ايست أونلاين