قضية مُجتمعية : إهانة واساءة الكمسارى !

(كلام الركاب بالنسبة لي مكالمة غير مُستلمة)
” كمساري ”
علي الرغم من ان القاموس الاجتماعي السوداني ملئُ بعبارات الشكر والثناء والاطراء علي ذاته باعتباره شعب كريم ،معطاة، متعاضد، متراحم… الخ، الا ان بعض الظاهرات والسلوكيات اليوم يُعد نقيضة تماماً لما يتصوره المجتمع لذاته! حيث مناصرة القوي والوقوف ضد الضعيف والمغلوب علي امره..والتركيز علي صغائر الامور والوُلوغ فيه مما يجعل الصورة باهتة ومن ثم غياب الحقيقة! وفي هذا الضباب تكاد تكون معكُوسية الحديث النبوي الشريف هي الاصح والتي تقضي بالقول ” اذا سرق فيهم الشريف تركوه وغنوا له ومجدوه واذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد “!! … اُنصر اخاك ظالماً او مظلوماً، وكان النُصرة يعني الوقوف مع القوي فقط! اْيُعقل هذا في مجتمع يتمسح بقيم السماء ويدعي بالطُهر والعفة والكرم. اليس من الأجدر ان يجري مراجعات علي نفسه دون التمسك بالنُعوت الزائفة! وفي هذا الزخم يشكل قضية إحتقار وإساءة معاملة الكمساري حضورا من ضمن قضايا اُخَر.
ومن المسلم به ان مجتمع الكمساري كغيره من المجتمعات فيه من هو شاذ سلوكياً ومُعنف لفظياً ومادياً ولا يحسن الحديث ،وكما يوجد فيه من هو مهذب السلوك ودمث الاخلاق. وانه من مقتضيات الظُلم والحِيف إصدار أحكام وصُور نمطية مُسبقة لكل فئة الكمسارى حكماً وقياساً علي مسلكيات بعض الشواذ منهم! ولا يخفي علي علم الجميع ان للكمسرة دور حيوي في حياتنا اليومية بما ان اغلبية المواطنين فقراء يستغلون وسيلة المواصلات لما لهذه المهنة اهمية في تسهيل العمليات والحفاظ علي سمين وقت الركاب. ولولا الكمساري لضاع الوقت وإصطف الناس صفاً لدفع قيمة التذكرة للسائق…. وفي خضم حركة البطالة واستشراء قيم ومعايير المحسوبية والولاء هو الاساس للحصول علي الوظيفة العامة كان وما زال مهنة الكمسرة توفر ملاذاً امنا وحاضنة وظيفية لكثير من الخريجين وحملة الدرجات العلمية التي لفظتهم الدولة! وفي هذا المقام يحضُرني موقف مُحزن تعرض له كمساري وهو بالطبع كان صديق دراسة بالجامعة في المدرسة الادراية وبعد تخرجنا فيها التحقت انا بكلية القانون وبعدها زاولت مهنة المحاماة، المهم نعود للقصة وبينما وقف زميلي ليُلقي علي التحية وقبل ان يفعل ذلك إنفصم السائق في وجهه وكشر أنيابه اليه وذمه وعاد صديقي مجرجرا ازيال الغيبة! ووقفت انا حائراً ومن ثم انصرفت لاعناً الزمن الذي يُلقي بالخريجين وحملة الدرجات العلمية المختلفة الي مثل هذه الماسي والمحن!. في الوقت الذي يتمرغ فيه ابناء المؤتمر الوطني ومن لف لف حولهم في زحمةالنعم ليس لمعايير ومؤهلات علمية يدفعهم لذلك دفعاً.بل لانهم فقط ابناء مغتصبي مقدرات وارادة الشعوب السودانية ! .اذن لماذا ومع علم المجتمع بكل هذه الحقائق الثابتة يمارس الظلم والتعنيف علي شريحة الكمسارى ؟!
نعم وفي أحايين كثيرة تجد ظاهرات التعنيف اللفظي والمادي اثناء ممارسة الكمساري علي عمله وخاصة عندما يرفض احد الركاب لدفع قيمة التذكرة او يدعي انه لا يملكها وحالما يهُم الكمساري في انزاله ..هنا تجد جميع الركاب يسقُطونه ويكيلون له بالإساءات واللائمات مع انه لم يتركب جناية في حق اي شخص بل انه علي موقف سليم يقتضيه واجبات مهنته لان باصات المواصلات ليست مؤسسات خيرية تزود بالخير علي الاخرين بل هي مؤسسات استثمارية تعمل للحصول علي الربح. وفي هذا السلوك يستوي فيه المواطن العادي وطلاب الجامعات وما اكثر السلوكيات الشاذة التي تصدر من الطُلاب وخاصة عندما يقومون بالتمسك العمياء بالامتياز الذي يخول لهم بما يسمي” ب -بطاقة الترحيل” مع الوضع في الاعتبار للظروف التي ألجأتهم في ذلك. والخلل الذي أصاب البناء التعليمي لحد الذي جعل من الطالب مهمته الاساسية فقط العراك مع الكمساري ! وفي هذا المضمار ليس بغريب في تلك القضية التي شهدتها في احدي المحاكم والتي تتمثل وقائعها بان نزاعا شب بين الطالب الجامعي والكمساري في مبلغ جنيه واحد فقط فاذا ما بالطالب يستل سكينه ويطعن به الكمساري ليرديه قتيلا! وهذه هي نتيجة حتمية لما اصاب التعليم من عجز وقصور وبات الطالب ينوء في قسر معرفي وغربته لذاته والواقع لما حوله.
فاذا اجرينا مقاربة بسيطة لوضعية الموظف العادي في الدولة وكذا المهن الاخري حيث نجد ان الموظف العام الذي يعيش علي فلسفة وفقه “اقتصاديات الله كريم” مرتبه لا يتجاوز الف جنيه وبالمقابل ان صرفه الفعلي يتجاوز اكثر من ثلاث الف جنيه….. وفي الوقت ذاته يتقاضى الكمساري اجر يومي بما لا يقل عن ثمانين جنية اي في الشهر 2400 اذن ما الذي الاخرين يحتقرون ويسيئون للكمساري انها حقا جنون المجتمع!
اذن لابد من الاعتراف ان مهنة الكمسرة لا تختلف كثيرا عن المهن الشربفة الاخري لطالما توفر حياة كريمة لشاغليها سواء كان الذين يمتهنونها طوعاً واختياراً او الذين الجأتهم بعض الظروف مثل الخريجين من الجامعات تظل في كل الاحوال هي مهنة شريفة لها تقاليدها واحترامها وانها بلا شك ان دورها مهمة في حياتنا اليومية .

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. اثرت قضية حيوية يا أستاذ ,,, وهكذا يكون دور المثقف , محامياً كان أو قاضياً , طبيباً , مهندساً, أو معلماً , أو رب / ربة أسرة , إمام مسجد , مفكر , أو ما يعرف في أيامنا هذه بالناشطين والناشطات في كافة المجالات .

    وهذه أزمة تربية , وغياب منهج السلوك والتعامل مع الأخر , ويرجع القصور في ذلك للبيت والمناهج التربية والتعليم ,,,

    إننا نعيش أزمة سلوك علي كل المستويات , ليس الخلل في السلوك مقتصراً علي الطلاب والخريجين الشباب ,, بل حتي الكبار ,,, في مجال التعامل الاجتماعي العفوي أو الرسمي في دواوين الدولة.

    نحم بحاجة لقائد فيلسوف مصلح تكون بطانته حاملة لفكره وأهدافه مؤمنة بها ومصممة علي تطبيقها في مجتمع الدولة قوانين ومناهج .

    قد تكون أنت واحداً منهم.
    الشعب السوداني محتاج لتربية بحق وحقيقة .
    يلتقيك الواحد في باب المسجد ولا يقول لك السلام عليكم ,, إذن ماهي مخرجات الصلاة إذا لم تعلمك أدب الإسلام ,,, أليس هذا نفاق اجتماعي ,,

  2. اثرت قضية حيوية يا أستاذ ,,, وهكذا يكون دور المثقف , محامياً كان أو قاضياً , طبيباً , مهندساً, أو معلماً , أو رب / ربة أسرة , إمام مسجد , مفكر , أو ما يعرف في أيامنا هذه بالناشطين والناشطات في كافة المجالات .

    وهذه أزمة تربية , وغياب منهج السلوك والتعامل مع الأخر , ويرجع القصور في ذلك للبيت والمناهج التربية والتعليم ,,,

    إننا نعيش أزمة سلوك علي كل المستويات , ليس الخلل في السلوك مقتصراً علي الطلاب والخريجين الشباب ,, بل حتي الكبار ,,, في مجال التعامل الاجتماعي العفوي أو الرسمي في دواوين الدولة.

    نحم بحاجة لقائد فيلسوف مصلح تكون بطانته حاملة لفكره وأهدافه مؤمنة بها ومصممة علي تطبيقها في مجتمع الدولة قوانين ومناهج .

    قد تكون أنت واحداً منهم.
    الشعب السوداني محتاج لتربية بحق وحقيقة .
    يلتقيك الواحد في باب المسجد ولا يقول لك السلام عليكم ,, إذن ماهي مخرجات الصلاة إذا لم تعلمك أدب الإسلام ,,, أليس هذا نفاق اجتماعي ,,

  3. موضوع مهم وجميل منك التطرق له

    فقط اتمنى منك العمل على تجويد اللغة فبغض النظر عن الكتابة الصحفية من غير المقبول من شخص يمتهن القانون ويتطلب عمله الدقة فى الكتابة الا ينتبه للاخطاء اللغوية وخصوصا الاملائية

    مثلا:

    اغلبية المواطنين فقراء يستغلون (يستقلون) وسيلة المواصلات لما لهذه المهنة اهمية في تسهيل العمليات والحفاظ علي سمين(ثمين) وقت الركاب….الخ

    اما استدلالك بالحديث بهذه الصيغة فقد اضحكنى

    ” اذا سرق فيهم الشريف تركوه وغنوا له ومجدوه واذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد “

  4. موضوع مهم وجميل منك التطرق له

    فقط اتمنى منك العمل على تجويد اللغة فبغض النظر عن الكتابة الصحفية من غير المقبول من شخص يمتهن القانون ويتطلب عمله الدقة فى الكتابة الا ينتبه للاخطاء اللغوية وخصوصا الاملائية

    مثلا:

    اغلبية المواطنين فقراء يستغلون (يستقلون) وسيلة المواصلات لما لهذه المهنة اهمية في تسهيل العمليات والحفاظ علي سمين(ثمين) وقت الركاب….الخ

    اما استدلالك بالحديث بهذه الصيغة فقد اضحكنى

    ” اذا سرق فيهم الشريف تركوه وغنوا له ومجدوه واذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد “

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..