ذكرى أكتوبر .. الهروب الذي يعني الاشتباه

أحرص دوماً على استفزاز حاسة التملك في نفوسنا والتهاف الإهمال المتعمد لأهم منارات ثرواتنا الثقافية وممتلكاتنا الحضارية، وهي ثورات الشعب السوداني المجيدة أكتوبر.. أبريل، والتي أكثر ما تحسرنا على إهمالنا لها حين وجدنا أنفسنا في سنوات ما يسمى بالربيع العربي، نتلقى دعوات من الشعوب العربية للحضور إلى قاعة الدرس ليعلموننا كيف تتم صناعة الثورات.. !!
حينها هتفنا في وجوههم بغضب مرتبك نحاول إقناعهم بأن الشعب السوداني قد تجاوز هذه المرحلة منذ خمسين عاماً.. وبإمكانه اليوم أن يشارك ضمن طاقم المُدَرِّبين وليس المتدربين على الثورات ..
ولم يكن هذا الحديث مقنعاً لأحد منهم.. بل هو بالنسبة لهم محض هراء، إذ لا يوجد شعب في هذا العالم ينسى مفاتيح خزانته الحضارية في جيب التأريخ ثم يأتي ليطالب الآخرين بتصنيفه ضمن أثرى أثرياء العالم بلا كشف حساب .!!
ثورة أكتوبر في مخيلة الأجيال الجديدة هي مجرد أغنيات وأناشيد للراحل محمد وردي والموسيقار محمد الأمين.. هي قصيدة لهاشم صديق أو قصة غير متفق على تفاصيلها يرويها كل راوٍ على كيفه..
هي مثل فيلم تايتانيك.. خيال الملحمة السينمائية ما بين قلادة ماس وقصة حب وأغنية للعشق الخرافي تحت حطام غارق في المحيط..!!
لن تقوم لنا قائمة في هذا العالم إلا بعد أن نتخلص من عقدة التبرؤ السياسي ومتلازمة الخيانة والبطولة في واقعنا السياسي..
لن نكون أصحاء وطنياً في ظل الفوضى العارمة داخل قاعة محكمة الوطن التي يتزاحم الجميع بداخلها للوصول إلى كرسي القاضي وإصدار أحكام الإعدام للآخرين .
الاحتفاء بثورات الشعب السوداني القومية (ثورة أكتوبر وانتفاضة أبريل).. ورفع الحصار عنها سيعني إنهاء عزلة الحس القومي السوداني وتحريره واستعادته من منفاه.. فلا ثورة في قاموس الشعوب تأتي على حساب أخرى بل جميع الثورات الوطنية هي تراكم حضاري ممتد لتجويد طهي المستقبل وتحسين طعمه ومذاقه .
فكرة الاحتفاء بثورات الشعب السوداني أعمق من مطاردات هاجس البراءة والإدانة.. وأكبر من حجم (صيوانات) توزيع الإغاثة السياسية لكيانات عاجزة أو أحزاب تريد أن تسرق خزانة التأريخ .
الهروب من توثيق التأريخ وتعظيمه يحقق تماماً تهمة الاشتباه في تعريف الحاضر .
هنيئاً للشعب السوداني بذكرى ثورة أكتوبر المجيدة.. التي يكفينا وينقذنا تماماً أن نتعلم منها درساً واحداً فقط أو الدرس الأول من دروس الوطنية، وهو الحس القومي المشترك والموحد للشعب السوداني .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
آخر لحظة
اريد ان اذكر بالخير جماهير الرجال والنساء الذين احتفلوا معي هذا العام بذكرى اكتوبر مبدين من الحماس والايمان ما لم نشهده الا ايام اطلاقها الاولى/ لك
يا جمال ولهم ارفع قبضتي بالتحية وعاشت ذكرى اكتوبر ملهمة للشعب السوداني زقلادة لانتصاره المؤثل الراشخ في عمق التاريخ