مقالات سياسية

الصحة النفسية حكاية أخرى

في منتصف التسعينات عندما درسنا علم النفس وجدنا عدداً مقدراً من الأطباء النفسانيين الأكفاء الذين تدربنا على أيديهم في السلاح الطبي والتجاني الماحي، وبحري العصبية ، بعض منهم رحل عن الدنيا والبعض الآخر رحل عن السودان بسبب سياسات الحكومة التي شردت كل الأطباء ، وما زلت أشعر حتى الآن بالحزن والأسى على رحيل تلك الكوكبة عن ساحة الطب النفسي في السودان إلى دول أخرى كسبتهم وخسرناهم نحن ولا شك إن لذلك أثره على هذا الشعب المكلوم.
أما الذين رحلوا عن دنيانا واصطفاهم ربهم لا نملك إلا أن ترحم عليهم كل يوم فقد كانوا رائعين بمعنى الكلمة واذكر منهم الدكتور عمر إبراهيم محمد على ذاك الرجل الجميل فقد ترك فراغاً كبيراً في حياة مرضاه وطلابه كان متفانياً في عمله مهتماً بطلابه ومرضاه كان دوماً يحمل هم مستقبل هذا التخصص في السودان وكاًنه كان يشعر بما سيحدث اليوم .
ربما كان لدكتور عمر قراءته ولكنني لم أكن أتوقع أن يتدهور حال الطب النفسي بهذه الطريقة فخلال تلك السنوات كان عدد الاختصاصيين النفسانيين والطلاب الذين بدأوا دراسة هذا التخصص تنذر بمستقبل مشرق للطب النفسي في السودان ولكن النتيجة التي أراها اليوم عكس ما توقعت فالطب النفسي يتراجع ويتعرض للتجاهل الرسمي في الوقت الذي تزداد حاجة الناس إليه وإلى مؤسساته نتيجة ما يحدث في البلد من ضغوط ومشاكل نفسية يظهر منها الجديد كل يوم .
الطب النفسي في كل العالم يتقدم بصورة مذهلة وأصبحت خدمات الصحة النفسية تتطور كل يوم وتتوسع وتنتشر، وهذا ما يفسر حاجة الدول العربية إلى المزيد من الأطباء النفسانيين فاستفادت من عدد كبير من أطبائنا الذين حرمتهم الحكومة مع سبق الإصرار من أن يفيدوا بلدهم وشعبهم فهجروا السودان إلى تلك الدول وهم الآن يشاركون بقوة في تطوير منظومتها الصحية في مجال الطب النفسي.
قرأت قبل يومين في الصحف أن المجلس الاستشارى للطب النفسي بالسودان في تعميم صحفي حذر من تعرض المؤسسات العلاجية النفسية للإهمال الماحق وحذر من مغبة تجفيف مستشفى التجاني الماحي وعدد من المؤسسات النفسية، واستنكر تحويل بعض أقسام الطب النفسي بعدد من مستشفيات الولايات لاستخدامات أخرى وأشار إلى التهميش الواضح للأطباء النفسانيين بالمؤسسات الرسمية والذي يدفعهم لهجر العمل بها وهذه حكاية أخرى من البؤس الذي تصنعه وزارة الصحة من ألف حكاية.
وزارة الصحة بدلاً من أن تزيد عدد مؤسسات الصحة النفسية وتقوم بتأهيل القديم بأعلى المعايير وتدعم مسيرة الطب النفسي تفعل العكس مثلما فعلت مع كل التخصصات الأخرى ولا أجد تفسيراً لعداء وزارة الصحة للمؤسسات الصحة عموماً .
مستشفى التجاني الماحي بغض النظر عن أية تفاصيل هو صرح تاريخي ومعلم شاهد على نجاحات رجل اهتم بالطب النفسي في وقت كانت الكثير من دول العالم لم تفكر فيه حتى. فمن العيب أن يصبح أي شيء غير مستشفى التجاني .

كل العالم اليوم لديه توجه للاهتمام بالطب النفسي بسبب تعقيدات وأزمات الحياة وحاجة الإنسان الدائمة لخدمات الصحة النفسية وهو ليس رفاهية بل تمليه الضرورة و حاجة المجتمع إليه ؟.
يبدو أن وزارة الصحة لديها استراتيجية لتدمير الصحة عموماً في السودان وعليه لن تسلم مؤسسات الصحة النفسية مثل غيرها ولن يسلم أطباؤها فالأمر مرتبط بسياسة حكومة لا تنجح إلا في التدمير.
مأساة الصحة في السودان هي مأساة دولة تحولت مؤسساتها إلى ممتلكات خاصة تستبيحها حكومة المؤتمر الوطني مستغلة صبر الشعب عليها، ولكن إلى متى يارب ؟ .

التيار

تعليق واحد

  1. * في مجال الطب الذي يعني بالصحة (النفسانية) ندر استخدام مصطلح (نفساني) و شاع (نفسي)، و الأول هو الصحيح؛و قد جري قلم الأستاذة بالاثنين معا في مقالها، فسارت في العنوان علي الخطأالشائع – نفسي، و في ثنايا المقال علي الصحيح – نفساني،
    و قد جاء في طوق الحمامة:”… ولا يعرض في شيء من هذه الأجناس المذكورة، من شغل البال والخبل والوسواس وتبدل الغرائز المركبة واستحالة السجايا المطبوعة والنحول والزفير وسائر دلائل الشجا ما يعرض في العشق، فصح بذاك أنه استحسان روحاني وامتزاج [نفساني].”.
    #(كان عدد الاختصاصيين [النفسانيين] والطلاب الذين بدأوا دراسة هذا التخصص [تنذر = يبشر] بمستقبل مشرق للطب النفسي في السودان … )أهـ

  2. اسم العلم هو علم النفس…نفساني صفة ترجع للنفس…اللغة واسعة المهم في النهاية الحصول على النتيجة وفهم المقصود…نفس ونفساني ﻻ تغيير في برهان النتيجة…

  3. المسؤولين في السودان في حاجة ماسة لعلاج نفساني خاصة مسؤولي وزارة الصحة يتصرفون كمرضى نفسانين بإمتياز ينكرون مرضهم ولايرون انهم في حاجة لدعم نفساني إما نظرتهم للمرضى من المواطنين الذين تم سحقهم بالسياسات والقرارات والفرمانات السامية والواطية فهولاء ضعاف لم يستطيعوا تحمل تصاريف القدر فلا خير فيهم وهم صحاح فما بالك وهم تحت وطئت الضغوط النفسانية , علينا بالقوي الأمين !!! طالما طاقم حكومتنا الرشيدة شفاهم وعافاهم الله مصابين فمن الطبيعي يجففوا مشافي و منابع الطب النفساني الله يجازيهم.

    ( المريض النفساني من إحتفظ بعقله في هذا الزمان والحكومة دائما صح فالوطن كله مصحة وأنتم تتكلمون عن مستشفي التجاني الماحي فضوها سيره يرحمكم الله ويعافيكم)

  4. * في مجال الطب الذي يعني بالصحة (النفسانية) ندر استخدام مصطلح (نفساني) و شاع (نفسي)، و الأول هو الصحيح؛و قد جري قلم الأستاذة بالاثنين معا في مقالها، فسارت في العنوان علي الخطأالشائع – نفسي، و في ثنايا المقال علي الصحيح – نفساني،
    و قد جاء في طوق الحمامة:”… ولا يعرض في شيء من هذه الأجناس المذكورة، من شغل البال والخبل والوسواس وتبدل الغرائز المركبة واستحالة السجايا المطبوعة والنحول والزفير وسائر دلائل الشجا ما يعرض في العشق، فصح بذاك أنه استحسان روحاني وامتزاج [نفساني].”.
    #(كان عدد الاختصاصيين [النفسانيين] والطلاب الذين بدأوا دراسة هذا التخصص [تنذر = يبشر] بمستقبل مشرق للطب النفسي في السودان … )أهـ

  5. اسم العلم هو علم النفس…نفساني صفة ترجع للنفس…اللغة واسعة المهم في النهاية الحصول على النتيجة وفهم المقصود…نفس ونفساني ﻻ تغيير في برهان النتيجة…

  6. المسؤولين في السودان في حاجة ماسة لعلاج نفساني خاصة مسؤولي وزارة الصحة يتصرفون كمرضى نفسانين بإمتياز ينكرون مرضهم ولايرون انهم في حاجة لدعم نفساني إما نظرتهم للمرضى من المواطنين الذين تم سحقهم بالسياسات والقرارات والفرمانات السامية والواطية فهولاء ضعاف لم يستطيعوا تحمل تصاريف القدر فلا خير فيهم وهم صحاح فما بالك وهم تحت وطئت الضغوط النفسانية , علينا بالقوي الأمين !!! طالما طاقم حكومتنا الرشيدة شفاهم وعافاهم الله مصابين فمن الطبيعي يجففوا مشافي و منابع الطب النفساني الله يجازيهم.

    ( المريض النفساني من إحتفظ بعقله في هذا الزمان والحكومة دائما صح فالوطن كله مصحة وأنتم تتكلمون عن مستشفي التجاني الماحي فضوها سيره يرحمكم الله ويعافيكم)

  7. إلي بت مسيمس:
    (و من لا يتق الشتم يشتم).
    من تسمت/تسمى بـ[Bit messames]، و ربما لا تعلم أن (من لا يتق الشتم يشتم)، و لو كان الشتم من شيمي لرددت شتيمتها، و إني لن أتهوك إلي دركات الشتيمة انتصارا لذاتي الفانية لأن ذلك لا يرفعني درجة، كما أن شتيمتها لا تحطني دركة, و (لتسألن).
    ثم لننظر فيما قام علسه تعليقي الذي أزعم أنه إيجابي، و في لب الموضوع.
    أولا، أعتقد أن كتابنا الكرام ليسوا بأطفال صغار حتي يكونوا في حاجة لتصفيق يطربهم، و لا هم بطالبي إثارة. إنما هم عندي أناس واعون يحتفون بالتعليق الناضج الذي يرفد آراءهم، و يسدد خطى أقلامهم، و يتقبلون النقد الإيجابي، و يعلمون أن كبار المؤلفين يعرضون نتاجهم قبل نشره علي من يتوخون في آرائهم التسديد و التعضيد، و يشكرونهم علي ذلك في صدور كتبهم، و يرجون من متلقي منشورهم أن لا يبخلوا عليهم بتصويب ما فاتهم، و إكمال نقصهم، و إتمام قصورهم.
    ثانيا، تعليقي الذي ربما عشيت عن إيجابيته “بت مسيمس” – شاعرة الممسلمية, فيه إشادة بأن الأستاذة كاتبة المقال استخدمت من صحيح اللغة ما يذهل عنه كثير من كتاب أيامنا هذه.
    ثالثا، قصدت باقتباسي من “طوق الحمامة” التعريف ببعض الأمراض النفسانية التي ربما لا يعرف أسماءها في العربية حتي بعض أهل الاختصاص في الطب النفساني.
    رابعا، ربما فات علي الأخت بت مسيمس أنه لا يمكن صدور رأي واحد من كل الناس، لأنهم بطبيعتم لا ينظرون للأمور من زاوية واحدة،و لو أن بت مسيمس تسعي أن أكتب ما تراه هي ففي ذلك استحالة، لأنني لست هي حتي أعبر لها عن مكنونات نفسها؛ و لو حاولت خداعها لإرضائها لما خدعت إلا نفسي و ما استطعت.
    أخيرا، كل ما نسعي له هو أن يرتفع وعينا حتي يستطيع أن يعبر كل منا بما هو لائق، و أن نعلم أن التخفي وراء الأسماء المستعارة لا يسقط عنا المسئولية الأخلاقية حتي نجعل الراكوبة ميدانا نتباري فيه بالشتائم،إذ يقيننا أننا نؤمن و نسهم أن تكون هذه الراكوبة خير منبر لآرائنا، و أقسط ميزان لوعينا، و أجلي مرآة لأخلاقنا.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..