الذهب.. الأبيض…والأسود..والأصفر !

أذكر في واحدة من سنوات النصف الثاني من الستينيات ، واجهت حكومة الأحزاب حينها ، مشكلة لا تحضرني تفاصيلها بالضبط ، في تسويق القطن الذي أنتج بوفرة في ذلك الموسم ، حينما كان يسمى بالذهب الأبيض ، وكان طيب الذكر جنيهنا جراء ذلك الترف الانتاجي يساوي ما يقارب الأربعة من دولارات أمريكا التي لم يكن عذابها قد دنا من قبضتنا بعد!
ونتيجة تلك الأزمة العابرة ، فقد تأخرت رواتب العاملين بالدولة لبضعة أيام فقط ، قامت فيها الدنيا ولم تقعد !
وقتها كان كاريكاتير الفنان الراحل عزالدين والذي يعتبر رسمه في جريدة الأيام مؤشرا صباحيا يوميا يستشف منه القراء أين تتجه رياح الأحداث السياسية والاقتصادية وغيرها ،
فأصدر رسما ساخرا على خلفية تأخر الرواتب يصور فيه موظفا يحمل على رأسه ..
( جوال قطن )
و يدخل على زوجته التي لفتّها الدهشة ، وهو يخاطبها ، بان تجهّز ..
( مترارها .. أداة الغزل الشعبية في السودان)
لان الماهية قد صرفت لهم هذا الشهر قطنا خاما !
وحينما جاءت الانقاذ لانقاذ جنيهنا الذي بلغ حينها عكس ما كان ،أى أربعة جنيهات لاغير مقابل دولار أمريكا وقد دنا عنقها مع قدوم الثورة الظافرة من سيف تأديبها بواسطة حكومتنا الجديدة باسم الأمة الاسلامية وكافة دول العالم الحر وغير الحر !
قال المفكر الاقتصادي حينذاك.. صلاح كرار منتفخا بالتفاؤل غير الحذر من داخل بزتة البحرية البيضاء أنه قادر على انقاذ الجنيه من الغرق في بحر الدولار ، حتى لا يصل الى حدود العشرين جنيها مقابل أبوصلعة الواحد ، بعد الشر !
فذهب الرجل في موجة الزمن الانقاذي بعيدا الى شواطيء النسيان ، وغرق الدولار للشوشة في برميل الذهب الأسود الذي ذهب ريعه ليضاف الى قائمة اقرار الذمم التي أتى بها أهل الانقاذ بيضاء الصفحة كذهبنا الأبيض الذي ذهب هو الآخر معبأءا في ( خيشة ) سوء التصرف و عدم ترشيدالانفاق التي باعت أرضه ومتاريره ومحالجه ومصانع نسيجه والسكة الحديد التي كان يتفسح عليها معززا مكرما من صرايف الحواشات الى محطات التوزيع !
وياليت كانت الانقاذ قد أعطت االعاملين في الدولة رواتبهم
( ذهبا أسودا )
ليذهب كل واحد الى بيته وهو يحمل براميله على رأسه للتصرف فيها بمعرفته مع زوجته وأولادهما !
ولكنه ذهب بسواده في سواد ليل نيفاشا جنوبا وترك الأيادي على خدود المحنة ، فأصبح دولار أمريكا التي اشتد عذابها بجلوس الانقاذ على أنفاسها مثلنا ، يتخطى حاجز الثمانية الاف من أوراق جنيهنا الحزين !
بالأمس طالعنا أحد تماسيح الانقاذ وهو السباح الماهرفي بحور التنظير الكيزاني السيد كمال عبد اللطيف ، واعدا شعبنا الطيب بأنه سيعيد الجنيه من لجة غرقه الى !
( ساحل الذهب )
الذي ستتجه وزارته بكلياتها لانتاجه ، وطلب من الشعب أن يصبر لمدة خمسة أعوام فقط ، أى قبل ان تبلغ الانقاذ الثلاثين من عمرها المديد في علوم الفساد منزوع دسم الرخاء ، متعهدا بعودة عضلات تلك الورقة الهزيلة لتؤوب موازية لدولار أمريكا التي ستهلكها تماما الغيرة من حكمة الانقاذ ، اذ ستصبح الورقتان حسب وعده العرقوبي الأكيد تسيران في دروب الاقتصاد العالمي ، حذوك النعل بالنعل !
ولعل أسارير وطننا العابس قد انفرجت الآن وابتسم كل متشائم من طول بقاء الانقاذ ،وتحول الكدر الداخلي في نفوس رجالنا الى صفاء مثل صفاء أبو السعود الضاحكة دوما، وانطلقت زغاريد نساءنا ترف كالنسمة باجنحة الفرحة ، ومن المؤكد ان سوق الماكينات التي تخرم حلمات آذان الصغيرات سينتعش في الصيدليات منذ الغد الباكر ، عملا بالمثل المصري ، الذي يقول !
( وعدتني بالحلق . خرمت واداني )
لندخل مع انقاذنا الحبيبة مرحلة الذهب الأصفر ، خروجا من كربتنا المنيّلة !
ونصبح كما قال الوزير الذي اقترب من يوبيله البرونزي متقلبا في المناصب ،و بالفم المليان ، من الدول العظمى ، وهو العارف جيدا بأصالة معدن الانقاذ الذهبي طبعا !
وبلا ذهب أبيض بلا متارير، بلا أسود .. بلا براميل ..
بالله عليك يازول!
ومن يقال له سمين فليقل آميييييييين !
وللا.. مش كده يا سي كمال بيه عبد اللطيف ..
يا بتاع التعدين ؟

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. يبدو انك شاهدت حلقة احمد اللبلاب مع كمال عباللطيف ثنائي طريف هذين.. لا اعرف ما سر الحماس الذي يعتري هذين الشخصين ولماذا حماس الكادر الوزاري كأنهم إكتشفوا للتو ان السودان به خيرات معدنية كبيرة وهي تتوفر بأرض السودان لأنه هو على رأس الوزارة… ناس ظريفين تبلغ منهم الحماسة انهم يتعاركون لنيل فرصة الكلام في المايك.. مناديب مبيعات يروجون لاجهزتهم لفحص المعادن ويقولون بكل فخر انها وارد ألمانيا ويدعون المعدنيين لفحص ما لديهم من حجارة فيها أهي وزارة أم مختبر تجاري…. يقولون ان مصفاتهم تنتج ذهب تبر مجمر ومصفى محجوز لمشتري أجنبي.. هل تبيعه وزارة المعادن أم يتكلمون عن البنك المركزي.. طبعا محجوز هل هو فول او تبن القمح حتى تحتاج لترويجه هو ذهب وهذا لا يحجز.. أحمد اللبلاب يعطيك انطباعا وهو يجوس في وسط موظفي الوزارة بأن هنالك كرامة تتكون من فتة الرز مع اللحم سوف تقدم في مكان ما من الوزارة ولذا لابد من العجلة في الكلام والبلبة لتدرك لك لحيمات.. يظن الوزير بأنه طالما هناك حماس على طريقة رامبو وهناك معادن في مكان ما من هذه الصحارى فلا بد انه سينجح في جلب مستثمرين لها واستخراجها وبيعها وسيدخل ريعها الخزينة وينقذ البلد من الافلاس لكنه لا يلتفت ابدا للتفاصيل وهو بالطبع بأن تفصيل جانبي مثل توفير الأمن في مناطق التعدين سيفشل مخططاته برمتها!!! كيف يفعل ذلك وهو ووزارته جزء صغير من منظومة عنوانها الفشل ولا تهمها مصلحة البلد في كبيرة او صغيرة.

  2. الله لا بارك فيكم يامخلوقات المؤتمر الوطني حتى تسويقكم للخير الوهم الآتي صار بايخاًوغير مبلوع أتدرون لماذا؟؟ لأن كذبكم ونفاقكم فات الحدود وحتى إن صدقتم بعد ذلك سوف لن يصدقكم أحد.

  3. ده كله كوم وذهب ارياب بعمر الانقاذ كوم .. اذ لم نسمع بنماء في الشرق ولا وارد ذهب بالميزانية..
    وسمعنا فقط بسراب الذهب كتخدير لذهاب البترول جراء التعدين الاهلي .. وليس المنظم كما في ارياب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..