الدولة و الأداء المعياري

لا شك في أن الوظيفة الأساسية للدولة أو الجهاز الحكومي تتمثل في إنفاذ برنامج عمل معين يهدف، في نهاياته، إلی تحقيق المتطلبات الحياتية للشعب من معاش و خدمات و رفاه علاوةً على تنظيم حياة ذلك الشعب عبر سن القوانين و التشريعات، و خلافه مما تتطلبه حياة الناس. ذلك أن الحكومة تعد أو يجب أن تكون، في التحليل النهائي، المعبّر، الحقيقي عن إرادة الشعب، حيث يناط بها خدمته و تحقيق تطلعاته المضمنة في السياسة العامة للدولة و المؤطرة بالدستور.
و لكي يتسنى لها خدمة الشعب بصورة معيارية أو علی الوجه المطلوب يتوجب علی الحكومة إنفاذ برنامج العمل المشار إليه عبر خارطة طريق هادية و ذلك على نحوٍ يقود إلى تحقيق الأهداف المرسومة و يحقق طموحات الشعب. و يتمثل هذا فی ضرورة تحقيق عدة مطلوبات ترمي إلى إنفاذ سياسة الدولة التي يجب أن تستهدف تحقيق المتطلبات الحياتية آنفة الذكر و منها الأمن و الخدمات و معاش الناس و غير ذلك. و فيما يتصل بمعاش الناس، مثلاً، يتعين على الحكومة الإهتمام بالإقتصاد و تطويره و ذلك من خلال مضاعفة الإنتاج و الإنتاجية عبر تحقيق نهضة زراعية و صناعية هادفة و زيادة الناتج الاجمالي المحلي ” Gross Domestic Product ” و زيادة الدخل القومي. كما يجب عليها كذلك القيام بتحقيق العدالة الاجتماعية بين مواطنيها سعياً وراء خلق مجتمع الكفاية و العدل. هذا علاوة علی ضرورة توفير بيئة العمل المؤاتية التي تعين علی إنفاذ السياسة المشار إليها بالإضافة إلى العنصر البشري المؤهل فنياً و مهنياً للقيام بمهام و واجبات الوظيفة العامة بالدولة و الذي يمثل عماد الأداء المعياري.
و باعتباره العقل المدبر المعوَل عليه في عملية تحقيق الأداء المعياري يعد العنصر البشري عاملاً مفتاحياً “Key Factor ” في تحقيق الأداء المعياري الكلي بالدولة. و تبعاً لذلك يجب أن تتوفر فيه مطلوبات معينة منها المؤهل المناسب الذي يتوافق مع الوظيفة أو المنصب المطلوب و المهارات الملائمة و القدرة علی الإبداع و التفكير الخلاق الذي من شأنه أن يعينه علی إنتاج الأفكار المثمرة ذات المردود الايجابي و كذا القدرة علی إجتراح الحلول للمشكلات التي تعترض سبيل الأداء مع كسر طوق الجمود و البروقراطية و التقليدية في العمل بالإضافة إلی المرونة في العمل و إجراء التحديث المستمر في أساليب و مناهج الأداء.
و يحتاج تحقيق هذه المطلوبات الأساسية و الهامة إلی إنكباب الموظف علی الاطلاع و القراءة المستمرة بهدف توسيع مداركه و الارتقاء بقدراته في مجال عمله علاوة علی حاجته للتدريب المستمر أثناء الخدمة “In Service Training” و ذلك لصقل موهبته و تطوير قدراته حتی يتسنی له الإسهام بفعالية في تحقيق الأداء المعياري الكلي.
و لكي تعمل على تحقيق الأداء المعياري فقد شرعت العديد من الدول المتقدمة، منذ مدة طويلة، في الأخذ بأسباب الإدارة الحديثة فابتدعت الكثير من أساليب ترقية العمل و جودته ولجأت إلی قياس مؤشرات الأداء المعياري التي تتحدد من خلالها جودة العمل و مدی مقابلته للمتطلبات المرسومة المحددة.
و لا شك في أن تحقيق الأداء المعياري لا يتأتی و لا يزدهر إلا في بيئة عمل صحية يمكن أن يتم فيها إعمال الحوكمة و كل ما من شأنه أن يعين علی تحقيق الاداء المعياري. و فيما يتعلق بترقية الأداء الحكومي فقد ظلت التقنية تلعب، منذ سنوات مضت، دوراً هاماً طال العديد من المرافق و إنداحت دائرته فشملت الكثير من الدول، بدرجات متفاوتة، و ذلك على نحوٍ خلق “ثورة” غير مسبوقة حققت قفزات هائلة على صعيد الأداء الحكومي. و قد برزت تبعاً لذلك الحكومة الإلكترونية و التي هي عبارة عن نظام حديث تتبناه الحكومات من خلال إستخدام الشبكة العنكبوتية العالمية والإنترنت، في ربط مؤسساتها بعضها ببعض، وربط مختلف خدماتها بالمؤسسات الخاصة والجمهور عموماً، و وضع المعلومة في متناول الأفراد بغرض خلق علاقة شفافة تتصف بالسرعة والدقة و تهدف للارتقاء بجودة الأداء.
و لا شك في أن الحكومة الإلكترونية تمثل طفرة و منهج عمل حديث عمل على الإرتقاء بالأداء الحكومي بشكل كبير و ساهم في التنمية و التطور و نهضة الشعوب على نحوٍ واسع النطاق.
و من الحقائق المعلومة أنه و بقدر ما أن الكثير من دول العالم الثالث ما زالت ترزح في إسار التقليدية في الأداء و تتلمس طريقها نحو ولوج عالم الحكومة الإلكترونية أو تفعل ذلك بخطيء متثاقلة فإن الدول المتقدمة قفزت قفزات هائلة في هذا المضمار تمكنت من خلالها من تحقيق إنجازات معتبرة في ميادين عدة كما فتحت لها تلك القفزات آفاق واسعة من التطور.
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..