دق العيش ودقات أخرى

للسودانيين عامة غرام واضح مع كلمة دق يدق مدق ، فكثيرا ما ترد هذه المفردة في كلامهم باستخدامات مختلفة ، منها ما يأتي في اطار المعنى المباشر للمفردة ، ومنها ما يقع ضمن سياقات بلاغية واصطلاحية ، ومنها ماهو استخدام سوداني محض ، فمن المعنى المباشر قولهم مثلا دقاني ودقيتو ودقاهو للتعبير عن الضرب الذي يقع على شخص من شخص آخر ، ومن الاستخدامات الاصطلاحية ، كأن ينتشي أحد مشجعي كرة القدم بالعرض القوي والأداء الممتاز الذي قدمه فريقه في احدى المباريات فلا يجد للتعبير عن هذه النشوة بأقوى العبارات سوى أن يقول «الفريق دق كورة صاح» ، ومن ذلك أيضا أن تعاتب محبوبة حبيبها على تجاهله لها ليوم أو بعض يوم قائلة «مالك ما بتدق لي وتعني أنه لم يتلفنها»، هذا طبعا اذا تحجج الحبيب بالمشغوليات التي حرمته من لقائها ، وأما الاستخدامات الأخرى للكلمة فهي عادة ما تكون وليدة البيئة الاجتماعية والاقتصادية وذات ارتباط وثيق بالموروثات والعادات والتقاليد والنشاط الاقتصادي ، وهي كثيرة منها مثلا دق الريحة ، دق الشلوفة ، دق الدلوكة ودق العيش ..
فيما خلا أولاد الخرطوم بالميلاد لا أظن أن هناك سودانيا لا يعرف ماهو دق العيش ، سواء كان هذا الدق آليا عن طريق الدقاقات أو يدويا بواسطة مدقات خشبية متينة يهوي بها عمال الدق على زكائب الذرة بعد حصادها ، حيث ينجح توالي هذه العملية بدأب وصبر في فصل حبات الذرة عن قناديلها مختلطة ببعض الأوشاب الأمر الذي ينقل عملية الحصاد الى المرحلة الثالثة وهي عملية التذرية أو قل باللسان السوداني «التضرية» على رأي المثل الذي يقول «البلاقي الهبوب بيضري» ، هذا اذا كان الموسم ناجحا فحينها يكون لعملية دق العيش وتذريته كرنفالات ونفرات ، أما اذا فشل الموسم فان المزارع المسكين «سيدق الدلجة» لا محالة ، هذا اذا لم يودع السجن بسبب الديون.. بقي أن أقول لكم أن مناسبة هذا العمود فرضتها عبارة «دق العيش» التي وصف بها محدثي ما جرى لصديق له من مجموعة متفلتة، وهو هنا يستخدمها في سياق معناها الاصطلاحي الذي يعني الضرب الشديد فوق المبرح الذي وقع على بني آدم ، وليس على كوليقة ذرة ، والكوليقة لمن لا يعرفونها هي الحزمة من أعواد القصب ولها أيضا استخدامات مجازية مثل وصف الشارب الكث بأنه «شنب كوليقة»..
الصحافة
كلمات تراثيه ايله للسقوط
كلمات تراثيه ايله للسقوط