مقالات سياسية

دعم البنزين ومحاربة الفقر

محمد المعتصم احمد حسين

هل دعم البنزين يساعد على تخفيض معدل الفقر؟
مقدمة:
مسألة رفع الدعم عن السلع الاستهلاكية في ميزانية عام 2020م طغت على كل التفاصيل الأخرى في الميزانية والمؤسف أنها أصبحت مسالة صراع سياسي أستغل في الهجوم علي وزير المالية والمطالبة بفصله. إن مسألة دعم السلع الاستهلاكية من أهم المسائل التي تواجه المجتمع والتي يتطلب النظر إليها من النواحي الاقتصادية والاجتماعية. الهدف من الدعم هو تحسين مستوى معيشة المواطنين ذوي الدخل المحدود وهو الذي حسب فهمي ما يدور حوله النقاش وهو أمر مهم ويستدعي المعالجة السريعة لأن إحصائيات البنك الدولي للعام 2009م توضح أن 46.5% من السودانيين تحت مستوى الفقر والرقم في المناطق الريفية 57.6% وبالتأكيد الأرقام في نهاية حكم الإنقاذ أسوء. لذلك معالجة الفقر يجب أن تكون القضية العاجلة التي تواجه الحكومة الانتقالية بل إن استدامة السلام في مناطق الحرب يعتمد على تحسن أحوال المواطنين المعيشية. إذا اتفقنا على أن الفقر يمثل القضية الأولى التي تواجه السودان يصبح السؤال ماهي أنجع السبل لمعالجة الفقر؟ هل هي استمرار دعم البنزين؟ كم من سكان الريف يركبون السيارات وماهي نسبة تكاليف الترحيل من احتياجات ذوي الدخل المحدود من سكان المدن؟ بجانب أن البنزين لا يمثل جزءا مهما في حياة ذوي الدخل المحدود فإن له جوانب صحية واقتصادية وبيئية سالبة تجاهلها معظم المعلقين وتغيب الأطباء والعلماء من النقاش بالرغم من أن معظم مشاكل استهلاك البنزين لها صلة بالصحة والبيئة.

في هذا المقال سأتطرق لمشاكل الصحة والبيئة التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار في أي قرارات حول البنزين. وأقترح رفع الدعم عن البنزين واستثمار جزء من المبالغ التي تصرف على دعم البنزين على وسائل للمواصلات الأقل ضررا للبيئة. كما أناقش المقترحات الأخرى لمعالجة الفقر.
لماذا معظم الدول في العالم لا تدعم البنزين بل الكثيرين يفرضون ضرائب على البنزين؟
السودان من الدول القلائل في العالم التي تدعم البنزين في إحصائيات لعام 2016م شملت 160 دولة هناك 16 دولة فقط تدعم البنزين وكلها منتجة للبترول (أنظر الرسم البياني في نهاية المقال). بل أن سعر البنزين في السودان أرخص منه في الولايات المتحدة (واحدة من أكبر الدول المنتجة للبترول في العالم). الولايات المتحدة تجبي ضرائب على مستوى الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات بمتوسط 53 سنت للبنزين و60 سنت للديزل (الدولار فيه 100 سنت).  متوسط سعر جالون البنزين في الولايات المتحدة في شهر يناير 2.88 دولار. وكمثال آخر في الهند هناك ضرائب على البنزين والديزل من الحكومة المركزية وحكومات الولايات متوسط ضريبة الحكومة المركزية يتراوح بين 24-26% وضرائب الولايات بين 20-25% ما يعني أن الضرائب تساوي 51% من السعر النهائي للبنزين. أحد الأسباب للضرائب العالية إن محروقات البنزين تحتوي على Carbon monoxide, sulfur dioxide, benzene and formaldehyde

وهي مواد مضرة بصحة الإنسان خاصة الأطفال والأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب وقد أثبتت البحوث أن زيادة أمراض الصدر وسط الأطفال وتشوهات المواليد وبعض السرطانات تعزى لتلوث البيئة من محروقات البنزين. والمشكلة الثانية هي ازدحام الحركة الذي يسبب أضرارا كثيرة على الاقتصاد فازدحام الحركة في الشوارع يؤدي لتأخير الناس من الوصول لأماكن أعمالهم وتقصر عمر الطرق وتؤدي لازدياد حوادث الحركة وصرف كمية أكبر من البنزين وتزيد تلوث البيئة لأن السيارة الواقفة ومحركها شغال تلوث البيئة أكثر من السيارة المتحركة. والواضح أن ازدحام الحركة خاصة في العاصمة في ازدياد ومعه ازدياد تلوت البيئة وأضرارها. لذلك يجب أن تتخذ الدولة خطوات جزرية لمعاجلة المشكلة. ويمكننا أن نتعلم من تجارب الدول التي اتخذت سياسات متعددة لعلاج المشكلة فبجانب الضرائب العالية على البنزين تدعم الولايات المتحدة شراء العربات التي تستعمل الكهرباء أو تستعمل الكهرباء والبنزين ووسعت الولايات والحكومة الفدرالية استعمال المواصلات العامة من بصات وقطارات حتي في المناطق التي تعمل فيها هذه المواصلات بالخسارة كما رفعت تكاليف استعمال طرق المرور السريع والدخول للمدن وخصصت جزء من طرق المرور السريع  للعربات التي تحمل أكثر من راكب وأنشأت مواقف للسيارات في مداخل طرق المرور السريع لتشجع المواطنين للمشاركة في استخدام عرباتهم. وقد فرضت بلدية لندن في المملكة المتحدة ضريبة أحد عشر جنيه ونصف استرليني على العربات التي تدخل المدينة وقت الازدحام وهناك ضريبة إضافية عشرة جنيه استرليني على العربات القديمة.

ماهي السياسة البديلة لدعم البزين التي يمكن ان تطبق في السودان؟

الاموال التي تستخدم في دعم البنزين يمكن أن تستثمر في تطوير المواصلات العامة توسيع المنطقة التي يشملها القطار المحلي الذي أنشئ في العاصمة وشراء بصات تستعمل الطاقة الشمسية أو التي تستعمل الطاقة الشمسية والبنزين (أرجوك أنظر صورة إحدى البصات في نهاية المقال). بالنسبة لوسائل المواصلات المملوكة للقطاع الخاص من بصات وتكاسي وركشات يمكن خفض الضرائب بدلا من دعم البنزين لتفادي السوق الأسود وفي المستقبل يمكن خفض الضرائب على المركبات الجديدة التي تستعمل الكهرباء أو التي تستعمل الكهرباء والبنزين.

دعم غاز الطهي:
نؤيد دعم غاز الطهي لأن البدائل من الفحم والحطب أكثر ضررا للبيئة والصحة فقطع الأشجار للوقود مباشرة أو لعمل الفحم يؤدي للتصحر ومضاره كثيرة على البيئة كما أن وقود الحطب والفحم تنتج عنه غازات تضر بصحة الإنسان وبالتالي فإن استعمال الغاز أقل ضررا. ولكن للمدى الطويل يجب التفكير في زيادة إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية والهوائية ونشرها على نطاق القطر لكي تساهم في سلامة وبقاء الأرض للأجيال القادمة.

دعم السلع الاستهلاكية ام الدعم المالي لذوي الدخل المحدود؟
تصريحات السادة رئيس الوزراء ووزير المالية بأن الحكومة تنوي إلغاء الدعم على السلع الاستهلاكية واستبداله بدعم مالي لذوي الدخل المحدود تغيير يجب أن يلقى التأييد من الجميع. أولا معظم الدعم على السلع الآن لا يستفيد منه الفقراء لأن استهلاكهم للسلع المدعومة كالسكر والدقيق محدود ومعظم المستفيدين من الطبقات الوسطي والغنية. ثانيا الدعم يجعل أسعار السلع المدعومة كالسكر والبترول أقل من أسعارها في الأقطار المجاورة مما يساعد على التهريب. ثالثا تكلفة دعم السلع الاستهلاكية مستمرة في الارتفاع نتيجة لارتفاع أسعار تلك السلع مما تسبب في ارتفاع العجز في ميزانيات الكثير من الدول النامية. أي محاولة لإلغاء الدعم في معظم الأحوال تؤدي لاحتجاجات ضد الحكومة من المجموعات الأكثر استفادة من الدعم ومن أعداء الثورة وقد بدأت الحملة فقد كتب ضياء البلال مقال إدعى فيه أن السياسة الجديدة ستعطي أنيس حجار وأسامة داود 300 جنيه شهريا. بالطبع هذه كذبة واضحة فقد ذكر رئيس الوزراء ووزير المالية أن الدعم المالي سيكون قاصرا على ذوي الدخل المحدود. إن سياسة المساعدة الموجهة للفقراء وذوي الدخل المحدود أفضل من الناحية المجتمعية والاقتصادية من الدعم العام للسلع الاستهلاكية وإنها مطبقة في كثير من الدول النامية والدول الغربية. لقد طبق رئيس البرازيل السابق لولا سياسة منح الفقراء إعانة مالية إذا واظب أطفالهم على الذهاب للمدارس بانتظام وكانت سياسة ناجحة. قد يتساءل البعض كيف يمكن توصيل الدعم المالي للرحل يمكننا أن نستفيد من التجربة في عدد من الدول الأفريقية في استعمال التلفونات الجوالة لتحويل النقود للمناطق الريفية وهي ناجحة جدا (أنظر الجدول في نهاية المقال). في ورقة عن حل مشاكل العطالة خاصة وسط الشباب اقترحت إعادة بنك البريد الذي كان يخدم ذوي الدخل المحدود بفتح حسابات توفير. إذا تم ذلك يمكن أن يساعد بنك البريد في توزيع الدعم النقدي خاصة قي المدن.

خاتمة:
إن رفع الدعم من البنزين يحقق فوائد كثيرة أهمها المال الذي يخصص لمساعدة ذوي الدخل المحدود والذي يعطيهم الحرية لاختيار السلع التي تناسب احتياجاتهم كالغذاء والملابس ومصروفات المدارس والعلاج. فهم لا يملكون العربات ولا يستخدمون المواصلات بالقدر الذي يحتاجون فيه للغذاء والدواء والملبس. كما إن رفع الدعم يساعد على محاربة التهريب. بما أن المستفيد الأول هم الطبقات التي تمتلك العربات وتستهلك السكر أكثر من الفقراء فهم الذين يحتجون وبما أن لديهم المقدرة على استغلال وسائل الدعاية فلديهم المقدرة حتى لإقناع ذوي الدخل المحدود والذين سيستفيدون من الدعم المالي بأن رفع الدعم من البنزين ليس من مصلحتهم لذلك يجب على الحكومة أن تقوم بحملة توضيح مكثفة لشرح فوائد الدعم المالي ومحدودية استفادتهم من دعم البنزين. يمكن تجنيد شباب لجان المقاومة لهذه الحملة.

The Use Of Cell Phones To Transfer Money In Modern Africa
Rank    Country % of Adults Using Mobile Accounts for Financial Transactions
1       Kenya   58.4%
2       Somalia 37.1%
3       Uganda  35.1%
4       Tanzania        32.4%
5       Ivory Coast     24.3%
6       Zimbabwe        21.6%
7       Botswana        20.8%
8       Rwanda  18.1%
9       South Africa    14.4%
10      Ghana   13.0%
https://www.worldatlas.com/articles/the-use-of-cell-phones-to-transfer-money-in-modern-africa.html

محمد المعتصم احمد حسين
كلية ادارة الاعمال جامعة ولاية كنتكت الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]

‫3 تعليقات

  1. نرفعةلك القبعة تحية و اجلالا. اول شخص يتناول الامر بموضوعية و منطق علمي و احصائيات و امثلة واقعية بعيدا عن الغرض و الاجندات و الغوغائية التي تميز طرح جل من تناول الموضوع.
    ارجو ان يكون مقالك سهما في كبح جماح ضيقي الافق و دعما للحكومة في تنفيذ سياساتها دون تردد او خوف من احد.

  2. 70% من الشعب لا يستطعون الحصول علي الخبر في مدن العاصمة والولايات . والدقيق المدعوم اغلبه يتم التلاعب به بين الوكلاء(البيع بالسوق الموازي) واصحاب المخابز(تهريب الخبز لاصحاب المطاعم والكفتيريات باضعاف السعر المدعوم). و اغلب اصحاب الحافلات يتاجرون بالوقود بعد التزود من محطات الوقود مستفيدون من فرق السوق افضل بنسبة لهم من نقل الركاب باضعاف!!! و كل اهل القري في انحاء السودان ليس لهم علاقة بالوقود ولا بالخبز!!! و الناس يقفون في المخابز 4 الي 5 ساعات يأتون دون خبر بعد ادعاء اصحاب المخابز بنفاذ كمية الدقيق المدعوم. والناس يقفون أيام في محطات الوقود دون حصول علي جالون واحد لان اصحاب المحطات عندما يحين وصول الوقود يتصلون باصحاب مركبات الذين يتعاملون معهم بنظام العمولة فيأتون مبكرا ويحجزون الصفوف الامامية فيحصلون علي الوقود أما الباقون فلا يحصل عليه الا من رحمهم الله . الفرق الكبير بين السوق الموازي والبنوك يغري تجار العملة بالتلاعب و في نفس الوقت يجبر المغتربين يحولون اموالهم عبر قنوات غير رسمية. بعد كل هذه الممارسات السالبة الذي سببها دعم السلع لا اري سبب واحد يجعل قوي الحرية و التغيير يتمسك بعدم رفع اللدعم . هنالك احتمال واحد لتمسكهم به هو جعله شماعة يعلقون عليها الانهيار الاقتصادي

  3. السودان ليس امريكا لضرب المثل واذا افترضنا المقارنة مع امريكا طيب ي حبيب ليه ما تقارن الرواتب اقل راتب الف دولار هل تستطيع الحكومة منح راتب يوازي راتب امريكا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..