قاموس الرياضيين.. المفردات تغرد خارج السرب

الخرطوم: عبد الوهاب جمعة
منذ أن ابتكرت الألعاب الرياضية بهدف تعزيز التنافس الشريف بين مختلف الفرق الرياضية، لم تخرج الالعاب عن اطار قيم الإخاء والروح الرياضية بين المتنافسين، ولم تشذ ساحرة الالعاب واللعبة الشعبية الاولى في العالم عن تلك القواعد الرياضية، بيد أنه في الفترة الأخيرة باتت «المستديرة» تنحو نحو الخشونة والشطط في الرأي، واستعار معلقو الرياضة ومشجعو الفرق أسوأ ما في عبارات الحروب لوصف منافسيهم، وتوجهوا الى دنيا الحياة البرية مستخدمين عبارات الافتراس لاستئصال شأفة الآخرين.. «الصحافة» وقفت على تخوم معارك الرياضيين المتوثبين لافتراس شركائهم في لعبة كرة القدم.
قامت كرة القدم على قواعد ومبادئ التنافس الشريف واعلاء اخلاقيات الروح الرياضية التي تتقبل النصر والهزيمة بكل سهولة، وكانت معنية بتعزيز سبل التواصل بين الرياضيين وزيادة تناسق الاجساد واكتمال الاخلاق، على أن التحول الكبير في كرة القدم حدث عندما باتت لكرة القدم اقتصاديات تقوم بتعظيم الارباح دون النظر الى معاني قيم الرياضة الحميدة، وعززت حقوق البث والمشاهدة والاعلانات التجارية غلبة روح الحرب بين متنافسي الرياضة، وسرعان ما تلقف مشجعو الفرق القفاز من المراسلين الحربيين، ولم تعد للتنافس الرياضي قيمه، وصار كل المشجعين ينعتون أنديتهم بوصف القلعة، فتسمع معلقاً يذكر القلعة الحمراء او الزرقاء، وفي ذلك بداية الحرب، اذ يتخندق كل معلق ومشجع وراء أسوار قلعته منتظراً لحظة الانقضاض على الاعداء، بينما البعض الآخر يحلو له وصف فريق ناديه بـ «الكتيبة» حشداً لها لسحق المنافسين، أو أن يصف رئيس ناديه بأنه «الكيماوي» في إشارة إلى قدرته على إبادة الخصوم بكل السبل بما فيها الأسلحة الجرثومية والكيميائية المحظورة عالمياً، وينقل البعض مسرح الحرب من البر الى البحر والجو ، فقد حول بعض المعلقين فريق هلال الساحل الى بحارة مارينز يواجهون ترسانة فريق الاهلي الذي يطلقون عليه الآرسنال، وطفق بعض المعلقين الصحافيين يستخدمون صفات الحرب وتكتيكاتها في معرض حديثهم عن مباريات الاندية، وتجد البعض يكتب في خطوط ومانشيتات اخبار الرياضة «المريخ في كامل جاهزيته لمنازلة الخرطوم الوطني بقلعته الحمراء»، ويبرز عنوان آخر «الحضري وساكواها يقودان الكتيبة الحمراء والجهاز الفني يطالب اللاعبين بالنصر ولجنة التعبئة تناشد» أو أن يكون المانشيت «الهلال أكمل جاهزيته للقاء»، و «البرير يجدد الثقة في الكتيبة الزرقاء»، والبعض يحلو له ان يكتب «أنصار النادي يعلنون التصدي للمندسين وأصحاب الأجندة».
والبعض الآخر من كتاب الاعمدة الصحفية الرياضية عندما استنفدوا قوى البشر توجهوا الى العالم السفلي .. حيث الجن والجان والمردة والشياطين، والبعض يحلو له وصف فريقه بالشياطين الحمر او الزرق، والبعض الآخر بات ينعت الفرق المنافسة لفريقه بأنها أسود الجبال كناية عن هلال كادوقلي او الذئاب ويقصدون بذلك الرابطة كوستي، أو أن الفريق الفلاني يغرق تماسيح النيل في إشارة الى هزيمة فريق النيل الحصاحيصا.
ويتلقف الجمهور المتعطش الى النصر تلك الرسائل المبطنة بالعنف ويزداد هيجانه، وينظر الى جمهور المنافسين على أنهم الاعداء، ويصفون أنفسهم وفريقهم بانهم الاخيار المصطفون، ويزداد تدفق هرمون الأدرنالين في عروق المشجعين عند لحظات التشجيع الأعمى، وستكون الكارثة ذات يوم فادحة الثمن. وفي الحقيقة هي حروب أولها كلام يقضي على نسيج المجتمع في لحظة جنون كروي.

الصحافة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..