أروما” ذاع صيتها ..و كانت عاصمة الإقليم الشرقي ..أصبحت الآن كمدينة للأشباح

أروما ? آدم محمد أحمد
في أضابير التاريخ، تقول سيرة الميدان إنه شهد معركة حامية بين المحتل وفرسان المنطقة انتهت بهزيمة نكراء لقوات كتشنر باشا، كان الاصطفاف حينها للدفاع عن السيادة. لكن في مفتتح هذا الأسبوع اصطف أبناء المنطقة ومواطنوها لهزيمة عدو من نوع آخر، يتخذ من ثالوث “الجهل، المرض والفقر” ركائز يقف عندها، عبر برنامج أطلقه والي كسلا آدم جماع لتنمية المحليات الشمالية في الولاية “أروما، همشكوريب، تلكوك ووقر”، تحت شعار “مياه، تعليم، صحة ومعاش”. حالة الناس هناك توحي بأن البشرية في عصورها البعيدة، أروما على سبيل المثال كمدينة ذاع صيتها في عصر ما وكانت عاصمة الإقليم الشرقي أصبحت الآن كمدينة للأشباح، لا شيء يوحي بوجود حياة دائمة، يتخيل للزوار أن الذين يقيمون هناك مجرد ضيوف يعودون إلى مناطقهم.
في تفسير لهذه الحالة يقول موسى الطاهر وزير الشؤون الاجتماعية بالولاية إن المحليات الشمالية كانت تعتمد على مشروع القاش لكونه يمثل عمودها الاقتصادي الفقري لكن تدهور المشروع انعكس على تماسك المنطقة، وتلى ذلك أن المنطقة دخلت في موجة جفاف ضربها بقوة أثر في ما تبقى من نسيجها الاجتماعي، فضلا عن ذلك مثلت تلك المحليات قبل توقيع اتفاقية الشرق مقرا للتمرد ضد الحكومة، وعندما تعافت المناطق من الحرب وأقبل الناس هناك على التعليم بحثا عن الحياة، ظهرت الكثير من الإشكاليات تمثلت في التعليم والصحة.
فيلم قصير عرضته حكومة الولاية في مفتتح المؤتمر كشف عن إغلاق حوالي 12 مدرسة في محليتي همشكوريب وتلكوك لنقص المعلمين، يقول موسى طاهر إن المشكلة تكمن في أن صعوبة المنطقة وقساوتها لا تحفز المعلمين على العمل هناك، سيما وأن الذين جاءوا من قبل كانوا خريجين تم توزيعهم على مستوى المحليات لكنهم عادوا لضعف الخدمات المعيشية وصعوبتها، ويضيف موسى: “لا تستطيع معلمة امرأة نشأت في الخرطوم وترعرعت هناك أن تعمل في مناطق يشرب أهلها بالجركانة”، ينوه موسى إلى أن مشكلة التعليم لا يمكن حلها إلا بتوظيف أبناء المنطقة وتأهيلهم وتوزيعهم في مناطقهم.
الأمر بالنسبة للوالي جماع لا حلول له إلا بإحياء التعليم، الذي تقوم عليه كل ضروب الحياة، يقول الوالي إنه لابد من إعادة البنية التحتية وإعادة نظام الداخليات من الأساس إلى الثانوي.. غير أن الواقع يقول إن التعليم لا يمكنه أن يقوم في ظل بيئة تفتقد إلى كل شيء، يقول الناس هناك إنهم لا يجدون المياه لفترات تصل في بعض الأحيان إلى أيام وأسابيع، فضلا عن أن خدمات الصحة متدهورة غاية التدهور، يرى الوالي أن فقدان المياه ينذر بهجرة إنسان المنطقة إلى المدن الكبيرة.
كذا الأمر بالنسبة لفيصل حسن إبراهيم وزير الحكم المركزي الذي يرى ضرورة أن يدفع الآباء بأبنائهم إلى المدارس والتعليم ولا رجعة من ذلك، وأضاف: “نريد بنهاية دورتنا الحالية أن يجد كل طالب في سن المدرسة حظه من التعليم”، وينوه فيصل إلى أن حل مشكلة الغذاء يكون عبر زراعة الأرض، ويقول فيصل مخاطبا الجموع: “لا تنظروا إلى العمارات الفارهة فالغنى في الأرض هذه”.
الحديث داخل الورشة والتعليق على الأوراق التي عرضت كان قويا وأخرج البعض هواء ساخنا تعبيرا عن حالة الناس، قال بعضهم إن مشروع القاش يجب أن يعود إلى حضن الحكومة الاتحادية رعاية وتمويلا. السكة حديد ظلت جاثمة ولم يعد القطار يداعبها بعجلاته، المنازل القديمة اهترأت سقوفها، وأصبحت آيلة للسقوط، رياح تحمل حبيبات الغبار الناعمة، تضرب الناس بلا رحمة، الصحراء تمتد في الفراغ، الطريق الإسفلتي الذي أنشئ منذ وقت بعيد لم يعد له وجود، واللوري لا زال هو وسيلة النقل.

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..