أخبار السودان

مُبادرة “الهيبك”.. الفرص الضائعة

تطبيق السودان لـ95% من روشة الصندوق زادت من صعوبات الوضع المعيشي والاقتصادي

الناير: المجتمع الدولي لم يتجاوب مع السودان حتى خلال الفترة الانتقالية

لهذه الأسباب اهتزت صورة الاقتصاد السوداني؟

واقع جديد بعد الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي

الخرطوم: سارة إبراهيم عباس

مبادرة هيبيك

في عام 1996 قام البنك وصندوق النقد الدوليين بإطلاق مبادرة “الهيبك” لوضع إطار يسمح لكل الدائنين، بما فيهم الدائنين متعددي الأطراف، بتقديم مساعدات تخفيف أعباء الديون لأفقر بلدان العالم وأكثرها مديونية لضمان استدامة قدرتها على تحمُّل الدَّين، مما يقلص القيود على النمو الاقتصادي وعلى جهود الحد من الفقر التي تفرضها أعباء خدمة الديون التي يتعذّر على تلك البلدان الاستمرار في تحمُّلها. وحتى يومنا هذا، تمكّن 38 بلداً مستوفياً لشروط مبادرة “الهيبك”، بما فيها السودان، من الوصول إلى “نقطة اتخاذ القرار”، وبلغ منها 36 بلداً “نقطة الإنجاز”.

الهدف من المبادرة

يتمثل الهدف من “المبادرة  في زيادة تخفيض ديون البلدان مُنخفضة الدخل المُؤهّلة وتزويدها بموارد إضافية لمساعدتها في تحقيق أهدافها الإنمائية. وبموجب المبادرة متعددة الأطراف لتخفيف أعباء الديون، تقوم ثلاث مؤسسات متعددة الأطراف، هي المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك وصندوق النقد الدوليين، وصندوق التنمية الأفريقي، بتقديم تخفيف أعباء الديون بنسبة 100% على الديون المستوفية للشروط للبلدان المؤهلة، لدى بلوغها نقطة الإنجاز في ظل مبادرة “هيبك.”

شروط الانضمام

– بالرغم من أن السودان لبّى شروط الانضمام لمبادرة صندوق النقد الدولي وتوصل لخطة تمويل تخفيف ديون السودان لصالحه واستعادة سير العمليات المالية الدولية والتحويلات النقدية العَابرة للحُدود وبدأت مُوافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، على قرار انضمام السودان إلى مُبادرة الدول الفقيرة المُثقلة بالديون، كضوء في نهاية نفق طويل أعاق مسيرة الاقتصاد السوداني نحو الاستقرار والتنمية.

تراجع الديون

وطوال السنوات الماضية، وُضع السودان تحت ضغط الديون الخارجية التي تجاوزت قيمتها 60 مليار دولار، وكشفت الحكومة الفترة الانتقالية قبل 25 أكتوبر الماضي أن الديون تراجعت إلى نحو 50 ملياراً.

وفي المقابل، أعلن المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي أن اجتماعه الأخير جاء لصالح السودان، ووصل إلى نقطة القرار في ضم الخرطوم إلى مُبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون “الهيبك” وجاء في بيانه تقديم تسهيل ائتماني ممتد للسودان بقيمة 2.5 مليار دولار ومدته 39 شهراً تقدم في هيئة مِنَح وقُروض منخفضة الفائدة.

مبادرة “الهيبك”، عبارة عن اتفاق بين جهات الإقراض الدولية الرئيسية أطلق عام 1996، ينص على منح فرصة بداية جديدة للبلدان التي تُكافح لتجد مخرجاً، من خلاله تستطيع أن تخفض أعباء ديونها التي تثقل كاهلها.

واقع جديد

التطورات السياسية التي شهدتها البلاد بعد الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، فرضت علينا واقعاً جديداً خاصّةً فيما يخص تعهُّدات الدائنين، ولاح مجدداً شبح تعثر الديون الخارجية بعد أن اخلفت الجهات الدائنة بعدم الإيفاء بوعودها التي التزمت بها وهذه الأحداث يمكن أن تعيد البلاد إلى المربع الأول بعد تصريح الخارجية الأمريكية الذي أكدت فيه أن عدم استعادة الحكم المدني سيزيد العزلة عن المجتمع الدولي، وكان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس قد تحدّث عن تعليق تمويل بمقدار 700 مليون دولار وأكثر من 4 مليارات دولار من المُساعدات من شركاء ومنظمات تمويل وعلى الأقل 19 ملياراً من إعفاءات ديون للسودان في خطر.

صورة اقتصاد البلاد

وفي سياق متصل، المتابع للشأن الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي قال اهتزت صورة الاقتصاد السوداني على نحو لم يكن متوقعاً، خاصّةً مع توقف الحكومة الانتقالية عن سداد ديون معينة مما قد يجلب عليها صورة سلبية في التصنيف الائتماني على مستويات يصعب تحويرها أو التلاعب الإعلامي بدلالات أحكامها التصنيفية، ولفت الى مساهمة البنك الدولي بمساعدات للسودان بنحو 3 مليارات دولار لدعم الزراعة والنقل والرعاية الصحية والتعليم، وأشياء أخرى، للاستفادة من مبادرة الدول الفقيرة الأكثر استدانة على السودان أن يعمل على تصفية ما تراكم علينا من ديون لدى المؤسسات المُتعدِّدة الطرف (صندوق النقد والبنك الدوليين والبنك الأفريقي للتنمية) وتنفيذ إصلاحات اقتصادية تظهر جدية السلطات وحزمها في تنفيذ تلك الإصلاحات.

حالة من الضبابية

وواصل د. فتحي حديثه لـ(الصيحة) قائلاً: الآن حالة من الضبابية تسود موقف ديون السودان، والمُساعدات الأجنبية، بعد الأحداث في 25 أكتوبر، خاصة وان السودان كان موعودا بـ150 مليون دولار لدعم الإيرادات الحكومية والمرتبات من صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى 500 مليون دولار لدعم الخزينة، كما أن هناك برنامجا بمساعدات تنموية (بقيمة) 2 مليار دولار مع البنك الدولي، لكن حتى الآن لم يعرف مصيرها، في تقديري لن تصرف حتى يتم حل الأزمة السياسية في البلاد.

تنفيذ الاشتراطات

وفي ذات السياق، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة المغتربين الخبير د. محمد الناير ان المجتمع الدولي لم يتجاوب مع السودان حتى خلال الفترة الانتقالية، واذا كان هناك تجاوب كان الوضع اختلف عما هو عليه الآن. فحكومة الفترة الانتقالية نفّذت له كل الاشتراطات، بجانب تطبيق روشتة صندوق النقد الدولي بنسبة تفوق ٩٥%، مما ألقى بظلاله على المشهد الاقتصادي وزاد من صعوبات الوضع المعيشي للمواطنين، والمؤشرات الاقتصادية تُؤكِّد ذلك بوصول التضخم إلى 400% ومعدل بطالة فاقت 40% ومستويات الفقر ما بين 60 إلى 80%، كل ذلك مؤشرات سالبة والمجتمع الدولي لو وفق بجانب الحكومة في الفترة الانتقالية حتى ما قبل 25 أكتوبر لكان الوضع أفضل مما هو عليه الآن.

قضية الديون

وواصل الناير حديثه لـ(الصيحة) قائلاً: إن قضية الديون هي إجراءات ولم يصل المجتمع الدولي لإعفائها، ولكن كانت خطوات يأخذها ببطء، فالمعروف أن اي دولة طبّقت روشتة صندوق النقد الدولي استلمت مقابلاً من القروض والمِنح التي تجعل الشرائح الضعيفة والفقيرة تستطيع مواجهة التحديات وهذا لم يحدث في الواقع السوداني، ولم ينل غير الوعود!! و8 مؤتمرات عُقدت لدعم السودان وحصادها لم يكن بالقدر المطلوب، ولم يرتق لحجم الالتزامات التي التزموا بها داخل المؤتمرات، وشدد الناير على ضرورة أن يراجع المجتمع الدولي حساباته تجاه الملف السودان ربما تحل الإشكالات وتشكل حكومة كفاءات، وبعد عام ونصف يتم تشكيل حكومة مُنتخبة، وقال إنّ المجتمع الدولي جزءٌ من الأزمة السودانية الحالية، لأنه لن يلتزم بتعهداته تجاه الاقتصاد السوداني. ومعلومٌ التعقيدات التي يُعاني منها وتحدياته، فضلاً عن السياسات الخاصّة بصندوق النقد الدولي والتي أدّت إلى تفاقم  هذه المشكلة.

وضع العراقيل

وقال الناير، إنّ الفرصة لم تكن ضائعة أو تضيع بعد، هي مازالت موجودة والسودان يستحق اعفاء ديونه وفقاً لمبادرة “الهيبك”، ولكن حتى الآن ظل المجتمع الدولي يضع العراقيل وعندما تم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب كان بثمن كبير جداً، دفعه الشعب السوداني، بسبب أن الحكومة قامت بتوفير المبالغ الخاصة بالتعويض بالنسبة للمدمرة كول أو السفارتين من أموال الشعب، وكانت خصماً على سعر الصرف والذي تراجع بسببه قيمة العُملة الوطنية بصورة كبيرة، مُنادياً بضرورة أن يُعيد المُجتمع الدولي حساباته ويعيد معاملاته مع الحكومة السودانية، ويكون أكثر جديةً في التزاماته التي وعد بها، ومن المُمكن أن يعود المجتمع الدولي اذا حدث استقرار أمني وتوافق سياسي في البلاد، وكل ذلك يُترجم اذا تم اختيار رئيس وزراء وحكومة كفاءات مستقلة ليست لديها أي انتماء.

الصيحة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..