العلمانية ( 2 – 3 )

ثانيا :الاسس الفلسفيه للعلمانيه
كماقلنا فى منشورنا السابق ان حصرالعلمانيه فى المجال السياسى فقط دون المعروفى لايؤدى الى توضيح جوهرالعلمانيه اومفهوم العلمانيه بشكل شامل ،الموقف العلمانى السياسى هوموقف فى النظريه السياسيه فقط(العلمانيه الليينه اوالهشه)كما يسميها عادل ضاهر عكس ( العلمانيه الصلبه) الذى يشمل الموقف من طبيعة الانسان واالعقل والحقيقه والاخلاق والدين ،ولذالك نجد معظم الذين يؤيدون العلمانيه يرفضون مزج السياسى بالدينى ولايفعلون ذالك مع العلم والاخلاق والحقيقه .
ورأينا فى مساحه سابقه كيف ان الثوره الفرنسيه (ثوره علمانيه سياسيه) جاءت بعد تحولات كبرى فى المفاهيم وطريقة التفكير.
وفى بحثناالاسس الفلسفيه للعلمانيه لانقلل من اهمية العلمنه السياسيه وطبيعة الدوله والمؤسسات وانما نبحث عن الاساس النظرى للذالك العلمنه والرؤيه الكليه للعالم .
التعريف والمفهوم:-
هنالك بعض المفكرين الذين حالوا تعريف العلمانيه تعريفا فلسفيا ونحن بدورنا نحاول ان نأخذ ثلاثه تعريفات تساعدنا فى التعرف على مفهوم العلمانيه ،والثلاثه تعريفات هى متكامله لاضاءة المفهوم . نبدأ بتعريف محمداركون (هوموقف العقل الحر امام مشكلة المعرفه ) اما عادل ضاهر فعرفها( الاستقلال المعرفى للعقل الانسانى) اما مراد وهبه فقال انها(التفكيرفى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق ) .
من خلال التعريفات الثلاثه نستطيع ان نقول بأن العلمانيه هوالموقف المتماسك من طبيعة الانسان والعقل والحقيقه والدين .ماذا يعنى ذالك فالنبدأ بالموقف العلمانى تجاه الانسان ،يقررالموقف العلمانى من أن الانسان فى طبيعته حر وفاعل وبالتالى صانع لقيمه ومعتقداته ومؤسساته وافكاره ،الانسان هو الذى يضفى معنى على الحياة وعلى العالم ،هو الذى يثيرالاسئله الوجوديه مثل من اين اتيت والى اين اذهب؟ وماهوالكلى المطلق وعلاقته به؟ ،والمفارقه ان الانسان هو الذى يجيب على هذه الاسئلة دون غيره هذا مايؤكده كل الدراسات العلميه والفلسفيه المتعلقه بالانسان ،هذا الموقف يجعل الانسان مركز الكون بمعنى انه لا معنى للحياة والعالم بدون الانسان،وبذالك هو مهم فى هذا العالم .
اما الموقف الغير علمانى يعتبر الانسان عاجز
على ان يصنع افعاله ومعارفه وقيمه ،وهوبذلك يحتاج الى معين اعلى منه ومفارق له ،وبذالك يعتبرالانسان ثانوى ووجوده من اجل شئ /كائن اسمى منه وعليه الخضوع والطاعه ،مجرد عبدليس الا ،والانسان بذالك غير مهم وغير اساسى مجرد(كمبارس) .(وماخلقت الجن والانس الاليعبدون). نستطيع ان نقول ان الموقف العلمانى يعتبر الانسان حر وفاعل وليس مفعول به والانسان اساسى ومهم ويرفض اي اكراه وسلطة تكبل الانسان .
الموقف من طبيعة العقل: بماان الانسان حروصانع افعاله فأن العقل الانسانى يجب وبالضروره ان يكون حرا كملكه للتفكير وان يمارس دوره بحريه فى انتاج المعرفه والنقدوالتساؤل والفحص ،وبذالك يكون (لاسلطان على العقل الاالعقل ) كماقال بها فلاسفة التنوير فله اولوية على النقل وعلى اى نص ،لان كل النصوص سواء كانت علميه اودينيه اواسطوريه هى من نتاج العقل .
على العكس من ذالك الموقف غيرالعلمانى الذى يقيد العقل بمسلمات هى ذاتها من نتاج العقل .
الموقف من الحقيقه: الموقف العلمانى ينطلق من نقطه مفادها بان الحقيقه نسبيه وليست مطلقه ،وبما ان الحقيقه ناتجه من الانسان ولايوجد حقيقه خارج الانسان ،فالانسان محكوم بالظروف المكانيه والزمانيه محكوم بالتاريخ والمجتمع ،ولذلك لايوجدحقيقه قاره ثابتة عابره للزمان والمكان (صالحه لكل زمان ومكان ) ،فالحقيقه فى طبيعتها متغيره ومتعدده فلايوجد حقيقه فى مكان وزمان واحد بل هنالك حقائق حسب الظروف والمعطيات .
الموقف من الدين :حسب الموقف العلماني الدين ظاهره انسانيه ،بمعنى انها من الانسان والى الانسان ،ظاهره انسانيه بمعنى انها مثلها ومثل الظواهر الانسانيه الاخرى (العلم -الدوله-السياسه-الاقتصاد……الخ)، فالدين ساعد الانسان فى فترة ما فى تشكل تصورات و رؤى عن العالم ،ويمكن ان يكون عامل للسيطرة والتحكم على الانسان كما هواليوم فى العالم الاسلامى والسودان.
ببساطة ينطلق الموقف العلمانى من ان الدين يجب ان يخضع لسيطرة الانسان وليس العكس .
باختصار يمكن ان نقول العلمانيه يعطى الاولويه للانسان وللعقل ويساعد الانسان على التحررمن كل الاكراهات (الدينيه -السياسيه-الاجتماعيه…….).
السؤال الذى يمكن طرحه الآن ماهو علاقة مفهوم العلمانيه الذى طرحناه بالواقع السودانى والاسلامى اليوم ؟ وهل يمكن لمفهوم العلمانيه ان تساعدنا على النهضه الوطنيه والحضاريه ؟ الاجابه بكل تاكيد نعم ، فاذا كان العالم الاوربى والغربى اليوم يطرح مفهوم ما بعد العلمانيه للحد من سيطرة التكنولوجيا والعلم التجريبى على كل مناحى الحياة ،واعادة الاعتبارللروح على حساب الماده ،فإن واقعنا اليوم فى اشد الحوجه الى العلمانيه للحد من سيطرة الدين على كل مجالات الحياة . واقعنا اليوم شبيه اشدالشبه بواقع اروبا فى القرون الوسطى ،حيث الوجود كله يتجلى دينيا حسب التعبير الهيدغرى فالدين اصبح كل شئ عندنا ولاشئ غير الدين .
فجماعات الاسلام السياسى مثلا يطالبون بالدوله الاسلاميه ،رغم أن مفاهيم الدوله تطورت بمراحل عن مفاهيم الدوله الاسلاميه (والتى ينتمى الى القرن السابع الميلادى) ولايتوافق بالضروره مع حقوق الانسان وحرية المرأه والمواطنه…..الخ، ويمكن ان نفصل ذالك اكثر فى مساحه لاحقه .
وهنالك فى وقعنا اليوم من يطالب باسلمت العلوم وان كل العلوم (الحديثه والقديمه والمتستقبليه ) موجوده فى القرآن وكل النظريات المكتشفه من الذره الى الثقب السوداء من الجاذبيه الى النسبيه والكوانتم مرورا بنظرية التطور …. الخ موجوده فى القرآن ،هذا هو الهوس والوهم الدينى بعينه ، اشك فى انهم يعرفون القرآن والنظريات العلميه الحديثه . القرآن كتاب تشكل فى القرن السابع وفى مكه والمدينه يحوى على معارف زمانه وهى معارف اسطوريه(خياليه) وبعضهاواقعيه ،وكثير من المفاهيم والرؤى القرآنيه يتعارض مع النظريات الحديثه مثلا القرآن يقول فى آيه (حتى إذابلغ مغرب الشمس وجدها تغرب فى عين حمئه ووجدعنها قوم ) حسب النظريه الحديثه الارض تدور حول الشمس وبذالك يحدث الليل والنهار وليس للشمس مكان حمئه للغروب . وصف القرآن بأنها يحتوى على علوم ومعارف حديثه يعتبر اضحوكه كبرى .
مفهوم العلمانيه يساعدنا ايضا من الرؤيه الاخلاقيه الخاطئه لدينا وهو ان الاخلاق لايمكن أن يوجد خارج الدين وان وجد فهى اخلاق باطله وناقصه . الاخلاق كقيمه ليس له علاقه ضرويه بالدين ،فالاخلاق يوجد فى كل المجتمعات الدينيه وغير الدينيه ،وحتى الاخلاق الدينيه ليست كل واحد فالاخلاق المسيحيه ليست الاسلاميه وهى البوذيه ……). ثم ان الاخلاق يتطوربتطور المعرفه والعلم ،فلاخلاق التى يجب ان تسود اليوم حسب الموقف العلمانى هوالاخلاق المرتكزه على (الحريه والمساوآه وقبول الآخر)،ولذالك نحن اكثرالمجتمعات تدعى الاخلاق مع ان اخلاقها عفى عليها الزمن ،اخلاق لايوجد فيه حريه ولامساواه ولا من يحزنون ،لايمكن ان نسمى العبوديه اخلاق بمقايس حقوق الانسان اليوم ،ولايمكن ان نسمى ظلم المرأه وقهرها اخلاق ولاعلى زواج القاصرات وامتلاك ملكات اليمين والسراى والجواري والاماه هذه اخلاقيات القرون الوسطى .
اخيرا يمكن ان نقول واقعنا اليوم شبيه بواقع القرون الوسطى فإذا كانت الكنيسه حاربت العلماء والفلاسفه والمفكرين فى العصر الوسيط فالاستاذ محمود محمد طه استشهد بسبب فكر ه المغاير للفكر السائد والمألوف وكذالك فرج فوده قتل ،وهنالك تهديدات بقتل طال كل من (سيد القمنى وسلمان رشدى ونصر ابوزيد….) هذا هو محاكم التفتيش عينه ،وربما كان واقعنا اشد وافظع فى سيطرة الدين على عقولنا وقيمنا ، (فداعش-بوكوحرام-القاعدة-الكيزان………الخ) هم نتيجه للهيمنة الدين على كل مجالات الحياة ،فالعلمانيه واحد من المفاهيم التى يمكن ان تساعدنا من الافلات من اسرالدين .
نواصل فى منشور اخير حول العلمانيه لنوضح الدوله العلمانيه والدوله الدينيه والدوله المدنيه وقضايا الشريعه والمواطنه .
أريد أن اتناول فقط الجانب الاول من الجوانب الثلاثة التي ذكرها الكاتب و ذلك لبيان قصر الفكر العلماني الذ يمجده كاتب المقال و وضع هذا الفكر في موضعه المناسب:
أولا :يقول كاتب المقال : .ماذا يعنى ذالك فالنبدأ بالموقف العلمانى تجاه الانسان ،يقررالموقف العلمانى من أن الانسان فى طبيعته حر وفاعل وبالتالى صانع لقيمه ومعتقداته ومؤسساته وافكاره ،الانسان هو الذى يضفى معنى على الحياة وعلى العالم ،هو الذى يثيرالاسئله الوجوديه مثل من اين اتيت والى اين اذهب؟ وماهوالكلى المطلق وعلاقته به؟ ،والمفارقه ان الانسان هو الذى يجيب على هذه الاسئلة دون غيره هذا
تعليق : لم يستطع الانسان الاجابة على سؤال من أين أتينا و الى أين المسير و كل المعلومات بهذا الصدد تعتمد على الوحي الالهي , و حتى الاعتقادات الدجلية التي تنبثق من اساطير و خرافات فهي في الاصل تحريف و تشويه لحقائق سماوية .
ثانيا: يقول كاتب المقال : ما الموقف الغير علمانى يعتبر الانسان عاجز
على ان يصنع افعاله ومعارفه وقيمه ،وهوبذلك يحتاج الى معين اعلى منه ومفارق له ،وبذالك يعتبرالانسان ثانوى ووجوده من اجل شئ /كائن اسمى منه وعليه الخضوع والطاعه ،مجرد عبدليس الا ،والانسان بذالك غير مهم وغير اساسى مجرد(كمبارس) .(وماخلقت الجن والانس الاليعبدون). نستطيع ان نقول ان الموقف العلمانى يعتبر الانسان حر وفاعل وليس مفعول به والانسان اساسى ومهم ويرفض اي اكراه وسلطة تكبل الانسان .
تعليق : من الخطأ الحديث عن المواقف غير العلمانية على أساس انها موقف واحد او مجموعة واحدة فهي كثيرة و مختلفة و نحن المسلمين موقفنا هو من المواقف غير العلمانية و لكن الموقف الاسلامي يحفز الانسان و لا يجعله عاجزر قال تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) سورة الملك
و( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ ) سورة يونس عليه السلام
و هناك الكثير من الايات التي تدعو الى اعمال العقل و بسط الحجج و البراهين
و وجود الانسان من أجل الخالق عز وجل حقيقة و هي لا تتعارض مع اعمال العقل و الفكر و العضل و تنمية المهارات و الاختراعات و الابتكارات .
أما قوله تعالى ” و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون ” فان العبادة لا تعني السجود و الركوع فقط بل تعني طاعته سبحانه و تعالى و العمل بما شرع في كل جوانب الحياة .
و بالمناسبة كل الناس خاضعون للخالق في الامور اللا ارادية شاءوا أم ابوا