محكمة الاستئناف تؤيد براءة مدير البنك الزراعي وتدين شركة هارفست

أصدرت محكمة الاستئناف الخاصة بمحكمة جنايات اختلاسات المال العام القرار النهائي بشأن الاستئناف ر م م أ أ س ج 2822-2012 في محاكمة عوض عثمان محمد أحمد وآخرين في القضية الشهيرة المعروفة بزهرة عباد الشمس.
القرار النهائي بشأن الاستئناف على النحو الآتي:
1/ تأييد الإدانة وعقوبة المتهم الثالث عصمت أحمد أبشر.
2/ تأييد إدانة المتهمة الثامنة/ شركة هارفست للاستثمار المحدودة
وتعديل عقوبة الغرامة الموقعة على المدانة الثامنة «شركة هارفست للاستثمار المحدودة» إلى اتنين مليون جنيه «2مليار» وتأييد طريقة تحصيل عقوبة الغرامة.
3/ تأييد قرار البراءة للمتهمين الآخرين.
4/ شطب الاستئناف المقدم من الأستاذ حاكم الوسيلة المقدم من المتهم الثالث.
5/ شطب الاستئناف المقدم من الأستاذ/ عمر أحمد نعيم نيابة عن المتضررين.
6/ شطب الاستئناف المقدم من وزارة العدل نيابة عن الاتهام- ويخطر الأطراف.
الوطن
رحم اللة البنك الزراعي ولد عملاقا ومات قزما هذة هى الا نقاذ
ملحوظة : القرار جزء من الحكم ق . أ . ج المادة 167
وجدت المحكمة :-
المتهم الأول عوض عثمان محمد أحمد
غير مذنب تحت المادة 177- 2 من القانون الجنائي 1991 والمادة 29 ? 1 من قانون الإجراءات المالية والمحاسبية 2007
المتهم الثاني جمال عبدالله عبيد سالم
غير مذنب تحت المادة 89 من القانون الجنائي 1991
المتهم الثالث عصمت أحمد أبشر محمد عثمان
مذنبا تحت المادة 92 من القانون الجنائي 1991
المتهمة الرابعة شركة أقروتلج في شخص مديرها العام عبدالله البشير عبدالله النور.
غير مذنبة تحت المادة 6 ~ د مقرؤة مع المادة 15 من قانون الثراء الحرام والمشبوه 1989
المتهم الخامس أعمال اقرونيد في شخص مالكه محمد الحسن عثمان إبراهيم
غير مذنب تحت المادة 6 ~ د مقرؤة مع المادة 15 من قانون الثراء الحرام والمشبوه 1989
المتهم السادس محمد حسب الرسول علي حسين
غير مذنب تحت المادة 89 من القانون الجنائي 1991 والمادة 29 من قانون التقاوى 1990
المتهم السابع ابوبكر ابراهيم شطة حسب الله
غير مذنب تحت المادة 6 ~ د مقرؤة مع المادة 15 من قانون الثراء الحرام والمشبوه 1989
المتهم الثامن شركة هارفست للإستثمار المحدود في شخص مديرها العام عبد الله أحمد عبدالله محمد
غير مذنب تحت المادة 6 ~ د مقرؤة مع المادة 15 من قانون الثراء الحرام والمشبوه 1989
مذنبة تحت المادة 31-أ من قانون المواصفات والمقاييس والمادة 29 من قانون التقاوى 1990
المتهم التاسع محمد إبراهيم محمد إبراهيم
غير مذنب تحت المادة 6 ~ د مقرؤة مع المادة 15 من قانون الثراء الحرام والمشبوه 1989
أبوبكر سليمان الشيخ
قاضي المحكمة العامة
…………………………
أسباب القرار :-
الوقائع الثابتة في هذه الدعوى الجنائية أنّ وزير العدل أصدر قراره بالرقم 30 -2011 وذلك بناء علي تقرير لجنة التحقيق المُحال من المجلس الوطني حول تقاوى زهرة الشمس حيث منح الوزير اللجنة سلطات النيابة العامة ، وعلي ضوء ذلك فُتِحت الدعوى الجنائية بتاريخ17 ? 8 – 2011 في مواجهة المتهمين .
قبل أنْ تمضي المحكمة في حيثايات قرارها حريٌ بها أن تفصل في مسألة إجرائية أثارها الدفاع في مرافعته وهي متعلقةٌ بصحة إجراءات فتح الدعوى حيث يتكئ الدفاع علي أنّ الدعوى تخلو من شاكي كما أنّه لم يتم التقيد بما جاء في قانون الثراء الحرام والمشبوه 1989، تقرر المحكمة وبالنظر الفاحص في قرار وزير العدل ( مستند إتهام 1 ) نجده منح لجنة التحقيق سلطات النيابة العامة الخاصة بنيابة الأموال العامة والثراء الحرام وعلي ضوء ذلك فُتِحت الدعوى الجنائية وتأسست ، هذا ولمّا كانت الدعوى متعلقة بحق عام فإنّ اللجنة تمثل هذا الحق دون حاجة لشاكي أو مبلغ ، حيث تنص المادة 33 من قانون الإجراءات الجنائية 1991 علي الآتي :-
(تُفتح الدعوى الجنائية بناءً على علم لدى شرطة الجنايات العامة أو وكيل النيابة أو بناءً على ما يرفع إلى أيهما من بلاغ أو شكوى ). فمجرد علم وكيل النيابة بالجريمة سببٌ كافٍ لفتح الدعوى الجنائية ، كما لم يتبين للمحكمة وجه المخالفة التي يدعيها الدفاع في مخالفة قانون الثراء الحرام والمشبوه ،ومن ثمّ فإنّنا نري أنّ حُجة الدفاع تقفُ بلا ساق وتتكئ بلا عصا عليه نؤكدُ سلامةَ إجراءات فتح الدعوى التي نظرتها المحكمةٌ .
للدعوى الجنائية التي بين أيدينا محوران ، المحور الأول هو العطاء الذي طرحه البنك الزراعي السوداني علي مُوردين أكفاء لتوريد تقاوى زهرة شمس للموسم 2008م ? 2009 م ويتوجه الإتهام في هذا المحور للمتهم الأول بوصفه مديرا للبنك الزراعي ، والمتهم الثاني رئيس الإدارة التجارية بالبنك الزراعي ورئيس اللجنة المالية بلجنة العطاء ، والمتهم الثالث رئيس اللجنة الفنية بلجنة العطاء ، والمتهمة الرابعة ( شركة أقروتلج ) والمتهم الخامس ( أعمال اقرونيد )وهما من رسي عليهما العطاء ، والمتهم السادس مدير إدارة التقاوى عضو اللجنة الفنية للعطاء ، والمتهم السابع والتاسع .
أما المحور الثاني لقضية الإتهام فهو التعاقد الذي تم بين البنك الزراعي وشركة هارفست للإستثمار المحدودة بشأن شراء تقاوى زهرة شمس للموسم الزراعي 2009 ? 2010 ويتوجه الإتهام في هذا المحور للمتهم الأول والمتهم السابع والمتهمة الثامنة ،ستناقش المحكمة كل محور علي حدة للوصول لقرارها في هذه الدعوى .
مناقشة المحور الأول للإتهام :- ( عطاء العام 2008 ? 2009 ):-
الوقائع الثابتة في هذا المحور تتمثل في أنّه بتاريخ 6 يناير 2008 طرح البنك الزراعي عطاء زهرة الشمس للعام 2008 ? 2009 لتوريد 1500 طن تقاوى زهرة في الصحف المحلية ( مستند أتهام 2 ) وكان وذلك بناء علي طلب تقدم به وزير الدولة بوزارة الزاراعة لوزير المالية الذي أحال الطلب بدوره للبنك الزراعي للتنفيذ .
طلب البنك الزراعي ممثلا في الإدارة التجارية من إدارة التقاوى تحديد مواصفة تقاوى زهرة الشمس محل العطاء فأرسلت إدارة التقاوى ممثلة في مديرها المتهم السادس خطاباً حددت فيه المواصفة بأن تكون نسبة الإنبات للتقاوى محل العطاء هي 90 % من صنفي ( بانار وHYsn.) ( مستند اتهام 19 ) حيث ثبت للمحكمة أنّ الصنفين (بانار HYsn .) هما مسجلان لدي إدارة التقاوى مع أصناف أخري لزهرة الشمس وهي من الأصناف المرغوب زراعتها في السودان . أعدت الإدارة التجارية بالبنك الزراعي كراسة العطاء – مستند إتهام 3 ? التي ضمت المواصفة التي إقترحتها إدارة التقاوي رغم أنّ الحد الأدني المسموح به لإنبات زهرة الشمس وفقا للوائح إدارة التقاوى هو 80 % ،كما تأكد للمحكمة أنّ شركة بانار بجنوب افريقيا وشركة باسفيك سيدس باستراليا هما الشركتان المنتجتان لهذين الصنفين في العالم ولا توجد شركةً أخري سواهما تنتج الصنفين .
شكّل البنك الزراعي لجنة للعطاء مكونة من لجنة مالية وأخرى فنية حسبما هو متبع في تشكيل لجان العطاءات ، فكانت عضوية اللجان تمثيلاً لجهات مختصة وليس علي أساس شخصي ،تشكلت اللجنة المالية من الإدارة التجارية والمستشار القانوني والإدارة المالية وقسم المشتريات والأمن الاقتصادي أما اللجنة الفنية فقد تشكلت من قطاع التمويل وإدارة التقاوى وقسم التسويق ، أعدت أي لجنة تقريراً علي حدة ليُشكّل التقريران من بعد تقرير لجنة العطاء الذي هو عبارة عن توصية تُرفع للمدير العام للبنك الزراعي للموافقة .
من واقع تقرير لجنة العطاء ( مستند إتهام 6 ) يتضح جليا أنّ سبعَ شركات قامت بسحب كراسة العطاء الاّ أنّ ثلاث منها فقط هي من تقدم فعلياً في العطاء والشركات هي :-
شركة الفلاح،
شركة اقروتلج ( المتهمة الرابعة ) ،
وأعمال اقرونيد ( المتهم الخامس ).
إستوفت شركة اقروتلج وأعمال اقرونيد مطلوبات العطاء من حيث خطاب الضمان و الدمغة القانونية وشهادة خلو الطرف من الضرائب والزكاة وشهادة التأسيس و شهادة حجز لكميات التقاوى التي تقدمت بها في العطاء من شركتي بانار وباسفيك سيدس ، الاّ أنّ العرض المقدم من المتهمة الرابعة والخامس بشأن نسبة الإنبات كان 85 % وهي إنْ كانت أعلي من الحد الأدني المسموح به الذي هو 80 % وفقا للائحة التقاوى الاّ انّها أدني مما جاء في كراسة العطاء وهي ( 90 %) ( انظر مستند اتهام 6 ).
بتاريخ 4- 2 ? 2008 فُتح العطاء فأوصت لجنة العطاء بأن يتم التعاقد مع شركة أقروتلج علي 750 طن من الصنف ( HYsun .) ، و مع أعمال اقرونيد علي 750 طن من الصنف (بانار)،كما أوصت لجنة العطاء بمخاطبة الشركة العربية للإستثمار بالبحرين للحصول علي تمويل بتكلفة 3 % لمدة عام وفي حالة الموافقة يتم قبول أسعار العروض بالتسليم الفوري CFR ، بتاريخ 12- 2- 2008 وافق المدير العام ( المتهم الإول ) علي التوصية بأن يقبل العرض بالأجل لمدة 360 يوما.
عقب الترسية أخطر البنك الزراعي ( ممثلا في الإدارة التجارية ) الشركات التي رسي عليها العطاء ( شركة اقروتلج وأعمال اقرونيد ) بأن يكون الدفع بموجب خطاب إعتماد معزز بدفع فوري و أن يكون الشحن خلال 45 يوما من تاريخ فتح الإعتماد ،ردت شركة أقروتلج وأعمال أقرونيد للإدارة التجارية بالبنك الزراعي حيث أشارت إلي وجود إتصالات لتوفير تمويل ميسر من جهات محلية وخارجية ( مستند اتهام 22~ 21 ~ ) .
بتاريخ 27 ? 2 ? 2008 أبلغ قسم المشتريات بالإدارة التجارية الإدارة ( المدير العام ) بأنّ التمويل عن طريق الشركة العربية البحرين يوفر مبلغ 306,075 يورو حيث نسبة التمويل المقدمة هي 5,5 % بينما مبلغ التمويل اذا تم عن طريق الشركات التي رسها عليها العطاء هي 9,3 % ( مستند اتهام 25 ).
بتاريخ 18-3-2008 خاطب مدير البنك الزراعي السوداني الشركة العربية للإستثمار بالبحرين للموافقة علي تمويل إستيراد تقاوى زهرة شمس بمبلغ 6435000 يورو علي أن يكون السداد بخطاب آجل غير قابل للنقض لمدة عام وقد وافقت الشركة العربية للإستثمار علي الطلب المقدم من البنك الزراعي . ( مستند دفاع 2 3~33).
في الأول من ابريل 2008 والثاني منه وقّع البنك الزراعي مع شركة أقروتلج وأعمال أقرونيد عقدين بتوثيق المستشار القانوني للبنك ( مستندي اتهام 8 مصحح و9) وقد جاء العقد بذات السعر المقدم من المتهمة الرابعة والخامس وبنسبة إنبات للتقاوى 85 % بدلا عن 90 % التي وردت في كراسة العطاء . خاطبت الإدارة التجارية مدير الإدارة المالية بفتح خطاب اعتماد معزز يدفع فورا عند القبول ومن ثمّ أحالت الإدارة المالية طلب الإدارة التجارية الي الفرع الرئيسي لفتح خطابات الإعتماد لصالح الشركة العربية بالبحرين كدفع آجل وكان طالب فتح الاعتماد هو (الإدارة التجارية ) (مستند اتهام 26 ? 1 ) .
قامت الشركة العربية للإستثمار بالبحرين بفتح خطابات إعتماد للشركات المنتجة (بانار وباسفيك سيدس ) لصالح البنك الزراعي حيث كان الدفع فوري لهذه الإعتمادات مستند اتهام (33 ) ، وصلت التقاوي المستوردة لعطاء العام 2008 ? 2009 واستلمها البنك الزراعي وكانت نسبة إنباتها فوق الحد المسموح به حيت تجاوزت نسبة الإنبات ال 90 % ( انظر مستند اتهام 17)
إنّ المحكمة تطرح سؤالها الأساس بشأن المتهم الاول … وهو …. هل قام وباعتباره موظفا عاما في وظيفة مدير عام البنك الزراعي ومؤتمنا علي إدارة أموال البنك بسوء قصد وبإهمال فاحش يخالف مقتضي الأمانة بالتصديق علي معاملات صورية تتمثل في ترسية عطاء تقاوى زهرة الشمس للعام 2008 ? 2009 لشركة اقروتلج واعمال اقرونيد ؟
قبل أن تجيب المحكمة علي سؤالها فإننّا نثبت نص المادة 177 التي تُعرّف جريمة خيانة الأمانة بالآتي :-
(يعد مرتكباً جريمة خيانة الأمانة من يكون مؤتمناً على حيازة مال أو إدارته ويقوم بسوء قصد بجحد ذلك المال أو امتلاكه أو تحويله إلي منفعته أو منفعة غيره أو تبديده أو التصرف فيه بإهمال فاحش يخالف مقتضى الأمانة )
فمن هذا النص فإنّ عناصر الجريمة تتمثل في الأتي :-
1- أن يكون الشخص مؤتمنا علي إدارة مال أو حيازته،
2- أن يقوم الشخص بسوء قصد بتحويل المال لمنفعته أو منفعة غيره أو التصرف فيه بإهمال فاحش يخالف مقتضي الأمانة او إمتلاكه أو تبديده أو جحده أو تحويله لمنفعته أو منفعة غيره .
وتقف المحكمة عند تعريف سوء القصد وفقا لما عرفته المادة 3 من القانون الجنائي 1991 بالآتي :-
يقال عن الشخص أنّه فعل شيئاً “بسوء قصد ” إذا فعله بقصد الحصول على كسب غير مشروع لنفسه أو لغيره , أو بقصد تسبيب خسارة غير مشروعة لشخص آخر
وتعنى عبارة ” كسب غير مشروع ” الحصول على مال أوحجزه بطريق غير مشروع , وتعنى عبارة “خسارة غير مشروعة “حرمان أي شخص من ماله أو منعه منه أو حجزه منه بطريق غير مشروع .
وتقف المحكمة كذلك عند تعريف الموظف العام وفقا للمادة 3 جنائي )موظف عام يعني كل شخص تعينه سلطة عامة للقيام بوظيفة عامة سواء كان التعيين بمقابل أم دون مقابل ، وبصفة مؤقتة أم دائمة.(
كما تقف عند تعريف سلطة كما عرفتها المادة 3 جنائي بالآتي :-
(سلطة عامة تعنى أي سلطة مختصة في الدولة , وتشمل الهيئات العامة وشركات القطاع العام . )
بالنظر الفاحص في قضية الإتهام في مواجهة المتهم الأول نجدها ترتكز علي عنصرين ، هما :-
1 ? صورية التعاقد الذي تم مع شركة أقروتلج وأعمال اقرونيد .
2- التمويل ،حيث يدعي الإتهام أنّ للمتهم الأول إتصالات سبقت إجراءات العطاء نفسه مع المتهم التاسع الذي تحصل علي عمولات تمويل غير مستحقة له.
فبناء علي هذا ( الصورية في التعاقد والتمويل ) فإنّ الإتهام يؤسس دعواه بأنّ المتهم الأول تصرف بسوء قصد وبإهمال فاحش يخالف مقتضي الأمانة في أموال البنك الزراعي التي هي من الأموال العامة حسبما نصّ عليه الباب الثامن من قانون تنظيم العمل المصرفي 2003 الذي جعل من أموال المصارف أموالا عامة لأغراض القانون الجنائي لسنة 1991م أو أي قانون آخر يحل محله .
إنّ المحكمة تطرح سؤالاً فرعيا أولياً في هذه الدعوى … وهو …. هل المتهم الأول موظفاً عاماً مؤتمناً علي أموال البنك الزراعي ؟
تقرر المحكمة أنّ الإجابة علي سؤالها سهلة لا مشقة فيها ، فالمتهم الأول ينطبق عليه تعريف الموظف العام وفقا للمادة ( 3) جنائي 1991 ، فالبنك الزراعي بنك حكومي ، وبحكم وظيفة المتهم الأول كمدير عام للبنك الزراعي فهو مؤتمن علي إدارة أموال البنك .
سؤال ثان … وهو … هل قام المتهم الأول بسوء قصد وبإهمال فاحش بالتصديق علي إجراءات صورية للعطاء الخاص بإستيراد تقاوى زهرة شمس للعام 2008 ~ 2009 ؟
للإجابة علي هذا السؤال لا بد للمحكمة أن تثبت إبتداءً جملةً من القواعد الي علي هُداها تجيب علي السؤال الأساس الذي طرحته من قبل ، والقواعد التي تُجليها المحكمة هي :-
ما هو الإهمال الفاحش الذي يخالف مقتضي الأمانة ؟
ما المقصود بصورية التعاقد ؟
ما هو التكييف القانوني لكراسة العطاء ؟
أولا :- الإهمال الفاحش:-
أشارت السوابق القضائية الي الإهمال الفاحش الذي يقع من الموظف العام ليشكل الركن المادي لجريمة خيانة الأمانة في سابقة :-
حكومة السودان ضد ص. ط . م مجلة 2004 ص 94) التي أرست :-
( أنّ مناط المسؤولية الجنائية في جريمة خيانة الأمانة أنّ يؤدي الإهمال الفاحش وسوء التصرف في المال الي ضياعه وتبديده ، أي أن تتوافر علاقة السببية بين الإهمال والخسارة ، والمسآءلة ليست علي مطلق الإهمال بل يجب أن يؤدي ذلك الإهمال الي ضياع المال العام .يتحقق الإهمال الفاحش بعدم الألتزام بالأسس واللوائح في إدارة المال ويكون موجبا للمساءلة الجنائية بتوافر علاقة السببية .)
وقد سارت علي هذا المنوال سابقة :-
حكومة السودان ضد محمد الأمين برهماي مجلة 1978 ص 444 )
حيث أكّدت علي مبدأ وجوب توفر علاقة السببية بين الإهمال والخسارة ، وانّ المسآءلة ليست علي مطلق الإهمال وانّما مقصورة علي الحالات التي يؤدي فيها الإهمال الي الضياع ، أي أن يكون الإهمال سابقا للضياع . وقد أكدت السابقة أنّ التصرف المشار إليه في تعريف الإهمال الفاحش يشمل الفعل والإمتناع عن العمل) ،
فمما أرسته السوابق القضائية فإنّ عناصر الإهمال الفاحش تتمثل في الآتي :-
1- فعل إيجابي أو إمتناع عن عمل يتمثل في الإهمال .
2- أن يكون الإهمال سببا في ضياع المال .
ثانيا :- ما المقصود بصورية العقد ؟
لم يعرف الفقه (الصورية ) بهذا المسمي وإن تناول أحكامَها في باب الحيل الشرعية والهزل ، امّا قانون المعاملات المدنية 1984 فقد خلا من تعريف للمعاملات الصورية وإنْ كان قد أشار الي الآثار المترتبة علي العقد الصوري والعقد الحقيقي ، حيث أشار قانون المعاملات المدنية في المادة 115 منه إلي العقد المستتر حيث نصت :-
(إذا ستر المتعاقدان عقداً حقيقياً بعقد ظاهر, فالعقد النافذ فيما بين المتعاقدين والخلف العام هو العقد الحقيقي.)
وأشارت المادة 116ـ (1) من قانون المعاملات المدنية 1984 انّه :-
( إذا اُبرم عقد صوري فلدائني المتعاقدين وللخلف الخاص متى كانوا حسنى النية أن يتمسكوا بالعقد الصوري كما أنّ لهم أن يتمسكوا بالعقد المستتر ويثبتوا بجميع الوسائل صورية العقد الذي أضر بهم.
(2) إذا تعارضت مصالح ذوى الشأن فتمسك بعضهم بالعقد الظاهر وتمسك الآخرون بالعقد المستتر كانت الأفضلية للأولين.)
وتعتمد الصورية على وجود عقدين أحدهما ظاهر والآخر مستتر، حيث أبان الفقه القانوني نوعين من الصورية وهما :-
الصورية المطلقة والتي نقصد بها المفهوم الذي يقوم على مجرد خلق مظهر خادع بإنشاء عقد ظاهر ليس له وجود في حقيقة الأمر على الواقع
الصورية النسبية أو الجزئية التي تقوم على وجود عقدين ، أحدهم ظاهر غير حقيقي ، وآخر مستتر حقيقي ( عقد الضد ) والعقدان ينصبان على ذات الموضوع إلاّ أنّ العقد الباطن يتناول العقد الظاهر بالتعديل سواء لجهة الشروط أو الوصف أو الشخص أو أي عنصر من عناصره ، ويجب أن يكون هذا التعديل ممكنا في القانون ، و إلا أصبح العقد الظاهر هو الساري والملزم .
فممّا ذكر وحتي تتحقق الصورية فإنّه يشترط الآتي :-
? أن يوجد عقدان- أو موقفان – إتحد فيهما الطرفان والموضوع.
? أن يكون العقدان – أو الموقفان- متعاصرين ، فيصدران معا في وقت واحد.
? أن يختلف العقدان من حيث الماهية أو الأركان أو الشروط.
? أن يكون أحدهما ظاهراً علنيا وهو العقد الصوري ، ويكون الآخر مستترا سريّا وهو العقد الحقيقي.
ثالثا :- ما هو التكييف القانوني للعطاء وكراسة العطاء ؟
يدخلُ العطاء ضمن تعريف العقد الإداري ، وإنْ كان القانون السوداني لم يَعرِف هذا المُسمي ( العقد الإداري ) الاّ أنّ القواعد التي يرتكز عليها العقد الإداري مضمنة في لائحة الإجراءات المالية والمحاسبية 1995 ( المادة 61 من اللائحة ) ،فبالنظر الفاحص يمكن تعريف العقد الإداري بأنّه توافق إرادتين أو أكثر على إنشاء عقد يتم بين طرفين أحدهما شخص عام لغرض إنشاء مشروع أو توريد منقولات أو أداء خدمات من أجل منفعة عامة)
فمن هذا التعريف فإنّ العقد الإداري يتصل بتسيير مرفق عام لتحقيق المصلحة العامة بتحقيق أكبر وفر مالي للخزينة العامة وهذا يلزم الإدارة اختيار المتعاقد الذي يقدم أفضل الشروط والضمانات المالية من بين أكفأ المتقدمين للتعاقد لضمان نجاح الأداء والخدمة التي من أجلها يتم إبرام العقد ، ومن بين الوسائل التي تحقق العقود الإدارية المناقصة ( العطاءات ) التي ترتكز علي عدة مبادئ أهمها :-
أ- مبدأ المنافسة : – و هو إعطاء الفرصة لكل من توافرت فيه شروط المناقصة بتقديم عروضه للإدارة المتعاقدة.
ب- مبدأ المساواة : و يفرض المبدأ إلزامية المعاملة المتماثلة لكل المعنيين بالعطاء،
ج- الإعلان ( الإشهار ) :- حيث تخضع المناقصات لمبدأ الإعلان ( الإشهار ) التي يعد وسيلة لضمان المنافسة ،وذلك بدعوة الإدارة للراغبين في التعاقد كما يعد الإعلان وسيلة لضمان الشفافية والمساواة .
لقد أشارت لائحة الإجراءات المالية والمحاسبية 1995 إلي القواعد العامة للعطاءات وإنْ كانت إشارة من غير تفصيل الا أنّ قانون الشراء والتعاقد والتخلص من الفائض للعام 2010 تناول هذه القواعد بإسهاب واستفاضة .
وبالنظر الفاحص في كراسة العطاء و لائحة الإجراءات المالية والمحاسبية تقرر المحكمة أنّ المتمعن في الإجراءات المالية يجدها إجراءات صارمة لا تتيح في معظمها الإجتهاد والسلطة التقديرية الاّ في حدودٍ ووفق ضوابط حيث يهدف القانون واللائحة من صرامة تلك الإجراءات وحدتها الحفاظ علي المال العام وحمايته .
تعد كراسة العطاء في تقدير المحكمة جزءاً لا يتجزء من العقد وأساسا للتعاقد حتي لو لم يُنص علي ذلك في العقد ، فإجراءات المناقصة ما هي إلاّ تمهيداً للعقد الذي سيبرم بين الإدارة والمتعاقد ،وتستهدي المحكمة بما ورد في قانون الشراء والتعاقد والتخلص من الفائض 2010 وهي تدرك في إستهدائها أنّ الأصل عدم رجعية القوانين فذلك مبدأٌ دستوري راسخ لن تحيد عنه المحكمة، لكنّ استهداء المحكمة بذلك القانون هو للتأكيد علي أنّ القواعد الخاصة بالعقود الإدارية أضحت قواعد راسخة – وأنْ لم تقنن – في الأنظمة القانونية المختلفة التي ما فتئت جاهدة تؤكد علي مبدأ المساواة والمنافسة والإشهار والإعلان.حيث نصت المادة 14-10من قانون الشراء والتعاقد 2010.
( لا يجوز قبول العروض والتعاقد بموجبها إلا طبقا للشروط والمواصفات الموضوعة وأنْ تشتمل هذه المواصفات والشروط علي النقاط الجوهرية الخاصة بالجودة والمواصفات ومشتملاتها الواجب توافرها )
فمن هذا فإنّ المحكمة تؤكد علي أنّ الشروط العامة والمواصفات المضمنة في كراسة العطاء هي ملزمة ويجب أن تضمن في العقد المبرم بين الإدارة والجهة المتعاقد معها .
عوداً الي المتهم الأول والسؤال المطروح في مواجهته ، حريٌ بالمحكمة أن تميّز بين المتهم الأول وبين البنك الزراعي من حيث المسؤولية الجنائية ، فالمتهم الأول يحاكم في شخصه عن أفعال — يدعيها الإتهام –وقعت منه مباشرة فحواها الإهمال الفاحش المفضي الي ضياع المال ، أما البنك الزراعي كشخصية إعتبارية فهو ليس متهماً حيث حددت لائحة الإتهام التي وجهتها النيابة قائمة المتهمين ولم يكن من بينهم البنك الزراعي ، و تكمن أهمية هذا التمييز بين شخص المتهم الأول وشخص البنك الزراعي هو تحديد المسؤولية الجنائية .
لقد ثبت للمحكمة أنّ النظام المتبع بالبنك الزراعي هو عبارة عن سلسلة مترابطة يحكمها هرم إداري في قمته المدير العام للبنك الزراعي وهو المتهم الأول حيث تبدأ الإجراءات بالقسم مرورا بالإدارة المعنية ثم بالقطاع فبنائب المدير للبنك الزراعي وانتهاءً بالمدير العام الذي غالبا ما يستصحب في قراره الإجراءات والتوصيات التي سبقته من قبل ، تقرر المحكمة أنّ هذه العملية الإجرائية تتضامن فيها أقسام البنك وإداراته المختلفة لتضحي المسؤولية مسؤولية تضامنية يتحملها البنك الزراعي كشخصية إعتبارية Liability Joint هذا من ناحية ، أمّا الناحية الأخري المطلوب إثباتها فهو تصرف المتهم الأول بسوء قصد وباهمال فاحش الذي أفضي الي ضياع المال ، ومن ثمّ يكون سؤال المحكمة … هو …هل صادق المتهم الأول علي إجراءات صورية ؟
قبل أنْ نجيب علي السؤال نشير الي أنّ المحكمة في هذا الجانب ستناقش المحكمة صورية الإجراءات التي صادق عليها المتهم الأول وليس صورية العقد التي تناقشها لاحقا . لقد ثبت أنّ المتهم الأول أحال طلب وزارة المالية بشأن استيراد 1500 طن تقاوى زهرة شمس إلي الإدارة المختصة و أنّ اجراءات العطاء الشكلية تم استيفاؤها ، حيث أعلن عن العطاء في الصحف ( مبدأ الاشهار ? مستند إتهام 2 ) وأعدت الإدارة التجارية كراسة العطاء بعد مخاطبة إدارة التقاوى وشُكّلت لجنةً للعطاء بناء علي مقترح الإدارة التجارية و بقرار من المتهم الأول فجاء تكوينها تمثيلاً لجهات مختصة ( مستند دفاع 2 ) ولم يكن للمتهم الأول أي دور مباشر في عمل لجنة العطاء حين قامت بالفرز والتصنيف للشركات المقدمة للعطاء وتجزئة الكميات وإنقاص نسبة الإنبات للتقاوى محل العطاء من 90 % الي 85% ، ، كما ثبت للمحكمة أنّ المتهم الأول وبعد موافقته علي توصية لجنة العطاء أحال الأمر الي الإدارة التجارية للتنفيذ وأنّه وقع علي العقد المبرم مع الشركات التي رسي عليها العطاء بعد أنْ قام المستشار القانوني للبنك الزراعي بمراجعة العقدين ( مستندي إتهام 8 مصحح -9) ، ولم يكن له دور مباشر في فتح الإعتمادات (مستند اتهام 10~11 )حيث قامت الإدارة التجارية بمخاطبة الإدارة المالية لفتح الإعتمادات والتي قامت بدورها بمخاطبة الفرع الرئيسي لفتح الإعتمادات بإسم ( الادارة التجارية ~ البنك الزراعي) ، فكل هذه الإجراءات هي إجراءات حقيقية لها صلة بالواقع وأنّ المستشار القانوني للبنك الزراعي كان مشرفاً علي تأكيد صحتها ولولا ذلك لما وقّع المتهم الأول علي العقدين، عليه فإنّ المحكمة تقرر أنّ المتهم الأول لم يوقع علي إجراءات صورية خاصة بعطاء تقاوى زهرة الشمس للعام 2008 ~ 2009 .
تنتقل المحكمة إلي مناقشة المحور الثاني حيث يُعول الإتهام في قضيته تجاه المتهم الأول علي مسألة التمويل لعطاء العام 2008 ~ 2009 ، و يتكئ الإتهام علي أنّ تواطوءاً وقع بين المتهم الأول والتاسع بشأن التمويل وذلك استناداً علي مستند اتهام 23 -1 – وهو خطاب من الرئيس التنفيذي لشركة هارفست للخدمات المالية بتاريخ 22-1-2008 لشركة سومارين في شخص مديرها المتهم التاسع يشير فيه الي موافقة الشركة العربية للإستثمار البحرين تعزيز خطاب الإعتماد المصدر بواسطة البنك الزراعي وتمويله 360 يوما علي أن تكون عمولة شركة هارفست للخدمات المالية 1,5% من قيمة خطاب الإعتماد ، ويتكئ الإتهام كذلك علي مستند اتهام 23-2 وهو خطاب بتاريخ 25-1-2008 من المتهم التاسع (مدير شركة سومارين ) إلي مدير البنك الزراعي (المتهم الأول ) أشار فيه أن يقوم البنك الزراعي بفتح الإعتماد المالي لصالح شركتي أقروتلج ( المتهمة الرابع ) وأعمال اقرونيد ( المتهم الخامس ) علي أن يقوم البنك بفتح خطاب مؤجل الدفع لمدة 360 يوما ، ويركن الإتهام كذلك الي مستند إتهام 34 وهو خطاب بتاريخ 19- 2- 2008 من الشركة العربية للإستثمار البحرين لشركة هارفست للخدمات المالية المحدودة بتعزيز خطاب الضمان بمبلغ 5700000 يورو ، فهذه المستندات- في تقدير الإتهام – تشير الي تواطؤ المتهم الأول والتاسع بشأن العطاء حيث حدد مستد اتهام 23 -2 الشركات (أقروتلج ? أعمال اقرونيد ) قبل أن يُعلن عن الشركات الفائزة بالعطاء مما يجعل إجراءات العطاء صورية في مضمونها .
قبل أن تمضي المحكمة في الإجابة علي سؤالها حقيقٌ بها أن تُبين مسائل هامة في هذا المحور عسي أن تصل بها الي القرار السديد ، والمسائل تتعلق ب :-
التمويل للعمليات المصرفية،
العمولة .
أولاً ، التمويل :-
بالنظر الفاحص في وقائع الدعوى فإنّ عملية التمويل تخضع للنقاش بين البنك الزراعي والشركة الفائزة بالعطاء قبل توقيع العقد ، وهدف النقاش هو إتاحة الفرصة للبنك الزراعي إختيار الصيغة الأفضل للتمويل ، فإما أن يكون تمويلاً نقدياً أو تمويلاً بأجل .
كما ثبت للمحكمة أنّ عبء توفير التمويل للعطاء لا يقع علي عاتق البنك الزراعي وحده دون الشركة الفائزة فيمكن لكليهما المساهمة في توفيره والحصول عليه ، و ثبت كذلك أنّ مصروفات التمويل وكلفته لا علاقة لها بثمن البضاعة المقدم من الشركة الفائزة بالعطاء فهو مستقل عن ثمن البضاعة . ( انظر شهادة شاهد الدفاع فتحي ابوالقاسم بشأن المفاوضات حول التمويل)
ثانيا ، العمولة:-
أكّد عددٌ وافر من الشهود في هذه الدعوى أنّ العمولة التي تتحصل عليها الشركات المحلية في المعاملات التجارية هي عرف تجاري راسخ وذلك مقابل خدمة تقوم بها الشركة في المعاملة التجارية ، من ترويج للمنتج أو تسويق له أو تحمل للمخاطر وتحمل رسوم تكاليف المشاركة في العطاء ومتابعة إجراءاته وأعباء الإخلال بالعقد ، فالضابط لمشروعية العمولة في تقدير المحكمة هو أن يكون للعمولة مقابلا يتمثل في عمل مشروع من خدمة ونحوه تُسهّل المعاملة التجارية دون المساس بالثمن المتفق عليه بالزيادة ، وينطبق علي العمولة القواعد التي تحكم العقود باعتبارها اتفاقا مبرما بين الأطراف .
عوداً الي سؤال المحكمة … هل هنالك تواطوء مسبق بين المتهم الأول والمتهم التاسع بشأن العطاء ؟
بادئ ذي بدء تقرر المحكمة أنّ مستند اتهام 23- 1-2 لم يثبت انّه قد أُرسل الي البنك الزراعي بطريق رسمي حيث لم يتم ختمه بخاتم البنك لتأكيد إستلامه ( انظر لأقوال شاهد الدفاع عبدالله عبدالعزيز يوسف) ، ولكن هل يمكن للمحكمة أن تُعوّل علي ما يحتج به الإتهام بأنّ التواطوء ما سلك يوما ما قط مسلكا رسميا مكشوفا فهو يتم عادة بعيدا عن الأضواء الكاشفة والإجراءات الرسمية حيث يمثل قبول مستند ( اتهام 23 ) – في تقدير الإتهام – الدليل الكافي لإثبات التواطوء ؟
بالتمعن الفاحص والنظر الدقيق في البينات المقدمة تقرر المحكمة أنّه لم يثبت التواطوء الذي يدعيه الإتهام بين المتهم الأول والمتهم التاسع بشأن إجراءت التمويل وتركن المحكمة في ذلك الي الآتي :-
1) تحقق في العطاء مبدأ الإشهار بإعلانه في الصحف حسبما تقتضي الإجراءات حيث كانت الفرصة متاحة للشركات المحلية المنافسة في العطاء فقد سحبت سبع شركات الكراسة وكان يمكن لها إن قدمت عروضا أفضل انْ يُرسي عليها العطاء بدلا عن شركة أقروتلج وأعمال اقرونيد ومن ثم يكون التوطؤ المسبق بين المتهم الأول والتاسع بشأن تمويل المتهم الرابع ( شركة أقروتلج ) والمتهم الخامس ( أعمال اقرونيد ) لا أساس له ما دام مبدأ الإشهار والمنافسة قد تحقق .
2) ثبت للمحكمة أنّ خطابات الإعتماد مستندي اتهام (10 ~ 11) هي التي نُفذت بها عملية إستيراد التقاوى حيث إرتكزت علي العقد المبرم مع شركة اقروتلج وأعمال اقرونيد ولم يكن لمستند إتهام 34- 2 وهو الصادر من الشركة العربية للإستثمار ~البحرين للبنك الزراعي اية صلة بفتح الإعتمادات ، وتشير المحكمة الي أنّ خطاب الشركة العربية للإستثمار ~ البحرين للبنك الزراعي (مستند اتهام 34- 2) فيه إشارة لتواريخ سبقت العطاء بنحو عام مما يضعف من قيمته كبينة تثبت التواطوء .
3) أشار شاهد الإتهام الخامس (الأمين سيد أحمد حسن ) بأنّه تحصل علي عمولة لتوفير التمويل بناء علي طلب من شركة سومارين التي مديرها المتهم التاسع الاّ أنّ الشاهد أكد انّ العمولة لا علاقة لها بالبنك الزراعي وانّها نظير توفير التمويل المبدئي لشركة سومارين.
4) تم التمويل في صورته النهائية بناء علي طلب من المتهم الأول للشركة العربية للإستثمار بالبحرين حيث وافقت الشركة علي الطلب ( مستند دفاع 33 -1 ).
إنّ الذي أثار الريبة في عقيدة هيئة الإتهام — وهو أمر كاف لإثارتها — في مسألة التمويل أنْ تسعي شركة هارفست للخدمات المالية وتتحصل علي عمولة من هذا السعي وفي الوقت نفسه يقوم البنك الزراعي بمخاطبة ذات الجهة الممولة ( الشركة العربية للإستمار البحرين ) ويتحصل علي التمويل الذي ينجز به العطاء . تقرر المحكمة إن ّ الذي يزيل هذه الريبة هو ما ثبت من أنّ للشركات دور في الحصول علي التمويل ويدخل في هذا الإطار ما قامت به شركة هارفست للخدمات المالية وليس ذلك مخالفا للقانون ما دام الثمن الذي قبله البنك الزراعي عند تقديم عرض الشركات لم يتأثر بالعمولة الخاصة بالتمويل .
عليه ومما سلف نقاشه فإنّنا نُقرر أنّ المتهم الأول لم يتصرف بسوء قصد وبإهمال فاحش يخالف مقتضي الأمانة عندما صدّق علي إجراءات عطاء تقاوى زهرة الشمس للعام 2008 ~ 2009 .
إنّ المحكمة ومن باب ترتيب الحيثيات فإنّها تُرجي مناقشة الإتهام المتعلق بمعاملة البنك الزراعي مع شركة هارفست 2009 ~ 2010 لحين إكمال المحور الأول من الإتهام المتعلق بعطاء العام 2008 ? 2009 حيث تناقش المحكمة الإتهام في مواجهة المتهم الثاني وتطرح سؤالها في مواجهته ، والسؤال هو …..
هل قام المتهم الثاني باعتباره موظفاً عاماً ومسؤولًا عن الإدارة التجارية بالبنك الزراعي بمخالفة ما تأمر به اللوائح والقانون بشأن المسلك الواجب إتباعه في ترسية عطاء تقاوى زهرة الشمس للعام 2008~ 2009 لشركة أقروتلج وأعمال اقرونيد حيث لم يتبع قواعد الإجراءات المالية والمحاسبية بشأن العطاء وفتح الإعتمادات قاصدا تسبيب مصلحة غير مشروعة لشركة أقروتلج وأعمال أقرونيد مخالفا بذلك المادة 89 من القانون الجنائي 1991 والمادة 29 -1 من قانون الاجراءات المالية والمحاسبية 2007 .؟
قبل أنْ تجيب المحكمة علي سؤالها فإنّنا نثبت نص المادة 89 من القانون الجنائي وهي علي النحو الآتي ؟
89 ـ كل موظف عام يخالف ما يأمر به القانون بشأن المسلك الواجب عليه اتباعه كموظف عام أو يمتنع عن أداء واجب من واجـبات وظيفته قاصداً بذلك أن :
(أ ) يسبب ضرراً لأي شخص أو الجمهور أو يسبب مصلحة غير مشروعة لشخص آخر ، أو
(ب) يحمى أي شخص من عقوبة قانونية ، أو يخفف منها أو يؤخر توقيعها ، أو
(ج) يحمى أي مال من المصادرة أو الحجز أو من أي قيد يقرره القانون أو يؤخر أياً من تلك الإجراءات .
فمن هذا النص فإنّ عناصر الجريمة تتمثل في الآتي :-
1- أن يقوم الموظف العام بمخالفة ما يأمر به القانون او يمتنع عن أداء واجب من واجباته ( الركن المادي ).
2- قصد تسبيب ضرر لأي شخص أو تسبيب مصلحة غير مشروعة أو حماية أي شخص من عقوبة قانونية ، أو بالتخفيف منها أو تأخير توقيعها أو حماية أي مال من المصادرة أو الحجز أو من أي قيد يقرره القانون أو تأخير أياً من تلك الإجراءات.
وقد عرّف القانون الجنائي القصد في المادة 3 بالآتي :-
(يقال عن الشخص انّه سبب الأثر “قصداً ” إذا سببه باستخدام وسائل أراد بها تسبيبه أو باستخدام وسائل كان وقت استخدامها يعلم أنّها تسبب ذلك الأثر أو كان لديه ما يحمله على الاعتقاد بأنها يحتمل أن تسببه )
بالتمعن في قضية الإتهام نحو المتهم الثاني الذي كان رئيسا للجنة العطاء واللجنة المالية نجدها ترتكز علي :-
1- تجزئة العطاء ل750 طن لكل شركة بدلا عن 1500 طن .
2- فتح الإعتمادات باسم الإدارة التجارية (البنك الزراعي ) بدلا عن الشركات الفائزة بالعطاء ( شركة أقروتلج و أعمال اقرونيد) .
تبدأ المحكمة مناقشتها للمحور الأول وهو:-
تجزئة العطاء :-
الثابت في إجراءات العطاء أنّ البنك الزراعي طرح إستيراد 1500 طن تقاوى زهرة شمس ، تقدمت شركة اقروتلج في عرضها ب 750 طن من الصنف Hysn أما أعمال أقرونيد فقد تقدمت ب 900 طن من الصنف (بانار)حيث لم تستوفْ الشركتان كامل الكمية المعروضة في العطاء وهي 1500 طن، قامت اللجنة بتجزئة العطاء بين شركة أقروتلج و أعمال أقرونيد حيث منحت كل واحدة منهما 750 طن من أي صنف .
تقرر المحكمة أنّ الأصل في إجراءات المناقصة العامة عدم تجزئة المقادير ( الكميات محل العطاء ) حيث يفترض أن تتم الترسية لجهة واحدة ولكل الكمية محل العطاء ، والهدف من ذلك أن يتم التعامل مع جهة واحدة وبسعر وشروط واحدة حيث تخل تجزئة المقادير وتصطدم بالمصلحة التي ترجوها الإدارة من طرح العطاء ، ومع هذا كله فإنّ لائحة الاجراءات المالية والمحاسبية في المادة 61 (ز) جوّزت تجزئة المقادير حين نصت :-
( يجوز تجزئة المقادير المعلن عنها إذا تساوت الأسعار وشروط أفضل عطائين أو اكثر وكان ذلك يخدم المصلحة العامة ).
فمن هذا النص فإنّ تجزئة المقادير تحكمها ضوابط…. فهل أخلّ المتهم الثاني بتلك الضوابط ؟
بالنظر الفاحص في البينات المقدمة تجيب المحكمة علي سؤالها بالنفي وذلك للآتي :-
1- إنّ المتهم الثاني كان يمارس عمله من خلال لجنة العطاء واللجنة المالية التي من ضمن عضويتها المستشار القانوني للبنك الزراعي والذي هو بمثابة الرقيب علي أعمال اللجنة من الناحية القانونية ، فلو كانت هنالك مخالفة للائحة الإجراءات المالية والمحاسبية تكون المخالفة علي عاتق لجنة العطاء مجتمعة باعتبار أنّ قرار التجزئة هو قرار اللجنة وليس قرار المتهم الثاني ، فاللجنة متضامنة في مسؤوليتها .
2- تأكّد للمحكمة أنّ هنالك أسباب موضوعية قادت لجنة العطاء الي تجزئة المقادير وتتمثل في أنّ الاصناف المطلوبة في العطاء هي ليست لصنف واحد انّما لصنفين ( بانار و33 HYsn) ، وانّ الشركة المنتجة لكل صنف تختلف عن الأخري ، فصنف (بانار) تنتجه شركة بانار بجنوب افريقيا أما صنف 33 HYsn فتنتجه شركة باسفيك سيدس باستراليا ، ومن هنا جاء تفاوت العرض المقدم من حيث السعر لإختلاف موقع كل شركة عن الأخري ولاختلاف كل صنف عن الآخر .
3- إنّ تحديد المصلحة العامة يدخل في إطار السلطة التقديرية للجنة العطاء علي أنْ يكون ذلك بضوابط منها عدم تغليب المصلحة الخاصة للشركات التي رسي عليها العطاء علي المصلحة العامة ، وبالنظر في قرار تجزئة الكميات نجد أنّ اللجنة استوفت الصنفين (بانار و33 HYsn) وفقا لما أوصي مدير عام إدارة التقاوى به ( مستند اتهام 19) وهو تقدير قدرته اللجنة بإجماع ولم يكن قرار خاص بالمتهم الثاني وحده حتي يتحمل مسؤوليته دون سواه .
عليه ولإنتفاء القصد الجنائي عن المتهم الثاني فإنّ المحكمة تقرر انّه لم يخالف مايأمر به القانون اتباعه كما لم يخالف لائحة الإجراءات المالية والمحاسبية 1995 فيما يتعلق بتجزئة المقادير .
المحور الثاني ،فتح اعتمادات العطاء باسم البنك الزراعي وليس باسم الشركات التي رسي عليها العطاء :-
ثبت للمحكمة أنّ المتهم الثاني وبحكم أنّه مدير الإدارة التجارية قد خاطب الإدارة المالية لتقوم بدورها بمخاطبة الفرع الرئيسي بفتح الإعتمادين 103 ~ 104 لصالح الشركات المنتجة ،يري الإتهام أنّ الأصل أن تفتح الإعتمادات باسم الشركات التي رسي عليها العطاء لصالح الشركات المنتجة لتقاوى زهرة الشمس وهي بانار ~ جنوب افريقية وشركة باسفيك سيدس ~ استراليا ، إنّ المحكمة ستناقش لاحقاً مسألةً هامة في هذه الدعوى تتعلق بأثر فتح الإعتماد باسم البنك الزراعي علي صورية العقد المبرم بين الشركات والبنك الزراعي وذلك عند مناقشتها للإتهام الموجه في حق المتهمة الرابعة ( شركة اقروتلج ) والمتهم الخامس ( أعمال اقرونيد ) ، أما الذي يعني المحكمة بشأن المتهم الثاني في هذا المحور هو مسألة فتح الإعتمادات بإسم البنك الزراعي ~ الإدارة التجارية و التحقق فيما إذا كان المتهم الثاني قد خالف المسلك الواجب اتباعه بقصد تحقيق مصلحة غير مشروعة .
بالنظر العميق في البينات المقدمة تجد المحكمة أنّ فتح الإعتمادات باسم البنك الزراعي ممارسة متبعة في العمل المصرفي بالبنك ولم تكن قاصرة علي إعتمادات عطاء العام 2008 ~ 2009 فحسب، فقد أكد مستند دفاع 38 ~39 وهو معاملة بين البنك الزراعي وشركة مروة في إستيراد سماد يوريا فتح البنك الزراعي الإعتماد بإسمه رغم أنّ العطاء رسي علي شركة محلية حيث طلبت شركة مروة بأن يُفتح العطاء لصالح الشركة المنتجة ، كما ثبت للمحكمة انّ هناك مصلحة متوقعة تكمن من وراء فتح الإعتمادات بإسم البنك الزراعي وهي أنّ مستندات البضاعة عندما تصل بإسم البنك قد يستفيد البنك من إمتيازات تمنحها الدولة متعلقة بالاعفاءات الجمركية ، كما تأكد للمحكمة أنّ شركات التمويل الكبرى ? ومن بينها الشركة العربية للإستثمار البحرين – لا تتعامل مع الشركات المحلية إنّما تتعامل مع البنوك لذا تكون خطابات الإعتماد باسم البنك الزراعي ( انظر شهادة شهود الدفاع صلاح حسن والشاهد عبدالله صديق عبدالله والشاهد محمد أحمد سليمان البرجوب)
عليه فإنّ المحكمة تقرر أنّ المتهم الثاني لم يرتكب فعلاً مخالفاً لما أمر به القانون اتباعه ولم يكن يقصد من تصرفه تسبيب مصلحة غير مشروعة لأي شخص ، وهذا يستوجب ان تقرر المحكمة أنّ المتهم الثاني لم يخالف نص المادة 89 جنائي والمادة 29 من قانون الإجراءات المالية والمحاسبية 2007.
مناقشة الإتهام في مواجهة المتهم الثالث :-
ثبت للمحكمة أنّ المتهم الثالث شارك في لجنة العطاء ممثلا لقطاع التمويل بعد أن اعتذر مدير القطاع ( شاهد الدفاع فتحي أبوالقاسم ) حيث ترأس اللجنة الفنية للجنة العطاء كما ثبت مساهمته في شركة الفلاح وأقروتلج التي تقدمت للعطاء وذلك استنادا علي أقوال المتهم الثالث نفسه ومستند اتهام 12 إفادة المسجل التجاري .
إنّ المحكمة تطرح سؤالها في مواجهة المتهم الثالث ، والسؤال هو ….. هل قام المتهم الثالث وباعتباره موظفا عاما بالبنك الزراعي بالمشاركة في لجنة مناقصة تقاوي زهرة الشمس بالبنك الزراعي وفي الوقت نفسه كان أحد مساهمي شركة اقروتلج والفلاح التي تقدمت لتلك المناقصة مخالفا بذلك المادة 92 من القانون الجنائي 1991 والمادة 29 -1 من قانون الإجراءات المالية والمحاسبية 2007 .؟
تثبت المحكمة نص المادة 92 جنائي وهي علي النحو الآتي :-
كل موظف عام يشتري بنفسه أو بوساطة غيره مالاً تحت ولاية وظيفته العامة أو يبيعه لقريب أو شريك أو يشترك في مناقصة لأداء عمل يتصل بوظيفته ، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سنتين أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً
بالنظر في فحوى النص نجده يُجّرم إشتراك الموظف العام في مناقصة تتصل بعمله وتكون لديه ? أي للموظف العام – مصلحة في تلك المناقصة ، لقد كان القانون الجنائي السوداني حازماً في تجريم مشاركة الموظف العام في عمليات البيع والشراء والمناقصات التي تكون للموظف مصلحة فيها ، وجعل القانون تلك الجريمة من الجرائم المطلقة (liability strict )التي لا تحتاج الي التحقق من العنصر المعنوي لتأكيد وقوعها ،
strict liability is a standard for liability which may exist in either a criminal or civil context. A rule specifying strict liability makes a person legally responsible for the damage and loss caused by his or her acts and omissions regardless of culpability (including fault in criminal law terms, typically the presence of mens rea(
http://en.wikipedia.org/wiki/Strict_liability
حكومة السودان ضد أحمد صالح مزيد مجلة 1978م
حكومة السودان ضد فاطمة عبد الصمد 1975م
إنّ الهدف الأساس من هذا التشريع هو سد منافذ الفساد واستغلال النفوذ الذي يقع من الموظف العام ، وقد بلغ قانون الشراء والتعاقد والتخلص من الفائض 2010 مبلغا عظيما بسد تلك المنافذ بأن حظر علي الموظفين الدخول في المنافسات بل ومزاولة الأعمال التجارية ( المادة 14 ? 1 ) ،فإستغلال النفوذ حذر منه الشرع الحنيف في مقاصده الكلية (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ) البقرة 188 وهو توجه عالمي نصت عليه إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والسودان بلد موقع عليها ، حيث جاء في نصوصها :-
12 – «هـ» منع تضارب المصالح بفرض قيود، حسب الاقتضاء ولفترة زمنية معقولة، على ممارسة الموظفين العموميين السابقين أنشطة مهنية، أو على عمل الموظفين العموميين فى القطاع الخاص بعد استقالتهم أو تقاعدهم، عندما تكون لتلك الأنشطة أو ذلك العمل صلة مباشرة بالوظائف التى تولاها أولئك الموظفون العموميون أو أشرفوا عليها أثناء مدة خدمتهم.
يدفع الدفاع بأنّ المتهم الثالث لم تكن له مصلحة مباشرة في العطاء باعتبار أنّ شخص المتهم الثالث ينفصل عن شركة الفلاح وأقروتلج ،فهما شخصيتان اعتباريتان ،كما يدفع بأنّ الإجراء الذي تم في لجنة العطاء هو إجراء عادي لم يؤثر فيه المتهم الثالث بحسبان أنّ العمل كانت مناطةٌ به لجنة العطاء وليس المتهم الثالث وحده ، كما دفع بأنّ المتهم الثالث كلفه رئيسه المباشر بالمشاركة في عضوية اللجنة في نفس اليوم الذي انعقدت فيه لجنة العطاء ، فهل تصلح هذه الدفوع لدحض المسؤولية الجنائية عن المتهم الثالث ؟
تقرر المحكمة انّ مادفع به المتهم الثالث لا يجدي نفعا لدحض المسؤوليه الجنائية عنه وذلك للآتي :-
1) إنّ الجريمة من الجرائم المطلقة التي لا تكترث بالدوافع والتبريرات ولا تضع لها اعتباراً فمجرد المشاركة في المناقصة تُعد جريمة ما دامت هنالك مصلحة قائمة سواء أثّر المتهم الثالث علي اللجنة أم لم يؤثّر .
2) إنّ الفصل بين شخص المتهم الثالث وشركتي الفلاح واقروتلج ليس بحجة تقوم علي برهان، فالمهم هو فيما إذا كانت للمتهم الثالث مصلحة في الشركتين ، والإجابة هي حتما بالإيجاب مادام المتهم الثالث هو أحد المساهمين في الشركتين .
3) لم يثبت للمحكمة أنّ المتهم الثالث اعتذر لرئيسه الذي كلفه بحضور الإجتماع بانّ له مصلحة في العطاء وأنّ تكليفه جاء بعد الحاح من الشاهد فتحي أبو القاسم .
عليه ولما سلف ذكره فإنّ المحكمة تقرر أنّ المتهم الثالث ارتكب فعلا مخالفا للمادة 92 من القانون الجنائي 1991 .
سؤال تطرحه المحكمة بحق المنهم الثالث …. هل ارتكب المتهم الثالث فعلا مخالفا للمادة 29-1 من قانون الإجراءات المحاسبية 2007 بمخالفته للائحة الإجراءات المالية والمحاسبية 1995 ؟
تقرر المحكمة وبالتنقيب في لائحة الإجراءات المالية والمحاسبية 1995 نجد أنّ نصوصها لم تعالج هذه المسألة ( منع الموظف العام من المشاركة في لجان المناقصات إن كان له مصلحة ) الاّ انّ قانون الشراء والتعاقد والتخلص من الفائض 2010 استدرك لاحقا هذه المسألة ونصّ علي منعها، ولكن لّما صدر القانون في العام 2010 فإنّه لا يسري علي الحالة التي تنظرها المحكمة عملاً بالمبدأ القانوني الراسخ ، عدم جواز سريان القانون بأثر رجعي إلّا إذا كان القانون هو الأصلح للمتهم ، عليه فإنّ المحكمة تكتفي بما قررته من قبل من أنّ المتهم الثالث قد إرتكب فعلاً مخالفا لنص المادة 92 جنائي 1991 .
مناقشة الاتهام في مواجهة المتهمة الرابعة شركة اقروتلج والمتهم الخامس أعمال اقرونيد
ستناقش المحكمة الإتهام في مواجهة المتهمة الرابعة والخامس في موضع واحد لإتحاد موضوع الإتهام والدفوع المقدمة من المتهمين .
إنّ المحكمة تطرح سؤالها الأساس في مواجهة المتهمة الرابعة والخامس ، والسؤال هو …
هل أثرت شركة أقروتلج وأعمال أقرونيد ثراءً حراما ومشبوها من المعاملة الصورية التي تمت مع البنك الزراعي في استيراد تقاوى زهرة الشمس وذلك في المناقصة التي طرحها البنك الزر