الطريق إلى الدولة (1)

٭ بما أن التطور الحضاري المتمثل في ازدهار العلوم والمعارف والاقتصاد والفنون والآداب والطب والقيم والعدالة الاجتماعية والقانونية يرتبط بإرساء علاقات حكم متوازنة وقوية وينشيء كياناً سليماً للدولة. فان التوقف عن مواكبة التطور الحضاري لا بد أن يعود إلى خلل خطير قد اصاب هذه الأسس.. بمعنى أدق ان التطور الحضاري لا يقوم إلا بعد ارساء كيان الدولة وليس العكس وبمعنى أكثر دقة ان انشاء كيان الدولة لا بد أن يسبق أية محاولة تطوير قد تقوم بها أية حكومة في أي مجال من مجالات الحياة والاقتصاد إذ أرى ان كثيرا من الحكومات المعاصرة تبذل المحاولات لاحداث تطور اقتصادي واجتماعي في البلد المعني. لكن كما نرى جميعنا فإن كل تلك المحاولات تفشل واحدة تلو الأخرى بسبب غياب أساس الدولة فالاقتصاد لا يبني الدولة بل الدولة هي التي تبني الاقتصاد والحكومة أو السلطة ليست هي الدولة مثلما يعتقد الكثيرون في الخطأ الشائع بل ان الدولة هي التي تفرز السلطة والحكومة، والحكومة لا تصنع الدولة أبداً.
٭ هذه كلمات جاءت في الغلاف الخلفي لكتاب الصحافي الراحل سالم أحمد سالم وكتابه جعل له اسم (الطريق إلى الدولة تحليل الأزمة.. النموذج السوداني).
٭ وقفت كثيراً عند الكلمات أعلاه قبل أن أبدأ القراءة من الصفحة الأولى? الكتاب جاء في 782 صفحة من الحجم الصغير.. ولكنه كان بحثاً ممتعاً بأسلوب أدبي منساب عن موضوع صعب ومتشعب المسالك.
٭ المؤلف تحدث عن الحضارة والتاريخ كمدخل لفهم بناء الدولة والتي قال ان مفهومها يتعرض للخلط في زماننا هذا لاسيما في العالم الثالث يقول (عندما أقرأ كتاباً في التاريخ ان أشاهد قطعة أثرية أو أزور معلماً تاريخياً في أي مكان في الأرض.. أحاول دائماً معرفة ان كان لهذه المعلومة أو القطعة الأثرية أو هذا البناء التاريخي أي أثر في حياتنا المعاصرة.. شكل البناء التصميم الهندسي الرسمي والنحت والتذوق الفني والأدب أو أنظمة الحكم والعلاقات الاجتماعية والروحية إلى غير ذلك من أسباب المقارنات التي أحاول أن أتعرف من خلالها على مدى التقارب أو الترابط بين واقعنا المعاصر وبين تلك الحضارات القديمة ولأتعرف على درجات التطور التي أحدثها الانسان في جوانب الحياة على مر العصور.
٭ المؤلف يعكس على أن حلقات التاريخ ليست مفككة ولا معزولة عن بعضها البعض وهذا ما يستوجب التعرف على التاريخ واستيعاب أحداثه.. بل ويؤمن بأن هذا واجب انساني يمكن من ربط التاريخ بالحياة المعاصرة يقول: ان التأمل في اثار الحضارات السابقة يضعنا في معظم الأحيان أمام انجازات حضارية قديمة تبدو لنا غريبة ومثيرة للدهشة واطلاق التساؤلات التي تكاد تنكر على بناة الحضارات القديمة ما توصلوا إليه من علوم وتقنيات وفنون وأعتقد ان السبب في ذلك يعود إلى النظرة التراتبية التي يوليها أهل كل عصر إلى العصور التي سبقتهم حيث يرى أهل كل عصر أنهم يفوقون جميع الحقب التي سبقتهم في كل جوانب الحياة وبسبب هذه النظرة يعتقد المعاصرون انهم قد بلغوا شاواً من الحضارة لم يبلغه قبلهم بشر سواهم.
الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..