على وقع موسيقى الـ «هيب الهوب» الأفريقية.. جوزيف لاقو وقف لأربع ساعات في طابور طويل ليدلي بصوته.. الدولة المرتقبة .. هجين خيالي وسط ملموس واقعي

استمرأ جوزيف لاقو الوقوف لأربع ساعات في طابور طويل تحت أشعة الشمس الحارقة أمام مركز الاقتراع الرئيس وسط جوبا عاصمة جنوب السودان ليدلي بصوته. ومثل الأغلبية من الناخبين الجنوبيين البالغ عددهم نحو أربعة ملايين، كان لادو تواقا ليدلي بصوته لصالح الانفصال عن الشمال، وإنشاء الدولة الخامسة والثلاثين في أفريقيا.
كانت الأجواء مليئة بضجيج النشاط والخفة، نغمات موسيقى الـ«هيب الهوب» الأفريقية ترتفع من مكبرات الصوت، ونساء تطلقن الزغاريد وقبائل ترقص وتغني على وقع أصوات الطبول.
وفي المكان، يبدو الممثل جورج كلوني، ورجال سياسة جنوبيون يتنقلون من مقابلة إلى أخرى ويكررون العبارات نفسها لحشد من الصحافيين الذين تبدو عليهم علامات الرضى «إنه يوم تاريخي»، «لا للحرب ونعم للسلام»، «حكم حر ونزيه وشفاف». وأخيرا اقترب لاقو من الخيمة البيضاء حيث تم على طاولة ثقب بطاقته الانتخابية وعلى أخرى منح ورقة اقتراع مع التعليمات: بصمة إبهام بجوار صورة أيد متشابكة إذا كان يؤيد الوحدة مع شمال السودان، أو بجانب يد واحدة إذا كان يؤيد الاستقلال.
دس لاقو رأسه وراء الستار وخرج ليضع صوته في صندوقة الاقتراع قبل أن يضع موظف سبابته في زجاجة من الحبر الأزرق، وخرج من الخيمة تعلو وجهه ابتسامة عريضة، فصوته اليوم بالغ الأهمية، رغم كونه صوتا واحدا.
انفرجت أسارير لاقو وهو يخرج قائلا: «نحن الآن مستقلون»، إلا أن هذا الكلام ليس دقيقا تماما. فدخول نتائج الاستفتاء، الذي هو عنصر حاسم في اتفاق السلام عام 2005 الذي أنهى ما يقارب خمسة عقود من حرب مع الشمال، حيز التنفيذ سيستغرق ستة أشهر. هذه الحرب التي راح ضحيتها أكثر من مليوني شخص، شهدت الأعمال الأكثر دموية في أفريقيا.
ولكن الجنوب يجد نفسه في وضع جيد ولو على الورق فقط، فهو يحظى بدعم كامل من معظم المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة التي وعدت بالاعتراف الفوري والمساعدة. كما أن الجنوب يضم أيضا معظم النفط المكتشف في السودان الذي تبلغ عائداته مليارات الدولارات سنويا.
ويتزايد شعور الجنوبيين بالأمل، ويقول لاكو لادو ينكيجي: «أنا رجل عجوز الآن، نشأت في الحرب. نحن نتوق للاستقلال منذ عام 1947. نريد أن نكون وحدنا حتى نتمكن من الاهتمام بمواردنا الخاصة وإدارتنا الخاصة وأنفسنا. نحن مستعدون لكل ذلك».
غير أن كثيرا خارج السودان ليست لديهم هذه الثقة، ففور انتهاء الابتهاج، سوف تطرح تساؤلات جدية عن جدوى الجنوب كدولة جديدة. فأفريقيا في نهاية الأمر، شهدت ولادة العديد من الدول التي فشلت في الارتقاء إلى مستوى التوقعات مثل إريتريا، زامبيا، وزمبابوي، والقائمة تطول. لكن يبقى الأمل أن يثبت جنوب السودان خطأ تاريخ هذه القارة وخطأ المشككين.
وستكون الخطوة الأولى ترجمة الاستقلال إلى وحدة، فجنوب السودان هو مجموعة من عشر ولايات تمتد على منطقة شديدة التخلف بحجم تكساس، تسكنها مئات القبائل والعشائر التي تقسمها المصالح الخاصة وضيق الأفق.
وفي الوقت الذي دارت فيه حرب أهلية بين الجنوب غير المسلم والحكومة المسلمة في الشمال، شهد الجنوب اقتتالا عنيفا بين قبائله. لذلك فإن خلق مجتمع تعددي وحديث في الجنوب لن يكون أمرا سهلا.
وتتضح صعوبة كبح جماح شيوخ الشعائر وأمراء الحرب الصغار من خلال تمرد جورج آثور الجنرال السابق في الجيش الجنوبي الذي حمل السلاح في أبريل (نيسان) الماضي حين رفضت الحركة الشعبية لتحرير السودان، الجناح السياسي لجيش التحرير الشعبي، دعمه في محاولته حكم ولاية جونقلي أكبر ولايات جنوب السودان.
وتوصلت حكومة الجنوب لوقف إطلاق نار مع آثور في أوائل يناير (كانون الثاني) ولكن ليس قبل أن تشن الميليشيا التابعة له هجمات كر وفر ضد مرافق حكومية كان آخرها الشهر الماضي حين قتل 20 جنديا.
وسوف يحتاج الأمر إلى شخصية فذة تدعم التكامل السياسي في إدارة المصالح المتنافرة في الجنوب.
والرئيس الحالي لجنوب السودان سالفا كير، لا يملك إلا القليل من كاريزما القائد السابق لجيش التحرير الشعبي، جون قرنق، الذي رحل في حادث تحطم مروحية بعد وقت قصير من توقيع اتفاق السلام. ولكن كير والحركة الشعبية يسيطران تقريبا على كل جوانب العملية السياسية، وأوضحوا أنهم غير مستعجلين على الحكم التعددي.
وسيجلب الاستقلال أيضا توقعات بالمساءلة وهو أمر لا يبدو الجنوب مستعدا له على الإطلاق. ففي السنوات الخمس الماضية، اختلست مليارات الدولارات من عائدات النفط، إذ تم بناء بعض الطرق والمدارس، ولكنها أقل إثارة للاهتمام من السيارات الفخمة والقصور التابعة للمسؤولين الحكوميين والعسكريين. (في فترة سابقة تم تعيين محاسب لمعرفة مسار أموال هذه المشاريع لكن حكومة الجنوب أقالته في غضون شهر). وغض الجنوبيون والجهات المانحة الدولية حتى الآن النظر هذه التجاوزات ولكن الى متى؟.
ولكن فوق كل ذلك، لا يزال هناك خطر وقوع حرب جديدة مع الشمال. فعلى الرغم من الحكومة الائتلافية التي ولدت من اتفاق السلام عام 2005، إلا أن العلاقة بين الشمال والجنوب هشة. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، استعد الجنوب لتجدد الصراع الذي يعتقد كثيرون أنه سيأتي مع الاستقلال، وشملت الاستعدادات شراء كمية كبيرة من الأسلحة وزرع ألغام جديدة على طول الحدود بين الجنوب والشمال.
وسعى الرئيس السوداني عمر حسن البشير، إلى تبديد المخاوف من وقوع حرب بين الطرفين عبر زيارة للجنوب الاسبوع الماضي تعهد فيها بحسن نية حكومته والدعم في المستقبل. ولكن الشكوك لا تزال قائمة بين الجنوبيين.
ويفصح مسؤول جنوبي: «من المؤكد أن الشمال سيكون مشكلة»، مضيفا «أقدم رئيسهم على لفتة طيبة عندما جاء إلى هنا ولكن هذه كانت فقط كلمات وليست أعمالا».
ولكن إذا وضعنا المشاعر العامة جانبا، من غير المحتمل أن يبدأ الشمال القتال من جانب واحد. ويبدو أن النخبة الحاكمة في الخرطوم تصالحت مع فكرة خسارة الجنوب، وأن اعتماد الجانبين على بعضهما البعض لاستغلال النفط في السودان يوفر حافزا قويا للسلام.
من جانبها، وعدت واشنطن بمكافأة لم تحددها للخرطوم على حسن السلوك. ويرجح أن تكون الخطوة الأولى إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهي تسمية قديمة تعود إلى منتصف تسعينيات القرن الماضي عندما استضافت الحكومة أسامة بن لادن. وقد تتبع ذلك علاقات دبلوماسية كاملة ورفع العقوبات الاقتصادية، وبالنسبة لبلد يعتمد على النفط، فإن ضم السودان إلى مجتمع الدولار هو حافز قوي لذلك.
ولكن يبقى هناك بعض المسائل المشتعلة، لا سيما الأراضي المتنازع عليها في أبيي، وهي منطقة غنية بالنفط يتنازع عليها الشمال والجنوب. فالتوتر المستعر منذ فترة طويلة بين القبائل العربية والأفريقية هناك تحول إلى نزاع مسلح أكثر من مرة.
وفي اليوم الأول من الاستفتاء الجنوبي، أسفر اشتباك وقع في المنطقة عن مقتل عشرة أشخاص. وهناك سلسلة من المساعي الدبلوماسية لتهدئة المخاوف من اندلاع حرب. أضف ذلك إلى أنه في السودان، يمكن أن تتحول الصراعات القبلية المحلية بسرعة إلى حروب كبيرة. ولكن الآن، يكفي أن العديد من الجنوبيين سيحققون حلمهم برؤية دولتهم الخاصة.

عكاظ

تعليق واحد

  1. يجب ان نتحدث عن ما يجري الان بعقلانية اكثر بحيث لا ننظر لامر الانفصال بحسابات النصر و الخساره لا يوجد عاقل في الدنيا يرى خيرا في تشتت الشعوب لكن ما يحدث في جنوب السودان هو شيء يمثل راحه نفسيه لأبناء الشمال و الجنوب فهذا حق لهم الخساره التي يتحدث عنها من ناحيه النفط مرفوضه بحسابات المنطق فذهاب 80 بالمئه منه لا يعني شيئا للاتي
    1- ايجار برميل النفط وعبوره عبر شمال السودان اذا كان ب8 دولارات للبرميل وفرضنا سعره الان 80 دولار فهذا يعني 10 بالمئه من فائدته ذاهبه للشمال
    2- منصرفات الوحدات الحكوميه الاتحاديه بالجنوب و الامن والجيش والشرطه وكافه القوات النظاميه الاخري توفر لخزينة الخرطوم ما توفره
    3- منصرفات الولايات العشر الجنوبيه والمناصب الدستوريه الاتحاديه والولائيه والمناصب الدبلوماسيه واعضاء البرلمان القومي والبرلمانات الاتحاديه توفر ما توفره لخزينه الخرطوم
    4- توفر الجو الامن للاستثمار بالشمال
    لكل اعلاه نجد ان حكومه الخرطوم لن تخسر شيئا بذهاب النفط علينا ان نتحدث عن فشل النخب السودانيه في الخروج من ازمتنا الحقيقيه وهي التعريف بهويه الامه و فشلهم في ايجاد طريقه مناسبه توفر العيش الكريم و التمازج والتزاوج و التلاحم بان نعالج اصل مشاكل تخلفنا التعليمي و الفكري و الثقافي ……الخ بعيدا عن حسابات الرفض والخساره

  2. يا زول لمن البترول حق السودان كلو ما استفدنا منو اسه وقت بقي حق الجيران تقول نستفيد من الايجار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..