عامان على رحيل الترابي

الراحل حسن الترابي لعب دوراً محورياً في حقلي السياسة والدين , في الحقبة التاريخية للدولة السودانية الحديثة فيما تلى خروج المستعمر , اتفق الناس حول شخصيته المثيرة للجدل او اختلفوا , يعتبر ظهوره في منتصف الستينيات مع ثورة اكتوبر والتماع نجمه , بمثابة الايذان ببداية عهد جديد لانشطة ساس يسوس في السودان , فبصرف النظر عن دوره الرئيس فيما نحن فيه اليوم من مآسي , الا اننا يجب ان نلقي على مسيرته نظرة محايدة اعمالاً لمبدأ النقد البناء , فنحن السودانيون عاطفيون للحد البعيد , وتلك خصيصة سالبة اقعدتنا عن التقدم و الالتحاق بركب الامم المتحضرة , لاستحواذ هذه العاطفة على تفكيرنا عندما نقوم بانتقاد تجاربنا الحياتية , فانا هنا سوف القي بعض البصيص الخفيض من الضوء على دور هذا المفكر و الفقيه السوداني , وتأثيره في الحياة السياسية و الدينية في البلاد , بعيداً عن النظرة التقليدية لمعارضيه الذين لا يطيقون حتى سماع اسمه , فبطبيعة الحال ان اصحاب العواطف الجياشة لا يقرؤون التاريخ بحيادية , وبالتالي لا يستطيعون بناء الاوطان , فلو كان هنالك مردود ايجابي للمشاعر الانفعالية الغاضبة و السالبة , لكانت اناشيد (في حماك ربنا في بسيل ديننا) قد شيدت لنا الامجاد وبنت لنا السؤدد , و بسطت لنا كل اسباب الرفاه بعد مرور هذه السنين الطوال , فالدكتور حسن الترابي ابن القاضي والموظف الحكومي العادي , قد شق طريقاً صعباً في ذلك الزمان , الذي كانت فيه الساحة السياسية ضاجة بفطاحلة رموز السياسة و الخطابة و الفكر , من امثال الاديب والسياسي المحنك محمد احمد المحجوب والمفكر الاستاذ عبد الخالق محجوب , لقد كان من الممكن جداً ان يكتفي حسن الترابي بدوره الاكاديمي , كما فعل غيره من خريجي السوربون و الجامعات الاوربية , و يعتلي ماشاء له ان يعتلي من المناصب الاكاديمية و البحثية , لكنه آثر خوض غمار معترك السياسة من منظور ديني , وليس هو السياسي الوحيد الذي ادخل الدين في شئون السياسة و الحكم , فقد سبقه الى ذلك كل من الامام عبد الرحمن المهدي و السيد علي الميرغني و الاستاذ محمود محمد طه , لكن ما ميز الترابي عن هؤلاء انه جاء بالجديد من الآراء , التي تعتبر قفزة كبيرة في علوم الفقه الاسلامي , فهو يكاد يكون العالم الاسلامي الاوحد الذي حسم ذلك الجدل الفقهي الذي استمر طويلاً , في مناقشة قضايا من شاكلة زواج المسلمة من كتابي , و إمامة المرأة للمصلين , و عدم جواز قتل المرتد.
ان حركة التاريخ لا تتوقف بموت فرد مهما بلغ من شأو و رجاحة عقل , لكن هذا الفرد يمكنه ان يساهم بريشته في رسم بعض من ملامح مستقبل امته و شعبه , ما فعله الترابي انه اجرى عملية جراحية مستعجلة وجريئة لاستئصال داء عضال ظل مستشري في جسد وكيان الامة السودانية الى يومنا هذا , الاوهو ازمة الحكم , فهذه الجراحة برغم اسهامها الكبير في تشتيت وبعثرة هذه الطاقات البشرية و المادية لهذا الكيان , الا انها نقلت السودانيين الى موقع المعركة الحقيقي في غضون سنوات قلائل من خروج المستعمر من البلاد , تلحظ هذا في المشروع الاسلامي الذي تبناه وهو في الواقع مشروع ضرار , مثله مثل مسجد الضرار الذي هدمه رسلونا الكريم عليه افضل الصلوات واتم التسليم , والذي كان يستهدف دعوته و ينافس جماعته و يجعل من المسلمين فرقتين , الامر الذي ان حدث لعصف بمشروع الدعوة المحمدية من اساسه , بعكس حالة المشروع الضرار لحسن الترابي الذي نجح فيه نجاحاً كبيراً , ذلك لقيام مشروعه هذا باضعاف اكبر طائفتين اسلاميتين في البلاد , الختمية و الانصار , فاقعد طموحهما السياسي في مسلكهما وسعيهما الانتقائي والحثيث الى عملية تداول كرسي الحكم في البلاد , ومحاولتهما جعل تداوله حصراً لابناء السادة من هاتين الطائفتين , فانشأ الترابي جماعة منطلقة من ذات المسوغ السياسي وهو استغلال الدين لتحقيق مشروعه الهادف للوصول الى السلطة , ذلك الاستثمار الذي وجد ارضاً خصبة , وشعباً مشبعاً فطرياً بحب العبادة والوله لملاقاة رب العباد , الحافز الذي افتقده وافتقر اليه اليساريون , مما ادى الى فشلهم في تجنيد وتجييش و حشد مثل هذا الشعب , فاصبحوا مجموعة من النخب والاكاديميين و الشعراء و الكتاب و المنظرين , يعيشون في ابراج عاجية عالية منفصلين عن الغبش والكادحين , مبتعدين عن الحطّاب و الجزار و البواب و الخفير و السائق و الترزي و صاحب الدكان وبائعة الشاي , بخلاف الترابي و جماعته الذين نجحوا في الوصول الى شلليات الانس في بيوت القمار , والمتبطلين و المتسكعين في جنبات الطرقات , وفي الارصفة والازقة المشبوهة في حواري مدن السودان بطوله وعرضه.
حسن الترابي كشف الوجه الخفي للوجدان السوداني الموبوء بامراض العنصرية و الاستعلاء العرقي , وذلك باتاحته لتلامذته الذين جاؤوا من كل بقاع السودان حرية التنافس فيما بينهم , في السباقات الانتخابية للحصول على المواقع التنظيمية داخل اروقة الحزب قبل الانقلاب , وفي الوظائف الدستورية والحكومية بعد الانقلاب عندما طبقوا سياسة التمكين الظالمة و المجحفة , فبرز هذا الداء العضال بعدما قُتل النائب الاول الاسبق الزبير محمد صالح , وشغر منصب الرجل الثاني في الدولة , وتسيّد المشهد السياسي آنذاك احتمالية ارتقاء الدكتور علي الحاج محمد لملأ الشاغر الدستوري الرئاسي , المتمثل في حقيبة النائب الاول لرئيس الجمهورية , فكانت العاصفة الجهوية الهوجاء التي أودت بالتنظيم السياسي ذائع الصيت , الذي أسسه وبناه الدكتور حسن عبد الله الترابي , الجبهة الاسلامية التي رعاها ودارى على شمعتها من الانطفاء منذ ان كان فتىً غض الاهاب , فاصطدمت سفينته بصخرة الاستعلاء العرقي و امراض الجهة و القبيلة , و ضاعت تعاليم حسن البنا و سيد قطب , وتطايرت معها الكتيبات التي مهروها بمفردات ومعاني و قيم الاحاديث النبوية الشريفة , الحاضّة المسلمين على الاستمساك بحبل الله المتين , فاعتكف الترابي في بيته بالمنشية و نصح تلامذته بان لا يصعدوا الامر , درءاً للفتنة وخوفاً من ضياع السلطة التي قاتلوا في سبيلها قتالاً عنيفاً حتى ادركوها.
من اكبر عيوب الراحل و مناقص رؤيته الفكرية , تبنيه للدين كايدلوجية سياسية لمعالجة ازمات قطر به تعددية دينية , اذ كان المسيحيون في هذا القطر يمثلون نسبة كبيرة من اجمالي عدد السكان , الأمر الذي ادى الى ازدياد وتيرة الحرب الاهلية و تحويلها الى حرب دينية عمّقت الجراح بين ابناء الوطن الواحد , مما سهّل وعجّل بانتشار مشاعر الكراهية بين سكان جنوب البلاد ومواطني شمالها , ومن ثم انفصال الشعب و الدولة الى شعبين ودولتين شبه فاشلتين , وايضاً من اكثر الاضرار التي لحقت بالبلاد في عهد الدكتور الترابي دخول اكثر الجماعات المتطرفة اسلامياً الى السودان , وعمله الدؤوب على تهيئة الخرطوم لان تكون حاضنة و مفرخة لعتاة الاجرام في العالم , الامر الذي ذهب باموال الشعب المسكين لخدمة قضايا لا تمت الى مصالحه بصلة , تحقيقاً لاجندات روابط اسلامية عالمية اتخذت من الدين ذريعة للوصول الى اهداف غير مشروعة ولا انسانية.
بوفاة الترابي في الخامس من مارس من العام 2016 , فقدت الشاشات البلورية تلك الضحكة الساخرة , و ذلك السياسي الكاريزمي اللبق اللماح و الدرامي , الذي ظل حضوره فاعلاً لمدى نصف قرن من الزمان في المحافل والفعاليات السياسية داخل البلاد وخارجها , فرغم المآخذ التي يأخذونها عليه فيما يتعلق بآرائه وطرائق تعاطيه مع قضايا الشأن السوداني , الا انه ظل معارضاً شرساً لجميع انظمة الحكم المتعاقبة , وقضى جل حياته متواجداً في الضفة الاخرى للانظمة الحاكمة , حتى ابنائه في تنظيمه الحزبي الذين رفعهم من حضيض المجتع الى اعلى مراتب السلطة , ايضاً وقف ضدهم و عارضهم عندما رأى غير الذي يرون , ولكأنه قد خلق ليكون مختلفاً عن الناس في كل شيء , ما يثير التساؤل هو لماذا لم يقم مقدم البرنامج الشهير (اسماء في حياتنا) الاستاذ عمر الجزلي بتوثيق حياة هذا السياسي السوداني الالمعي ؟؟ الا رحمه الله رحمة واسعة و اسكنه فسيح جناته مع الصديقين و الشهداء و الصالحين.
اسماعيل عبد الله
[email][email protected][/email]
بالله عليك ماهو الشئ المفيد الذى قدمه الترابى للسودان ولا شئ غير اسوء عهد مر على السودان فبالله عليك ما تعمل لينا موضوع بلاء يخم الكيزان
بالله عليك ماهو الشئ المفيد الذى قدمه الترابى للسودان ولا شئ غير اسوء عهد مر على السودان فبالله عليك ما تعمل لينا موضوع بلاء يخم الكيزان
تبا له
وصف محمد اركون كتاب الترابي الاخير الذي ظن الكيزان انه علامة فارقة وصفه محمد اركون بأنه كتاب تقليدي من مفكر تقليدي وليد ظرف الحشود التي تولدت منها حشود المد القومي وبعد فشلها جاءت حشود الصحوة الاسلامية وكلها اوردت العالم العربي والاسلامي موارد الهلاك. الترابي لا يخرج من دائرة انه قد وضع الفكر الاسلامي خارج التاريخ بل يحكم على التاريخ بالايمان والتقديس والتبجيل وكلها نتاج الايمان التقليدي بفكر لاهوت القرون الوسطى اي يقابل مسيحية ما قبل الاصلاح لذلك في نظر محمد اركون الترابي من بين كثر زرعوا الجهل المقدس و الجهل المؤسس وقد أدي ذلك لمحاربة العقلانية وابداع العقل البشري في نظر العقلانيين العرب ولكن في السودان كمجتمع تقليدي للغاية مازال من يعتقد ان الترابي مفكر في ظل زمن اصبح فكر الترابي تمجيد لماضي حاضر بايمان تقليدي لا يتماشى مع عقلانية الحداثة التي قد فارقت الفكر الديني وقد اصبحت قوة النقد نتاج النقد الثقافي اول اولوياتها ابعاد الدين عن السياسة والاجتماع والاقتصاد وقطعا هذا البعد الغائب في مشهد الفكر في السودان كبلد مازال شعبه في اصراره لكي يكون آخر حراس الشعلة المقدسة اي غائية الفكر الديني في محاولة تجميل لاهوت القرون الوسطى من بينهم نجد من يصر على ان هناك فرصة للحديث عن الوسطية في الدين و الاعتدال وكلها اوهام سببها غياب العقل ومحاربته من قبل من يزعمون انهم قادة الفكر في السودان فهم يكتبون بروح الاديب والمثقف راجل الدين وقطعا تكون النتيجة السقوط في فخ الايدولوجيات التي تحب السقوط في غياهب الغيب كحالة فكر الحركات الاسلامية والنتيجة بؤس معاش كحال الشعب السوداني اليوم في الفكر الاصولي واستحالة التأصيل كما كان يردد محمد اركون في نقده لفكر امثال الترابي.
تبا له
وصف محمد اركون كتاب الترابي الاخير الذي ظن الكيزان انه علامة فارقة وصفه محمد اركون بأنه كتاب تقليدي من مفكر تقليدي وليد ظرف الحشود التي تولدت منها حشود المد القومي وبعد فشلها جاءت حشود الصحوة الاسلامية وكلها اوردت العالم العربي والاسلامي موارد الهلاك. الترابي لا يخرج من دائرة انه قد وضع الفكر الاسلامي خارج التاريخ بل يحكم على التاريخ بالايمان والتقديس والتبجيل وكلها نتاج الايمان التقليدي بفكر لاهوت القرون الوسطى اي يقابل مسيحية ما قبل الاصلاح لذلك في نظر محمد اركون الترابي من بين كثر زرعوا الجهل المقدس و الجهل المؤسس وقد أدي ذلك لمحاربة العقلانية وابداع العقل البشري في نظر العقلانيين العرب ولكن في السودان كمجتمع تقليدي للغاية مازال من يعتقد ان الترابي مفكر في ظل زمن اصبح فكر الترابي تمجيد لماضي حاضر بايمان تقليدي لا يتماشى مع عقلانية الحداثة التي قد فارقت الفكر الديني وقد اصبحت قوة النقد نتاج النقد الثقافي اول اولوياتها ابعاد الدين عن السياسة والاجتماع والاقتصاد وقطعا هذا البعد الغائب في مشهد الفكر في السودان كبلد مازال شعبه في اصراره لكي يكون آخر حراس الشعلة المقدسة اي غائية الفكر الديني في محاولة تجميل لاهوت القرون الوسطى من بينهم نجد من يصر على ان هناك فرصة للحديث عن الوسطية في الدين و الاعتدال وكلها اوهام سببها غياب العقل ومحاربته من قبل من يزعمون انهم قادة الفكر في السودان فهم يكتبون بروح الاديب والمثقف راجل الدين وقطعا تكون النتيجة السقوط في فخ الايدولوجيات التي تحب السقوط في غياهب الغيب كحالة فكر الحركات الاسلامية والنتيجة بؤس معاش كحال الشعب السوداني اليوم في الفكر الاصولي واستحالة التأصيل كما كان يردد محمد اركون في نقده لفكر امثال الترابي.