أخبار السودان

تناقض في الأقوال والأفعال

بسم الله الرحمن الرحيم

د.سعاد إبراهيم عيسى

من الملاحظ أن الإنقاذيين يصورون الواقع كما تهوى أنفسهم, ويتوقعون من الآخرين بل يفرضون عليهم, أن يرونه كما أرادوا هم, بل ويقتنعون بما يروا دون أدنى شك أو ريبة. أما إن أراد احد أن يكشف عن رؤيته الحقيقية, فسيتم سلقه بالسنة حداد.
فالأجواء لا زالت ملبدة بغيوم الحوار الوطني, الذي ما تم تحديد موعد للانتهاء من أي جانب من جوانبه, ألا وتم تأجيله لموعد آخر. وهى الصفة التي ظلت ملازمة لكل خطواته, الأمر الذي جعله يتمدد لكل هذه السنوات, والمدهش أن تأكيد الوصول إلى نهايته لا زال في علم الغيب.

بالطبع كان منتظرا, وقد قضى الحوار كل هذا الوقت, أن يكون قد تم حسم كل خطوات تنفيذ مخرجاته, من تحديد لمطلوبات ذلك التنفيذ, ومن رصد لتواريخ الانتهاء منها, وباتفاق تام بين المتحاورين, بينما الواقع يكشف, بجانب الاختلاف في الرأي بينهم, فان عملية التنفيذ ذاتها أصبح القطع بتاريخها مبهما, إذ ما حان الوقت الذي حدد لها حتى تم تأجيله.

فقد تم الإعلان منذ وقت مضى, بان الحكومة الجديدة المسماة بحكومة الوفاق الوطني والتي حددها الحوار, سيتم إعلانها في اليوم العاشر من يناير 2017م. وانتظر المواطنون ليروا الجديد فى تلك الحكومة كأول مدخل للوقوف على ما هو الجديد الموجب الذي أتى به ذلك الحوار كما يدعون. فجاء ذلك التاريخ ومضى, ولا زال الجدل محتدما, حول كيفية تشكيل تلك الحكومة,
السيد وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة, يبرر تأخير إعلان الحكومة الجديدة, لان التحول من حكومة الوحدة الوطنية إلى حكومة الوفاق الوطني ليس بالأمر السهل, ولا نعلم ما هي الصعوبة في تغيير أسم الحكومة, من حكومة وحدة وطنية إلى وفاق وطني , خاصة لا يوجد اختلاف بين الحكومتين من حيث التركيبة ذات القاعدة العريضة, بجانب الاحتفاظ بغالبية العضوية القديمة, بل وبجميعها بالمجالس التشريعية.

كما يقول سيادته بان التحول يحتاج إلى تعديلات دستورية, والى تعديل في قانون الانتخابات وتغيير في دساتير الولايات, فتسال سيادته إن قد تم اكتشاف كل ذلك في العاشر من يناير التاريخ الذي حددتموه بإرادتكم دون غيركم, كما وفى الوقت الذي يحدد فيه سيادته بان إعلان الحكومة المنتظرة يحتاج إلى شهر لفعله, يعلن من جانب آخر, السيد حسبو محمد عبد الرحمن, في لقاء له بجماهير الجزيرة بان ألأيام القليلة القادمة ستشهد تشكيل حكومة الوفاق الوطني.

ولعل اكبر خطأ تم ارتكابه في شان الاختيار لتلك الحكومة هو ربط الاختيار للمشاركين فيها بمن شاركوا في الحوار الوطني. الأمر الذي أعطى كل المشاركين أملا في أن يحظوا بذلك الاختيار. وهو الأمر الذي عقد ولا زال يعقد عملية الوصول إلى نهاية مسلسل الحوار.

لكن السيد عبد الملك البرير, رئيس القطاع السياسي بالحزب الحاكم, ينفى الاعتماد على المشاركة في الحوار كمؤهل للمشاركة في حكومته, إذ ربط الاختيار للحكومة الجديدة بمعايير محددة, على رأسها الكفاءة والتأهيل العالي, ثم دعا الأحزاب المشاركة في الحوار, بان تلتزم في اختيارها للمشاركين من عضويتها, بتلك المعايير, وهو الأمر الذي كان مطلوبا الالتزام به منذ البداية كأساس للاختيار يعلو على المشاركة في الحوار الوطني.

ومع الأخذ في الاعتبار, أن دعوة الحوار الوطني كانت لأجل معالجة مشاكل السودان وعلى رأسها بالطبع, المشكل الاقتصادي وتحقيق السلام. وبغض الطرف عن السلام الذي لا زال مستعصيا على الحلول, فان المشكل الاقتصادي يبدو انه في طريقه إلى المزيد من تعقيداته.

ففي الوقت الذي ينتظر فيه خفض نفقات الحكومة, يبشر الناطق الرسمي باسمها, بأن ميزانية القادمين الجدد للحكومة لا (تتعدى) 15 مليونا من الدولارات في العام, ويرى سيادته أن ذلك المبلغ لا يعنى شيئا, خاصة وهو يصف نظام الحكم بالسودان بأنه الأكثر بؤسا في الصرف مقارنة بأنظمة أخرى. وبعد ده كله.

ولا ندرى إن كانت هنالك أنظمة حكم أخرى تفعل ما يفعله النظام ألانقاذى الحالي, ففي الوقت الذي يقول سيادته بأن مجلس وزراء حكومته, يضم 31 وزيرا حاليا, لا أظن أن حكومة أخرى تملك ذلك الكم الهائل من الوزراء, لم يمنع ذلك حكومته من السعي لزيادتهم, باستحداث وزارات جديدة وصفها بأنها (لمهام معينة), وضرب مثلا لذلك, بوزارة اسماها (شئون البرلمان). فما هي شئون البرلمان التي تخلق لها وزارة خاصة للاضطلاع بها؟ فقد تعودنا على ابتداع الوزارات في اظار توسيع قاعدة المشاركة,حيث تم تشطير بعض الوزارات إلى شطرين للمزيد من فرص الاستوزار.

وللمزيد من التدليل على بؤس صرف الحكومة الحالية, يقول وزير الأعلام بأنه وهو وزير, لا يتعدى مرتبه الشهري 600 دولارا, كم ولا يتعدى مرتب رئيس الجمهورية 1200 دولارا, ولم يقل سيادته كم يساوى ذلك بالجنيه السوداني أولا, بل ولم يفصح عن مخصصاته الأخرى التي في وجودها تتم حصانته من الكثير جدا من المشاكل الاقتصادية التي يشكوا منها المواطنون.
ولتكتمل صورة البؤس التي يعلنها السيد الوزير, لماذا لا يفصح سيادته عن مرتب العامل أو الموظف بالدولار أيضا, حتى يرى البؤس على حقيقته. ولمزيد من العلم فان الحد الأدنى لأجر العامل ببلد الدولارات, الولايات المتحدة الأمريكية, في حدود 8 دولارا للساعة الواحدة, فالذي يعمل ثمان ساعات في اليوم مثلا ويتقاضى بموجبها 64 دولارا في اليوم, فان مرتبه قد يعادل مرتب رئيس الجمهورية في الشهر. تقريبا. ولا نكشف عن بؤس ما يتقاضى المعاشيون بالدولار حيث لا يصل معاش احدهم في الشهر مرتب العامل الامريكى في اليوم الواحد.. فما الحكمة في المقارنة بين حالنا وغيرنا من الدول ودون وجود أي تشابه في اى جانب تبيح ذلك؟
أما القول بان الناس استكثروا عليهم, اى وزراء الحكومة, العربة (الكامرى) التي يقول سيادة الوزير بأنها تستعمل في كل دول الجوار عربة أجرة, فهل انتم مثل تلك الدول من حيث الإمكانات التي تجعل تلك العربات أجرة؟ ولماذا لا تستكثر عليكم ما دام غالبية المواطنين لا يجدون حتى وسائل المواصلات العامة ميسرة. ثم ما الذي منعكم من أن تصبحوا مثل دول الجوار تلك, وكانت البلاد مهيأة لذلك لولا الفساد الذي اقعد بها. وعليه , (كل واحد يمد رجلينه على قدر لحافه).

وتناقض آخر حسده السيد وزير الداخلية عندما أكد بان تأشيرة الخروج قد ألغيت تماما, وكل المطلوب من المواطن إن يحصل على ما أسموها شهادة (استيفاء) حددها بمبلغ ثلاثة ونصف دولارا, لا حظوا انه الأيام دى التقديرات أصبحت بالدولار, وقد تناولنا هذه الشهادة أو الوثيقة من قبل سابق وقلنا بأنه لا يجوز فرضها على كل المواطنين ما دام يكفى أن توضع أسماء من يراد حظرهم لأي أسباب تستلزم ذلك بالمطار. أما أن يستوفى مواطن تلك الشروط ويحصل على تلك الشهادة, ورغم ذلك يتم منعه من مغادرة البلاد, فهذا ما يلزم تفسيره.

لقد جاء بالاسافير خبر يقول بان الدكتور أمين مكي مدني, وهو في طريقه إلى القاهرة لإجراء عملية زراعة كلى, وبعد وصل مطار الخرطوم لأجل المغادرة للقاهرة, احتجزت سلطات الأمن بالمطار جوازه سفره وإخطاره بأنه ممنوع من المغادرة. وكما جاء في الخبر فان الرجل كان محمولا على كرسي متحرك, دليلا على مرضه وحاجته الملحة للمغادرة, إضافة لكل الوثائق الطبية المعززة لذلك, ولكنها لم يشفع له جميعها لدى السلطات الأمنية فحرمته من حقه في العلاج..

فنسال وزير الداخلية عن هذا التناقض العجيب, إذ ما قيمة شهادة الاستيفاء هذه أن كانت لا تسمح لحاملها بالسفر, وبالطبع لا أظن أن السيد أمين مكي مدني, قد وصل المطار دون الحصول على تلك الشهادة, وحتى إن فعل, فأين الإنسانية واحترام حقوق الإنسان التي تسمح بالتقاضي عن مثل تلك الحالات من أجل تحقيق هدف أسمى, الحفاظ على حق الإنسان وخاصة حقه في الحياة, الذي سعى إليه السيد أمين مكي مدني وحرمته السلطات الأمنية منه.

وما دام الشيء بالشيء يذكر, ولمجرد المقارنة بين مدى احترام حقوق الإنسان بالسودان والحاثة أعلاه مثالا, وبينها وبالولايات المتحدة الأمريكية. فقد تناولت بالكثير من وسائل الإعلام الخارجية المختلفة قصة الدبلوماسي السوداني الذي قيل بأنه قد تحرش جنسيا بامرأة أمريكية بإحدى قطارات المترو. وإنا لست بصدد إدانة أو تبرئة الرجل, بل فقط بصدد الكشف عن مدى احترام حقوق الإنسان هنالك, وخاصة حقوق النساء. خبث يعتبر التحرش الجنسي يهن من اكبر الجرائم التي يعاقب عليها مرتكبوها.

لقد ذكر الرجل, وهو يسعى لتبرئة نفسه من تهمة التحرش, بأنه وبسبب التدافع الذي يحدث بين المواطنين داخل القطارات, قد تم دفعه من الخلف فاصطدم بالمرأة التي تقف أمامه, وان كان الأمر كذلك, فهل اعتذر سيادته لتلك المرأة عن الاصطدام غير المقصود بكلمة ( sorry ) المستعملة دائما في مثل هذه الحالات؟ وقطعا إن فعل لانتهت القصة عند هذا الحد. لكن بما انه ليس من ثقافة الغالبية العظمى من السودانيين, ولا من سلوكهم, أن يعتذروا عن فعل فعلوه يستوجب العذر, أو يشكروا على أمر حصلوا عليه, يستوجب الشكر, أو يستأذنوا لكي يسمح لهم بفعل أرادوه. فلا تعجب إن لم يفعل خاصة وانه لم يورد ذكرا لذلك الاعتذار في تبرئة نفسه.

وزارة الخارجية أرادت أن (تدغمس) القصة, فأوردت في إعلانها أن الرجل ليس دبلوماسيا ولكنه من الطاقم المصاحب, والخبر الذي انتشر وعم القرى والحضر, لم يقل أن الرجل من طاقم السفارة, إنما فقط دبلوماسيا يحمل ما يثبت ذلك, الأمر الذي بموجبه قد تم إطلاق سراحه. ولعل الوزارة تعلم بان أي فعل سالب من أي من العاملين بها إنما يسئ للسودان بأسره وليست للسفارة وطاقمها,

أخيرا, تكرم الرئيس باراك اوباما برفع العقوبات الاقتصادية التي انزلها على السودان,والتي كانت الشماعة الرئيسة التي تعلق عليها كل أخطاء وإخفاقات المسئولين, فنتمنى أن يصبح رفعها الرافعة الرئيسة لمختلف العقوبات التي ظلت تتنزل بموجبها على رأس الشعب السوداني. ونحمد للرئيس اوباما أن حصن رفعها باختبار الستة أشهر الذي بمدى النجاح فيه تتم استمراريتها.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. وانت قمت بانقلاب في ليلة واحدة غيرت الحكومة …لكن حكومة الوفاق بقت صعبة..صعبة ولا مرض الcankashology

  2. ليس السودان هو ذاك السودان قبل رفع العقوبات الامريكية خصوصا ان الادارة الامريكية وضعت السوط مسلطا على ظهر حكومة المؤتمر الوطني بالتالي تكون قد ضيقت عليها حلقة المناورات وتلك التصرفات المتناقضة التى لم تكن تتورع في تطبيقها في حق الشعب السوداني دون حسيب او رقيب تحت ظل تغييب كامل للقانون والدستور والعرف والتقاليد الانسانية والسودانية .
    اول الاختبارات وهو ما تتناقله المواقع الاسفيرية لشباب العصيان (مناضلي الكيبورد) بانهم بصددةاطلاق الباقة الثالثة من العصيان بعداكتمال دعم عملية العصيان بتكتيكات وتقنيات جديدة غير مسبوقة ومفاجئة في كل جوانبها لحكومة المؤتمر الوطني وسيكون هذا اول اختبار ستمر به حكومة المؤتمر الوطني وامريكا على الخط تراقب وترصد كل شئ وصوت شباب العصيان كما ذكروا اصبح حاضرا وموجودا في واشنطن ونيويورك ساعة بساعة وحقيقة انه اول واخطر الاختبارات على الاطلاق لعملية رفع العقوبات الامريكية بما ان هذا العصيان هو حق دستوري نص عليه الدستور السوداني ونصت عليه مواثيق الامم المتحده التى صادقت عليها دولة السودان فاصبحت ملزمة لاي حكومة بالسودان

  3. وانت قمت بانقلاب في ليلة واحدة غيرت الحكومة …لكن حكومة الوفاق بقت صعبة..صعبة ولا مرض الcankashology

  4. ليس السودان هو ذاك السودان قبل رفع العقوبات الامريكية خصوصا ان الادارة الامريكية وضعت السوط مسلطا على ظهر حكومة المؤتمر الوطني بالتالي تكون قد ضيقت عليها حلقة المناورات وتلك التصرفات المتناقضة التى لم تكن تتورع في تطبيقها في حق الشعب السوداني دون حسيب او رقيب تحت ظل تغييب كامل للقانون والدستور والعرف والتقاليد الانسانية والسودانية .
    اول الاختبارات وهو ما تتناقله المواقع الاسفيرية لشباب العصيان (مناضلي الكيبورد) بانهم بصددةاطلاق الباقة الثالثة من العصيان بعداكتمال دعم عملية العصيان بتكتيكات وتقنيات جديدة غير مسبوقة ومفاجئة في كل جوانبها لحكومة المؤتمر الوطني وسيكون هذا اول اختبار ستمر به حكومة المؤتمر الوطني وامريكا على الخط تراقب وترصد كل شئ وصوت شباب العصيان كما ذكروا اصبح حاضرا وموجودا في واشنطن ونيويورك ساعة بساعة وحقيقة انه اول واخطر الاختبارات على الاطلاق لعملية رفع العقوبات الامريكية بما ان هذا العصيان هو حق دستوري نص عليه الدستور السوداني ونصت عليه مواثيق الامم المتحده التى صادقت عليها دولة السودان فاصبحت ملزمة لاي حكومة بالسودان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..