التشوهات الاقتصادية في التعديلات الدستورية

د. عبد القادر محمـد أحمد

كل الشعب السوداني مشغول هذه الأيام بالتعديلات الدستورية، ولأن كل الشعب مولع بالسياسة بما فيهم كل أجهزة الإعلام وعلى رأسها الصحف . يتحدث الجميع عن التعديلات الدستورية من وجهة نظر السياسة فقط . وليتهم علموا أن ذلك ليس من أولويات غالبية الشعب الممكون والصابر . وليتهم علموا أيضاً أن أخطر ما حملته تلك التعديلات الدستورية هو منح الولايات الحق في تطبيق ضريبة المبيعات . ولا أدري من ذاك العبقري الذي قدم مثل هذه التوصية للبرلمان الذي تسبب في تشويه النظام الضريبي للمرة الثانية، وأتمنى أن تنهي مشيئة الله أجل هذا البرلمان قبل أن يتسبب في كارثة أخرى نحن في غنًى عنها. كانت المرة الأولى عندما صادق البرلمان على ضريبة الاتصالات الجديدة التي ما أنزل الله بها من سلطان . هذه الضريبة التي أحدثها البرلمان في مخالفة صريحة للقانون تدور رحاها الآن في المحاكم بعد أن رفعت الشركات المتظلمة الأمر للقضاء.

وكما تذكرون فقد كوَّنت وزارة المالية لجان للإصلاح الضريبي في أبريل الماضي ضمت عدداً كبيراً من الاقتصاديين ذوي الخبرة . قدمت تلك اللجان توصياتها للجنة العليا التي قامت بدراستها وتنقيحها وخلصت إلى توصيات محددة أقسم بالله بأنه لم تكن بينها أية توصية لها علاقة بضريبة المبيعات التي أحياها المجلس الوطني . وكان طبيعياً ألا تتعامل اللجنة مع ما يسمى بضريبة المبيعات لسبب بسيط وهي أنها كانت قد ماتت وشبعت موتاً والموتى لا يتكلمون ولا يكلمهم أحد ولا يبعثون مرة أخرى إلا يوم البعث .

وصحيح أنه حدث احتجاج من قبل بعض الولايات عند الغاء ضريبة المبيعات وتطبيق الضريبة على القيمة المضافة خوفاً على إيراداتهم . ولكن الدكتور عبد الوهاب عثمان، طيَّب الله ثراه وعدهم وعداً قاطعاً بتعويض الولايات التي تتأثر إيراداتها وكانت النتيجة أن جاءت إيرادات القيمة المضافة أضعاف أضعاف ما كانت تدر عليهم ضريبة المبيعات . وتختلف وسائل تطبيق الضريبة العامة على المبيعات باختلاف الواقعة التي تتخذ أساساً لاستحقاقها حكماً (( عوضاً عن الاستهلاك النهائي )) فتسمى ضريبة إنتاج Production tax عندما يكون الإنتاج هو الواقعة المنشئة للضريبة حكماً ، وتسمى ضريبة مشترياتPurchase tax عندما يمثل الشراء تلك الواقعة، وتسمى ضريبة مبيعاتSales tax عندما تمثلها واقعة البيع ، وتسمى الضريبة على رقم الأعمال Turnover tax عندما تفرض الضريبة على كل مرحلة من مراحل إنتاج السلعة أو الخدمة وتوزيعها بدون السماح بخصم ما يتم سداده في المراحل السابقة وتسمى ? أخيراً بالضريبة على القيمة المضافة VATعندما يسمح بالخصم في هذه المراحل . وهكذا فإن الضريبة على القيمة المضافة تعتبر أحد مراحل تطور الفن المالي الذي تم استخدامه لتطبيق الضريبة العامة على الاستهلاك . فلماذا يريد المجلس الوطني أن يعود بنا للوراء.

وإذا تطرقنا للنواحي الفنية لإدارة ضريبة المبيعات فلابد أن يكون هناك حد تسجيل للمكلفين بها، فهل سيتم العمل بنفس حد التسجيل في القيمة المضافة ؟ . وكم سيكون سعر الضريبة الجديدة ؟ وهل سيكون نفس السعر17 % أم أقل أم أكثر ؟ وما هي الجهة التي ستديرها ؟ هل هي ديوان الضرائب نفسه أم سيتم إنشاء إدارة جديدة ؟. فإن كان ديوان الضرائب هو الذي سيديرها فالمصيبة كبيرة وعظيمة. أما إذا تم إنشاء إدارة جديدة فالمصيبة أعظم . لا أدري من هذا العبقري الذي أوصى بهذا للمجلس الوطني؟ . لقد كتبت مراراً وتكراراً عن الخلل الكبير في تركيبة الضرائب في السودان باعتمادنا على الضرائب غير المباشرة التي تمثل حوالي 75 % من الإيرادات الضريبية وهي السبب الرئيس في ارتفاع معدلات التضخم وكلها يتحملها المواطن المغلوب على أمره . وهي السبب كذلك في عدم توفر العدالة الضريبية، حيث أصبحنا نأخذ الضرائب من الفقراء لمصلحة الأغنياء.
تخيلوا ماذا سيحدث إذا طبقت الولايات ضريبة المبيعات . دعك من الازدواج الضريبي والتراكم والخلل في تخصيص الموارد . هذا كله مقدور عليه . لكن نفترض أن الولايات فرضت ضريبة متواضعة شفقة بالمواطنين بسعر 10 % فقط . في هذه الحالة سيدفع المواطن 17 % ضريبة قيمة مضافة و10 % ضريبة مبيعات بإجمالي 27 % . أترك لكم تكملة بقية الحكاية .

أرجو أن يعلم الجميع أن غالب الشعب السوداني لايهمه جاء الوالي بالتعيين أو بالانتخاب ولا فرق بين الاثنين، ولكن ما يهمه هو قوت يومه وهذا القرار سيؤثر على قوت يومه.

نسيت أن أذكر أن ولاية الخرطوم وبعد تطبيق الضريبة على القيمة قررت فرض ضريبة المبيعات في الولاية بعد إلغائها فأمرت العاملين بالديوان عدم التعامل معها وسقطت تلقائياً . هذا ليس تحريضاً للديوان . ولكن يتساءل المراقبون أين الديوان مما يحدث ؟.

د. عبـد القادر محمد أحمد
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..