د. جون قرنق

د. جون قرنق
عبد الحفيظ مريود

السيدة ربيكا قرنق أرملة الدكتور جون قرنق دي مبيور، تحدث ( سألتهم، كم يحتاج الشخص ليصل من مكان تحطم الطائرة، أوفقدانها، سيرا على الاقدام، إلى نيوسايت؟) قالوا حوالي ست ساعات، وحين مضت خمس ساعات لم يصل دكتور جون، شرعت في طقوس الأرملة أو طقوس الترمل عند الدينكا، فحلقت شعري بداية. لأنه إذا كان الشخص العادي يصل من تلك المنطقة في ست ساعات، سيرا على الأقدام ، فإن دكتور جون يصلها في أقل من ذلك حبوا.

السيدة ربيكا تتحدث عن شخص مجهول، لدى عامة السودانين.. المعتدلون منهم، يخالطهم إحساس مبهم حياله، هو مزيج من الخوف والإعجاب الخفي والرهبة، ومنشأ ذلك الاختلاط هو أنهم لم يعرفوا الرجل كفاية ليحكموا عليه، وأنهم_ ليتخلصوا من عشرين عاما أو يزيد من الدعاية المضادة له_ يحتاجون مادة بديلة غير متوفرة. هذا فضلا عن أن تبجيل الرجل أو قل إعطاءه حقه جهرة، يضع في مواجهة الحرس القديم الذي لا يريد للصورة النمطية عنه، أن تزول، على الأقل، وهم، بعد، أحياء.

لكن البادرة لم تتكرر. إن الذين فرجوا في الساحة الخضراء ، عشية عودة دكتور قرنق إلى الخرطوم، حشدا لاستقباله، كانت رسالة ، فهمها الراسخون في العلم، وتغابى عنها الذين في قلوبهم مرض، ذلك أن خليط الخارجين لاستقبال الرجل، الذي صعب تصنيفه (الخليط) على أساس عرقي أو جهوي أو أيدلوجي أو سياسي، يشير إلى أن ثمة معنى وراء الرجل، وقلوب وأفئدة، ليست خواء، على الأقل، لو تطلعت الجماهير تلك الى أنه يمثل لها نصيرا، منقذا، مخلصا أو ماشئت، من ألقاب تليق بالخروج.

المعنى البعيد في قراءة المشهد، أنه أول سوداني جنوبي قح ، يتم إستقباله في الخرطوم، من جماهير مختلطة، ولاينظر إليه على أساس العرق أو الجهة أو الدين وهو مالم يحدث لعلي عبد اللطيف التي كتبت فئات من النخبة الأمدرمانية، تشجب ثورته وتطاوله على ( الأسياد) مما يمكن أن يرجع اليه في مظانه، في تاريخ امدرمان والثورة الوطنية، ورحم الله الدكتور خالد الكد.

على أن فكرة إعادة الاعتبار للدكتور جون قرنق(على نسق إعادة الاعتبار للاقتصاد السياسي كما يحب منتصر احمد النور) أقول إن محاولة إعادة الاعتبار للدكتور جون قرنق، قبل أن تكون مهمة وطنية تاريخية هي مهمة إنسانية بالغة الدقة والتعقيد، في إطار عدم بخس الناس أشياءهم، لاسيما لو كان ذا قيمة عالية في إطار تطور الفكر السياسي السوداني، ومن الغريب أنه_ وهو يبذر بذور ذلك التغيير العاصف_ لم يدر بخلده أنه (صاعد الى عليائه) كما يقول د. منصور خالد فيما تخطو رسالته الوليدة خطواتها على ذات الارض التي أقلت سني عمره، قتاله، قوة إرادته، وطنيته الخالصة…الخ .

لكنه قطعا، لا حظ أن استقباله ، كان الخطوة العملية في مشروع السودان الجديد، رأى من رأى، وعمي ومن عمي، فالسودان، منذئذ، ليس هو السودان، سواء انفصل الجنوب ( لا سمح الله) أو بقي موحدا. فتطبيق اتفاق نيفاشا هو مشروع السودان الجديد ، بغض النظر عن قراءات الذين ينظرون اليه نظرا آحاديا، للمؤتمر الوطني او الشمال، ولكنهما ( المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) يرسمان ملامح السودان الجديد، وكلُُ يغني ليلاه، وتبقى إرادة الله هي الغالبة، ولكن أكثر الناس لايعلمون.

أقول، في إعادة اعتبار، وإعادة توضيع الدكتور قرنق،إن المشهد المهيب في جوبا، يوم دفنه والنعش محمول على اكتاف كبار ضباط القوات المسلحة، ووزير الدفاع بكري حسن صالح) والرئيس وسلفاكير شهود، بما يليق بنائب أول لرئيس الجمهورية، وضابط كبير في الجيش السوداني، المشهد ذاك ينبغي ان يكون انطلاقة إعادة الاعتبار للرجل، ودافعا لكليات وأقسام العلوم السياسية، ومراكز البحوث والدراسات، ومنظمات المجتمع المدني، بعيدا عن الهراء العرقي، الأيدلوجي والتبخيس السياسي الرخيص، والدعوة موجهة لنائب الرئيس علي عثمان، كمشروع للوحدة، ولمالك عقار(تحديدا)…

صحيفة الحقيقة

تعليق واحد

  1. ما قلنا ليك يا ود الخال خليك معانا و ابعد من اولاد اعمنا .
    لم نري صورة جثمان قرن في التلفزيون الا في رحيله ، ولم يذكرنا تلفزيون جماعتك بذلك الاستقبال المهيب في الساحة الخضراء منذ ان رحل منا قرن .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..