مذكرات شخصية سودانية ..!

«عندما تطالع سيرة ما، تَذَكَّر أن الحقيقة دوماً غير قابلة للنشر» .. برنارد شو ..!
السيرة الذاتية هي سلسلة معلومات شخصية تقدم إطاراً سردياً عن الحياة الفردية والوجود الخاص لشخص ما .. وهي بهذا المعنى تعتبر اللون السردي الوحيد الذي يشترط التطابق بين المؤلف والراوي والشخصية، على نحو مباشر – أو غير مباشر ? يكفي كم الصراحة الهائل المضمن فيه لإبرام ميثاق شرف الكلمة بين القارئ والمؤلف ..!
بينما كتابة المذكرات هي رصد واقعي وتغطية محايدة لأحداث حياة الكاتب وتكوين شخصيته ومساراتها، في إطار الحقبة التاريخية التي عاصرها أو شارك في صناعة بعض أحداثها .. وعلى ذمة جهابذة النقد تبقى الفروق بين السيرة الذاتية والمذكرات زئبقية وغائمة .. وقد استشهد القائلون بهذا الرأي بكتاب ?الشعر والحقيقة? السيرة الذاتية للشاعر الألماني ?غوتة? التي تقف بالكاد على تخوم المذكرات ..!
بينما ترصد السيرة الذاتية للكاتب والروائي المغربي الكبير ?محمد شكري? ? التي ضمنها كتابين هما ?الخبز الحافي? و?الشطار? – مغامرات مواطن مطحون، من طفولته المتوحشة وأميَّته الإجبارية، إلى مراهقته البويهيمية، وكل ذلك في إطار سردي يفند الوضع السياسي والاجتماعي في بلاده ..!
وفي كتاب مذكراتها تحدثت السيدة الأمريكية الأولى الأسبق ?هيلاري كلينتون? عن خيانة زوجها التي وصفتها بأكبر تجربة مدمرة وجارحة ومروعة في حياتها، والتي وثَّقت لها باعتبارها شرخاً لا يمكن إصلاحه، على الرغم من بقائهما معاً .. فوقفت المذكرات السياسية لسيدة قوية ? عند هذا المنعطف – على تخوم سيرة ذاتية لزوجة أمريكية مكسورة الخاطر ..!
كتابة المذكرات السياسية تقليد عريق في دول العالم الأول، لكنه عندنا يبقى محفوفاً ? كعادتنا – بكثير من الإشكالات السياسية والاجتماعية، وهي – شأنها شأن أي موقف فردي من أي حدث سياسي – ترتبط في كيفها بكم الديموقراطية ومقدار حرية الرأي ..!
في العقود الأخيرة من هذا الزمان أغرى زخم التحولات السياسية الكثير من الساسة – محلياً وإقليمياً ? بكتابة مذكرات سياسية لا تخلو من وقفات قصيرة على تخوم السيرة الذاتية .. قبل سنوات مضت قرأت في بعض الصحف تنويهاً للسيدة فاطمة أحمد ابراهيم عن كون مذكراتها القادمة تحمل حزمة من الأجوبة والإيضاحات المتعلقة بمحطات بارزة في فصول حياتها السياسية والفكرية والاجتماعية، ثم قرأتُ على شبكة الانترنت، بعض الفقرات المنقولة من تلك المذكرات، فلم أجد في ذلك البعض إجابةً شافية ..!
على كل حال، عززت تلك التجربة من إحساسي برهبة الفكرة، وخطورة تبعاتها، ثم أورق في داخلي سؤال! .. إلى أي مدى قد تنجح الشخصية السودانية في أن تحفظ مذكراتها من غارات السيرة الذاتية ؟! .. ثم هل تستطيع أي شخصية سودانية – مهما علا شأنها الفكري والسياسي – أن تحافظ على مباركة ?الآخر? لنهجها الصريح في مجتمع لا يشترط بيِّنة مُدَّعٍ، ولا يحفل بيمين مٌنكِرٍ، إذا ما اندلعت شائعة موضوعها الرئيس شأن أسري خاص؟! .. ما بالك إذاً بالموثَّق والموقع عليه من الأسرار الشخصية التي قد يُجبِر تداخلها مع بعض الأسرار السياسية كُتَّاب المذكرات على إيرادها مكرهين لا أبطال؟! .. مجرد سؤال ..!
اخر لحظة
اكثر سيرة ذاتية متوقع ان يحدث صدورها جدلا في الاوساط السودانية هي سيرة الامام الصادق المهدي واظن انه يعد العدة لكتابتها لان كثير من الذين عاصروا فترة اشتغاله بالسياسة ينتظرنها قبل ان يداهمهم الموت فهل يفعلها الامام ؟