في تذكر عمر جعفر السوري ومشروع الجزيرة

د. الفاتح إبراهيم / واشنطن
قرات مؤخرا في الميديا خبر وفاة الصحفي الكبير عمر جعفر السوري في كندا وعرفت لاول مرة تفاصيل هامة نشرها في صفحته في الفيسبوك الاخ الزميل صديق محيس عن الفترة التي قضاها عمر صحفيا في صحيفة السودان الجديد حيث كان يعمل محيسي وايضا عمل عمر في وكالة السودان للانباء بعد ان لاحظ مدير الوكالة مواهبه المتعددة .. لم اتشرف بمعرفته شخصيا على الرغم من انني كنت في نفس الفترة اعمل بالتلفزيون ..على اي حال هو احد الكفاءات التي ابتلعها بحر الاغتراب بسبب ظلم وغباء الحكام .. ولقد رحل بعد عام واحد فقط بعد وفاة زوجته إشارة إلى الارتباط القوي بينهما ..
له الرحمة ولكل حاملي القلم الشريف حسن العزاء ..
تابعت نشاطه الصحفي المميز حيث واصل الكتابة بعد مغادرة السودان ..
والذي اعرفه عن عمر هو جانب اخر من حياته واسرته المتمثل في دور والده الرائد في نشر الوعي الثقافي عبر صحيفة “الجزيرة” الناطقة باسم مشروع الجزيرة التي كان رئيسا لتحريرها وكان لهذه الصحيفة الرائدة نصيب الاسد في نشر الوعي المجتمعي في مدن وقرى الجزيرة خاصة بين المزارعين ..
وابناء الجزيرة من جيلي عاشوا فترة ازدهار المشروع وصحيفة الجزيرة وجعفر السوري رئيس تحريرها حين كان مشروع الجزيرة بؤرة مضيئة في سماء السودان بل في القارة السمراء ومعروف عالميا كأكبر مشروع في العالم يعتمد على وسيلة الري الانسيابي ..
لقد كان المشروع الذي أسسه الانجليز وحطمه نظام الانقاذ كان عصب اقتصاد السودان وعرف بادارته المهنية العالية المنضبطة ودوره في توعية المجتمع من خلال اعلامه وعلى راسه الصحيفة الرائدة “الجزيرة” حين كانت قناة الجزيرة التي حملت نفس الاسم وقتذاك في رحم الغيب!!
كتبت لعمر في منفاه مرة منوها بكتاباته وأيضا كنت اريد ان أتأكد من انه ابن جعفر السوري لتشابه الاسماء .. وأكد لي عمر انه ابن جعفر فقلت لا عجب ان يكون عمر على هذا المستوى المهني فهو حاملا وامتدادا لتلك الجينات الطيبة..
في تلك الفترة الزاهية من عمر المشروع عرفنا الاحتفاء بالزهور والورود ونحن اطفال قبل ان نسمع بدولة هولندا وذلك في معرض الزهور السنوي الذي يقام في قرية مساعد على بعد حوالي خمسة اميال من قريتنا طيبة الشيخ عبد الباقي التي بدا فيها الانجليز اول تجربة لزراعة القطن وكانت النواة التي امتد منها المشروع ..
وكانت سيارات المرشدات من مساعد التي تم اعدادها نموذجيا حيث كانت الى جانب الاعتناء بنباتات الزينة وزراعة الزهور مركزا لنشر الوعي في مجتمع النساء .. كانت سياراتها تجوب قرى الجزيرة لنشر الوعي والتدبير المنزلي بين النساء.. وكانت المرشدات تستخدم في تجوالها سيارات امريكية من نوع ستشن واقن وغيرها وكنا ونحن اطفال في خمسينيات القرن الماضي نخرج في حالة اندهاش لاستقبال تلك السيارات الفارهة ..
هكذا كان المشروع قبل ان تمتد اليه الايدي الاثمة تخريبا وتشريدا .. وفي آخر زيارة لي للسودان رأيت في حسرة ما آل إليه حال المشروع الذي صار ارضا يبابا .. لا تهاجر إليه الطيور زمن الخريف ولا تنمو فيه الأشجار والزهور البرية ..
الا رحم الله تعالى جعفر السوري وابنه عمر بقدر ما قدموا للسودان والإنسانية جمعاء من خدمات ..