أخبار السودان

حول الذي بين الجيوش.. حرب الذخيرة السياسية في بهو “السلطة”

الجريدة – عبدالناصر الحاج

عندما بدأ نظام المخلوع البشير يترنح، وأصبح قابلاً للسقوط في أية لحظة منذ خواتيم العام ٢٠١٨، بدأت مؤشرات التنازع بين المكونات العسكرية والأمنية المسلحة، تتعرى رويداً رويدا، ورغم ان البشير كان يحمل صفة القائد العام للقوات المسلحة، ورئيس للجمهورية عبر انتخابات – على أقل تقدير نالت اعتراف الاتحاد الأفريقي ولم يعلن المجتمع الدولي عدم الاعتراف بها علانية- إلا أنه و بعد أحداث ٦ أبريل ٢٠١٩، بدأت قوات الدعم السريع تبتعد قليلا عن البشير وحماية نظامه، كذلك أقر كل المراقبين في وقت سابق، أن مدير جهاز الأمن والمخابرات ، صلاح قوش ، بدأ متردداً في حماية البشير من مغبة السقوط، ولم يتبقى للبشير سوى بعض التشكيلات العسكرية القديمة التي تدين بالولاء للإنقاذ وقيادتها.

(1) صراع السلطة

أما الجيش بعد محاصرة ثورة ديسمبر لمقر قيادته العامة في ٦ ابريل، فلم يعد أمامه غير ولوج المشهد وإعلان الانحياز للثورة، قبل أن يتم اختطاف السلطة من حيث لا تحتسب قيادة الجيش، وفقا لكثير من التحليلات السياسية التي كانت متداولة آنذاك، وسرعان ما ظهرت الخلافات وفي ظرف ٢٤ ساعة فقط ، بين قيادة الجيش وجهاز الأمن من ناحية، وقوات الدعم السريع من الناحية الأخرى، أعقاب بيان الجيش الذي أعلن إزاحة البشير في ١١ أبريل. ورغم أن الأوضاع انتهت بمغادرة مدير جهاز الأمن وقيادة الجيش، للمجلس العسكري الانتقالي، إلا أن المجلس الجديد والذي يحمل ملامح تحالف بين الدعم السريع وقيادة عسكرية جديدة للجيش، بدأ هو الآخر يضعف ويوهن بسبب التسابق المحموم نحو السلطة في ظل أوضاع شعبية ثورية مستمرة بحثاً عن تحول مدني ديمقراطي حقيقي بديلا عن السلطة العسكرية. وقبل انقلاب ٢٥أكتوبر، كانت حكومة الفترة الانتقالية الأولى قد حققت نجاحا في توقيع اتفاق سلام جوبا مع عدد من فصائل الجبهة الثورية ومساراتها المتعددة. وكذلك كانت لقوات الدعم السريع الفضل في احتواء بدايات لتمرد مسلح داخل الخرطوم من قبل هيئة العمليات العسكرية التابعة لجهاز الأمن والمخابرات؛ إلا أنه وبعد الانقلاب، ونتيجة لاستمرار الضغط الجماهيري المحلي، وكذلك الضغط الدولي والاقليمي، بدأ التحالف المسلح الذي أنجز الانقلاب، بدأت تظهر عليه بوادر الاختلافات في وجهة النظر السياسية للحل، ولم يعد متماسكا رغم التصريحات المتكررة لقادة الانقلاب؛ والتي ظلت تنفي هذه الاختلافات، فمن ناحية، تتبنى قيادة الجيش وجهة نظر لحل أوسع شمولاً من الصيغة التي انتهى عليها الاتفاق الاطاري ، لتتماشى لحد بعيد وجهة نظر الجيش هذه، مع قيادة حركتي مناوي وجبريل وعدد من أطراف سلام جوبا، فضلا عن جهاز الأمن والشرطة وبقية تشكيلات القوات النظامية، وفي الجانب الآخر، تقف قوات الدعم السريع داعما للاتفاق الاطاري مع بعض القوى السياسية المدنية، بينما تتخذ حركتي عبدالعزيز الحلو وعبدالواحد موقفا هو الأقرب للشارع الثائر ضد الانقلاب في كثير من النواحي التقديرية للحل السياسي الثوري.

(2) قطبي الصراع

تابعت جماهير الشعب السوداني باهتمام بالغ ما يدور من مؤشرات لحرب كلامية بين قيادة الجيش والدعم السريع فيما يتصل بالموقف من العملية السياسية، للدرجة التي جعلت كثير من المحللين والمراقبين يدفقون مداد أقلامهم رجماً بالغيب لرؤية معركة مسلحة بين الجيش والدعم السريع وحلفاء كلا الفريقين. بدأت قيادة الجيش برئاسة عبدالفتاح البرهان، ترمي بكل ثقلها لفرض رؤيتها للحل السياسي الداعي لتشكيل حكومة مدنية بقاعدة مشاركة سياسية واسعة، شريطة أن يتم دمج الدعم السريع وقوات الحركات في الجيش السوداني. وفي الاثناء، ظهرت قيادة الدعم السريع وهي تتمسك برؤية الاتفاق الاطاري المسنودة دوليا، وفي ذات الوقت لا تمانع من دمج قواتها في الجيش وفقاً المخرجات الاتفاق الاطاري. أما حركتي مناوي وجبريل ظلتا ترفض التوقيع المنفرد على الاتفاق الاطاري، ومما يعزز وجهة نظر الجيش بشكل مباشر. ويقول المراقبون، أن الدعم السريع يريد مغازلة المجتمع الدولي والاقليمي بموقفه المؤيد للاتفاق الاطاري، ومن ثم توجيه تهمة التلكؤ والتردد لقيادة الجيش الحالية التي تسعى للاحتفاظ بالسلطة – مثلما تشير تصريحات قادة الدعم السريع- وبطريقة أو بأخرى، حملت تصريحات الدعم السريع اتهاماً مباشرا لفلول النظام البائد بأنها وراء تعقيد المشهد وإثارة الفتنة بين الجيش والدعم السريع، وهو الأمر الذي تؤيده بيانات القوى السياسية في الحرية والتغيير المجلس المركزي بشكل غير مباشر.

(3) بريق السلطة

فسر عدد من المراقبين بأن مواقف البرهان من العملية السياسية، تجئ متماشية مع رغبته في الاحتفاظ بالسلطة السيادية على أقل تقدير، ومن ثم الحفاظ على مكتسبات الجيش من كل عملية التغيير السياسي في ٢٠١٩. أما موقف الدعم السريع من العملية السياسية المؤيدة من المجتمع الدولي والاقليمي وعدد كبير من القوى السياسية المدنية، فهو ايضا يجئ متماشيا مع رغبة حميدتي في تأجيل معركة الوصول للسلطة بعد انقضاء المرحلة الانتقالية وقيام انتخابات عامة.

وفي الجانب الآخر، تبرز قضية جيوش الحركات الموقعة على سلام جوبا، وهي ترتبط عضوياً بالموقف من اتفاق سلام جوبا فيما يتصل بإعادة دمج قواتها وفقا لبند الترتيبات الأمنية، ووفقا لما حققته الاتفاقية من امتيازات سياسية لقادتها وفقا لاستحقاقات السلام نفسه. وبالتالي وبحسب محللين سياسيين، فإن أطراف معادلة الاحتفاظ بالسلطة، جميعهم عبارة عن جيوش تحمل السلاح، ولكنها تكتفي بإطلاق ذخيرة سياسية فقط، لأنها تدرك أن الحرب الأهلية لم تعد وسيلة آمنة ومضمونة لتحقيق أية مكاسب سياسية متوقعة.

الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..