تنميط صورة انسان الجزيرة في المخيلة السودانية ..

تقول النكتة الانجليزية الشائعة إن الألمان يحسنون صناعة الأجهزة والآلات التي تعمل مدي الحياة لأنهم لا يحتملون الابتسامة في وجه العميل وهو يطلب خدمات الصيانة في المنافذ المخصصة لذلك. ويقول الأمريكان إن ألمانيا هي دولة تضمر عداوة خفية لروح النكتة والمرح ومفارقات السخرية المالحة. ويرد الطيب صالح تنميط صورة الألمان الي حملة الدعاية التي اصطنعها الحلفاء أثناء الحرب العالمية، لأنهم بالفعل مبدعون في الموسيقي والفن والفلسفة والصناعة والاختراع. وصف القس ترمينغهام في كتابه (الاسلام في السودان) وجود طبقية متجذرة في المجتمع السوداني قائلا كان أهل الحضر يحتقرون بدو الريف وكان الطيب صالح يرصد بعين الفنان الاختلاف البين بين طلاب البوادي والحواضر في مدرسة وادي سيدنا الثانوية وقال كان طلاب المدن أعلي صوتا وصخبا في فناء المدرسة أما عندما تقرع الاجراس وندخل الفصول فنحن الأعلى صوتا.
هذه باب لاستظهار ترميز الصور النمطية لبعض مناطق السودان، وقد لمست غبنا بينا من أهل الجزيرة جراء تنميط صورتهم في المخيلة السودانية، التي تتركز علي الكسل ورجحان ميزان علاقاتهم الاجتماعية علي حساب التزاماتهم المهنية وواجباتهم الوظيفية وضعف ثقافتهم المؤسسية. وكذلك طغيان المشاعية في سلوكهم الاجتماعي وغلبة الفعل الجماعي علي نزعة توجهاتهم الفردية، وخوفهم من سلطة المجتمع في إصدار الأحكام علي سلوك واختيارات الفرد مما يجعلهم أكثر أمنا في غزية القطيع أكثر من التميز الشخصي.
في دراسته عن الشخصية السودانية يحدد الدكتور محمد عبدالعزيز الطالب عشرين سمة في الشخصية السودانية مصدرها المجتمع الرعوي وتقاليد البداوة أبرزها المساكنة المتقاربة والتقدير العالي للذات والعشوائية وعدم القدرة علي التخطيط والتنظيم ومجافاة الإبداع ونزعة الحنين إلى الماضي كما عدد خصائص أخرى مصدرها التصوف مثل الزهد والقدرية السالبة وانعدام محفزات الطموح وعرض الذات وغيرها، ولعل الصفات والخصائص التي مصدرها التصوف هي الأكثر شيوعا في الجزيرة بطبيعة المجتمع الذي ينتشر التصوف في مغارس نسيجه النفسي والعقدي والوجداني.
يقول تريمنهجام في كتابه (الإسلام) الذي تصدي لنقده الدكتور عبدالله علي إبراهيم وعده مصدرا باهرا لإغواء الصفوة في السودان، إن التنظيم القبلي وسط القرويين في وسط السودان (الجزيرة) يعتبر ضعيفا او معدوما نسبة لاختلاط وتصاهر القبائل مما جعل النظام المشاعي يحل محل التنظيم القبلي. وكان للتساكن والتصاهر بين القبائل المختلفة في مدن وقري الجزيرة المتعددة دورا كبيرا في تحولها إلى أكبر المصاهر الاجتماعية وبلورة وتكوين الشخصية القومية. في قصيدة قطار الغرب وصفهم الشاعر الكبير محمد المكي إبراهيم بأنهم يسمعون رنة قرش في المريخ. لهذا تضيق الجزيرة علي التصنيف القبلي وتعتبر أكبر مركز حيوي للإندماج الاجتماعي في السودان مقارنة بأم درمان ولعل مصدر تفوق أم درمان عليها هو وجود سلطة سياسية مركزية حيث اتخذتها الدولة المهدية عاصمة سياسية وإدارية. إن طبيعة المجتمع الزراعي الذي عرف حياة الاستقرار مبكرا خاصة في الجزيرة حسب تصنيف ترمينغهام يزينه هذا الترابط والانسجام بين الإنسان وايقاع الطبيعة، وقال إن ذكاء الإنسان السوداني المستقر هو بالتأكيد ذكاء ساكن عن كونه ذكاء ديناميكي. وأتهم ترمينغهام هذا الإنسان المستقر بأن خبرة أسلافه في صياغة الأمثال المحكمة البليغة التي تعبر عن متغيرات أحوال حياته وتنزع نحو تحرير اهتماماته الشخصية هو نمط شخصاني يستطيع أن يصون ويكرر ولكنه لا يستطيع أن يخلق ويبتكر. وقال إن الحل هو فك الارتباط بين الإنسان والطبيعة وتحريره من تقاليده وإرثه وجمود حياته الاجتماعية وهو بالطبع يعني تحريره من قيود إيمانه الديني.
رغم بروز دور الجزيرة التاريخي في بلورة الوعي القومي منذ مؤتمر الخريجين والصفوة الحديثة التي تخرجت من حنتوب ودورها الاقتصادي المميز باعتبارها مركز الإنتاج الزراعي الأول في البلاد إلا أن دورها آخذ في الاضمحلال والضعف والضمور التدريجي حتي فقدت فعاليتها السياسية وإشعاعها الفكري وتميزها الفني ودورها الثقافي والاجتماعي في التأثير علي مجمل الأوضاع في السودان.
إن التفكه المرح والبريء لتنميط الشخصيات المناطقية بقصد إفشاء روح التسامح وقبول ثقافة الآخر يجب أن يكون بقدر لا يمس عصب الكبرياء الجغرافي، فضلا عن كونه تعميما مخلا، عليه فإن تنميط شخصية إنسان الجزيرة في المخيلة السودانية واتهامه بالكسل وغلبة اهتماماته الاجتماعية علي مهام واجباته الوظيفية والمهنية ومشاعية سلوكه الاجتماعي وانعدام الخصوصية وتحكم الذهنية الجماعية علي روح الإبداع الفردي نابع من فقدان الجزيرة ككيان جغرافي لدورها السياسي التاريخي، وضمور مركزها الاقتصادي بانهيار مشروع الجزيرة وجفاف منابع أبداعها الفني والرياضي. والجزيرة هي مركز الوسط النيلي الذي تتفاعل بين جنبيه مكونات الشخصية السودانية من خلال صيرورة الاندماج القومي والتلاقح الثقافي والحضاري، وعليه فإن أي ضمور في دورها يعني تلقائيا ضعفا كامنا في عملية صيرورة التكوين القومي للشخصية السودانية. إذا اصابت الجزيرة نزلة برد في مركزها الحيوي كمصهر قومي للاندماج الاجتماعي فإن السودان سيصاب بالتهاب رئوي حاد لن تجد معه مراهم التطبيب وأدوية فتح مسارب الشعب الهوائية وكل أجهزة التنفس الاصطناعي.
إن التكوين الديمغرافي للجزيرة في الوقت الراهن يكشف عن تسارع وتيرة هذا الاندماج، إذ بلغت نسبة العمالة الوافدة للمشروع عام 1946 حوالي 40% من مجمل سكان المنطقة حسب سجلات الإدارة الاستعمارية في ذلك الوقت، ومع ازدياد هذه النسبة سنويا تتعمق عوامل الانسجام الاجتماعي في المساكنة ومشاركات النشاط الاقتصادي وانعدام نوازع التصنيف القبلي و الجهوي والمناطقي لاستقرار ملكية الأرض وسيادة روح الوئام الاجتماعي والحس القومي. ولعل العامل الأكثر خطورة هي حركة التمدن الكثيفة وحالة الهجرة والتفريغ المستمر من الجزيرة الي الحواضر الكبرى لعدم الجدوى الاقتصادية للنشاط الزراعي ولخروج أجيال شابة عافت الزراعة وتوجهت نحو القطاع الحديث في التوظيف والتجارة والتعدين الأهلي فأصبحت دوائر هذا الفراغ الديمغرافي آخذة في الاتساع مما قد يقود الي تحولات عميقة في النشاط الاقتصادي وتوازنات الثروة وتوترات في النسيج الاجتماعي تماما كما حدث في حركة النزوح الي الحواضر بفعل الجفاف والاضطرابات الأمنية مما أدي الي تدمير بنية الاقتصاد الريفي في بعض الأقاليم التي كانت تنعم بالاكتفاء الذاتي وما تزال آثار هذا التجريف للاقتصاد الريفي بادية للعيان الآن وما ترتب عليها من تمظهرات بائسة في تماسك النسيج الاجتماعي و توترات العنف الاهلي.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. طيب مدام واعى وفاهم الكلام ده كلو ليه نظامك المتسلط ادخل كلمة القبيلة حتى فى الاوراق و المستندات الرسمية؟
    هذا هو داء الكيزان : الانتلكجوال ماستربيشن
    لولا سياسة التمكين والله ماكنت تحلم بالخارجيةولا ببرلين
    ياربيب وقيع السماء محمد وقيع الله

  2. اخي خالد لك سلاما واحتراما
    مقالك جاء مدافعا عن انسان الجزيرة فيه انحياز واضح وهذا يعيب بعض نقاط دفاعك. انسان الجزيرة متخلف بصورة اكبر من كل اقاليم السودان. سلوكيا وحضاريا وعمليا فهو وراء اي انسان في السودان . خلال فترة بسيطة خلال تواجدي بجوبا شاركت بعض اعراب الجزيرة والنيل الابيض في عمل استثماري والحمد لله قام المشروع وسار بصورة جيدة وكنت اقوم فيه بعمل فني لا يقوم احد غيري في جوبا. هل تصدق تامر علي جمعهم بما فيهم الطبيب الذي ينحدر من النيل الابيض. لم اصدق ان هذه اخلاق رجال. ولكني تذكرت حكم اهل الولاية الشمالية ونهر النيل في ابن الجزبرة بانه رجل خالي رجولة واخلاق . هذا الحكم اعرفه منذ ان كنت طفلا ولكن لم اجد له الدليل الافي ذلك الموقف الجبان. وتمر الايام ويتعرضوا لنفس الموفق من جنوبي اكثر تخلفا منهم.
    لذلك يا اخي لا تشكر لي الراكوبة في الخريف

  3. الحقد على مواطن الجزيرة جزء لا يتجزا من الحقد على العرب او كل ما يمت للعرب بصلة لان 80% من العرب في السودان يتمركزون في الجزيرة وما مقولة ( عرب الجزيرة ) الا تدعيم لهذا الكلام . ( وان قصد بها الاهانة او التحقير )
    ان اكثر من يحقد على اهل الجزيرة هم اهل الشمال من النوبة وبعض الشوايقة والجعليين ومن على شاكلتهم . وهم سبب التعاسة التي يعيش فيها اهل الجزيرة الان بتدميرهم المقصود لمشروع الجزيرة الذي كان سند ودعم السودان منذ الاستقلال . جعل الله كيدهم في نحرهم .
    الواحد منهم يقول ليك عرب الجزيرة وعامل فيها خلاص …..
    طيب هم عرب …… انت ايه ؟؟؟؟

  4. طيب مدام واعى وفاهم الكلام ده كلو ليه نظامك المتسلط ادخل كلمة القبيلة حتى فى الاوراق و المستندات الرسمية؟
    هذا هو داء الكيزان : الانتلكجوال ماستربيشن
    لولا سياسة التمكين والله ماكنت تحلم بالخارجيةولا ببرلين
    ياربيب وقيع السماء محمد وقيع الله

  5. اخي خالد لك سلاما واحتراما
    مقالك جاء مدافعا عن انسان الجزيرة فيه انحياز واضح وهذا يعيب بعض نقاط دفاعك. انسان الجزيرة متخلف بصورة اكبر من كل اقاليم السودان. سلوكيا وحضاريا وعمليا فهو وراء اي انسان في السودان . خلال فترة بسيطة خلال تواجدي بجوبا شاركت بعض اعراب الجزيرة والنيل الابيض في عمل استثماري والحمد لله قام المشروع وسار بصورة جيدة وكنت اقوم فيه بعمل فني لا يقوم احد غيري في جوبا. هل تصدق تامر علي جمعهم بما فيهم الطبيب الذي ينحدر من النيل الابيض. لم اصدق ان هذه اخلاق رجال. ولكني تذكرت حكم اهل الولاية الشمالية ونهر النيل في ابن الجزبرة بانه رجل خالي رجولة واخلاق . هذا الحكم اعرفه منذ ان كنت طفلا ولكن لم اجد له الدليل الافي ذلك الموقف الجبان. وتمر الايام ويتعرضوا لنفس الموفق من جنوبي اكثر تخلفا منهم.
    لذلك يا اخي لا تشكر لي الراكوبة في الخريف

  6. الحقد على مواطن الجزيرة جزء لا يتجزا من الحقد على العرب او كل ما يمت للعرب بصلة لان 80% من العرب في السودان يتمركزون في الجزيرة وما مقولة ( عرب الجزيرة ) الا تدعيم لهذا الكلام . ( وان قصد بها الاهانة او التحقير )
    ان اكثر من يحقد على اهل الجزيرة هم اهل الشمال من النوبة وبعض الشوايقة والجعليين ومن على شاكلتهم . وهم سبب التعاسة التي يعيش فيها اهل الجزيرة الان بتدميرهم المقصود لمشروع الجزيرة الذي كان سند ودعم السودان منذ الاستقلال . جعل الله كيدهم في نحرهم .
    الواحد منهم يقول ليك عرب الجزيرة وعامل فيها خلاص …..
    طيب هم عرب …… انت ايه ؟؟؟؟

  7. تنميط انسان الجزيرة ياتى فى اطار تنميط السودانيين لبعضهم البعض .. رغم ان الجزيرة كانت فى طريقها لتصير كالفورنيا السودان لكن الة التدمير لحقت بها والسبب معروف .. اعادة رسم الخارطة الزراعية والاقتصادية عبر تحويل ولايات القحط النيلى (نهر النيل والشمالية) الى حاضنات لاستثمارات زراعية ضخمة وما مشروع سد مروى الا البداية وحرق اشجار وغابات النخيل هو المرحلة الثانية لتوطين كل ما كان يزرع فى الجزيرة فى وتلك الولايات رغم ان السد وملحقاته بنى بقروض سيتم سدادها من خزينة الدولة السودانية اللتى تغزيها ولايات دارفور والجزيرة النيل الازرق وكردفان والبحر الاحمر ؟؟؟ اكيد ولايات نهر النيل والشمالية ليست ولايات انتاج حقيقى ولا ترفد الخزينة العامة بعملات اجنبية فهى مثلا لا تنتج البترول وتصدر الماشية والصمغ العربى والمحاصيل النقدية كولايات دارفور وكردفان ولا تمد البلاد برسوم عبور ومناولة مؤانى مثل البحر الاحمر ولا تنتج كهرباء ومحاصيل غابية واخشاب مثل ولاية النيل الازرق وليست ولايات زراعية كالجزيرة والنيل الابيض لذلك استخدموا كل الاساليب والسبل للحط من بقية الاقاليم وساكنيها لتعزيز وايجاد قيمة هى اصلا غير موجودة … وما الاحتفاء والترويج الاعلامى لنكات تتناول اهل العوض واووهاج وادم وابكر وحفصة واوشيك الا حلقة فى مسلسل التبخيس المستمر للاخرين.. الجزيرة اكبر مصهر للسودانيين لكن …

  8. اكبر حدث لاهل الجزيرة في القرن 21 هو بث قناة الجزيرة الخضراء الفضائية وهي تعتبر رد لكل من يتنفس حقدا علي عرب الجزيرة …

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..