مقالات سياسية

في تذكر بشير عباس

د. الفاتح إبراهيم / واشنطن

ضجت الاسافير بخبر رحيل بشير عباس الانسان النبيل أولا قبل ان يكون فنانا موهوبا .. هذا طبيعي ان تهتز خيوط الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي بردود الفعل من معزٍ الى داع له بالرحمة والمغفرة .. 

ومعروف لمعارف المرحوم والذين من أقرب أصدقائه أنه  كان كثير التلاوة لآيات الذكر الحكيم  كلما سنحت الفرصة .. ويحدث كثير- وكنت شاهدا على ذلك ـ أن يختفي في أثناء الجلسة الغنائية وعندما يُسأل عنه يتضح أنه في إحدى الغرف يصلي حتى أن أحدنا علق قائلا بما معناه: “اول مرة التقي بفنان فكي !! 

والآن دعنا نحتفي بمشوار حياة فنان مليئة بالنجاع والعطاء ..      

عبر مسارات الحياة وجزءً كبيرا منها العمل في تلفزيون ام درمان والتواجد في الوسط الفني مما أتاح لي فرص توثيق علاقاتي بأهل الفن من مغنين وعازفين وكتاب وشعراء ومقدمي برامج .. أما بشير فاعتبره صديقا قريبا وما زلت أحتفظ بعوده الذي أهداه لي في جلسة هنا في شقتي في واشنطن عندما علقت اعجابا بصوت العود الذي يعزف عليه في الجلسة .. فما كان منه إلا أن اصر مقسما أن أقبله منه هدية ولم يدع لي مجالا للرفض .. هذا هو ديدنه لا يهتم بالمرجعيات المادية وانما تسمو روحه فوق ذلك فنا وأريحية ولا يدع أي فرصة للعطاء تفلت منه ..

  وكم سعدنا معه في جلسات وجلسات كانت احداها في شقتي هنا في واشنطن كان فيها الطيب صالح والشوش والبلبلة هادية وزوجها دكتور بطران والسفير محمد بن عيسي سفير المغرب في واشنطن قبل أن يرجع المغرب وزيرا للخارجية والناقد الرياضي المعروف والدبلوماسي السعودي أحمد الرشيد .. محمد بن عيسى مثقف مجيد يتقن الفرنسية والانجليزية إضافة الى اللغة العربية اللغة الأصل .. كان من القلائل الذين يعرفون بعمق خطورة وأهمية ما يقدمه أدب الطيب صالح للأمة العربية والإسلامية .. ويبدو أنه منجذب جدا لجانب الزهد الصوفي والتواضع غير الزائف في شخصية الطيب لذلك من تعابيره التي دائما ما يرددها انه يعتبر نفسه “حوارا” ومن المريدين للطيب صالح .. 

وكان بن عيسى وهو القادم من المغرب حيث تصنع أجود أنواع الاعواد في مدينة صويرة يستمع بإعجاب شديد مركزا على انامل بشير تداعب الوتر مصاحبة للأداء الرائع للفنانة هادية في تناغم بديع .. 

كانت “جلسة ما منظور مثيلا” على رأي عبقري شعر الحقيبة عبيد عبد الرحمن .. وفي نهاية الجلسة التي امتدت حتى الساعات المتأخرة من الليل قدم السفير دعوة للجميع لحضور مهرجان اصيلة الثقافي الذي يقام سنويا في مدينة اصيلة المغربية على ساحل البحر الابيض المتوسط .. وارسل لهم فيما بعد تذاكر مجانية مع السكن في المغرب .. تغمد الله تعالى برحمته من رحل ومتع من على قيد الحياة بالصحة والعافية ..

بعدها بأيام كتب الطيب صالح مقالا في عموده “نحو أفق بعيد” في الصفحة الأخيرة لمجلة المجلة اللندنية يصف فيه تلك الجلسة المدهشة الفريدة التي تخللتها ابداعات من الفن والثقافة من أناس أجبروا قسرا لمفارقة الأوطان فظلوا يتغنون بها ويتوقون اليها من على أفق بعيد استهل المقال بقوله: 

“تفرقت البلابل، وهاجر بشير عباس الملحن الموهوب الذي قدمهن للجمهور السوداني أوائل السبعينيات. كنَّ صغيرات وجميلات، وأصواتهن مثل شقشقة العصافير عند الفجر”.

 وفي الختام أقول: أنني أعرف المرحوم بشير كانسان نظيف له قلب طفل لا يؤذي انسانا ولا يحمل حقدا لأحد .. 

وتقول الحكمة العربية القديمة أنه لكل انسان من اسمه نصيب .. اسم بشير اسم على مسمى لا يلقاك الا ضاحكا مستبشرا .. حتى لقبه الذي عرف به بين خاصته ينادونه به تحببا “حمبور” يحتوي على حرف الحاء والباء حرفي كلمة “حب” .. ومعرفتي اللصيقة ببشير جعلتني افكر مليا وما زلت في اسرار الموهبة ولم اجد لها تفسيرا افضل من انها سر الهي يودعه في من يشاء من عباده .

[email protected]

 

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..