عندما يخسر المؤتمر الوطنى بالنقاط

في الانتخابات الفائتة والمنعقدة قبل أربع سنوات وعقب ترشيح الرئيس البشير إلى الموقع الرئاسي كتبت- يومها- في صحيفة الأحداث أن كثيرين تطلعوا أن يستقيل الرئيس من رئاسة المؤتمر الوطني ويسعى إلى طرح نفسه مرشحاً قومياً، قلت- يومها- إن المؤتمر الوطني يحتاج أن ينمو بعيداً عن ضرع الدولة، كما إن الرئيس البشير يحتاج أن يرتب لفترة انتقال، تنقل كل الحالة السياسية إلى مربع جديد، ومن الأفضل أن تتم هذه العملية بأصابع رجل لا يستظل بمظلة حزبية معينة؛ حتى يصبح الانتقال عملاً طليقاً وليس مربوطاً من أقدامه بأية لافتة أقل قامة وهامة من لافتة البلد.. تخيلوا
أن هذا كان قبل أربع سنوات.
خلال أربع السنوات المذكورة جرت كثير من المياه تحت الجسر، قليل منها كان صافياً، وأكثرها كان عكراً؛ بفعل الصراعات الداخلية التي كادت أن تهد حوائط الحزب الحاكم.. مشروع انقلاب كامل الدسم أحبط في اللحظات الأخيرة، ثم عملية انشقاق قادها آخر الذين يقرأون ويفكرون داخل حزب المؤتمر الوطني، فذهب الدكتور غازي صلاح الدين بعد أن لم يستطع صبراً، وأخذ معه من أخذ، ثم اختيارات الولاة في ذات الانتخابات لم تكن سوى سماء تتشبع كل يوم بأزمة حتى إذا أثقلت سحب الأزمات هطلت على رأس الوطني أمطاراً غزيرة وشققت الأرض تحت أقدامه فاندلعت أزمة كرم الله
عباس ثم موسى هلال وكبر، واشتعلت حرائق القبائل التي أنجبت المزيد من الولايات في دارفور المأزومة والنازلة من رحم الولاية الأم ناقصة عمر وحظ ونصيب، ثم حمل المؤتمر الوطني فوق رأسه كل صداع الأزمة والضائقة الاقتصادية مع أنه المتسبب الأول والأخير بسبب حمله كل عضويته ووضعها في عنق الدولة تأكل وتشرب وتمسح أيديها.
ولو أن المؤتمر الوطني تأمل بذكاء فكان الأوفق له أن يبني فاصلاً زمانياً بينه وبين عبء الدولة، فيحرر العلاقة ما بينه وبين الرئيس البشير، ويجعل الرجل يحكم بطاقم قومي، وينصرف هو للبحث عن مرتكزات ومصادر قوة جديدة بعيداً عن مركز الدولة، حتى إذا ما دارت دائرة الانتخابات دورتها هذه، عثر لنفسه على عافية تمكنه من خوض غمار المنافسة واثقاً مجتهداً راضياً بحظه الذي ستقسمه له الجماهير بأصواتها، ثم يعمل على تنميتها وتطويرها، وحتى بعد أن فاته هذا الإدراك، ظللنا نستبشر بإفادات الرجل بأنه لن يعيد ترشيح نفسه إلى دورة قادمة ولكن …
من الواضح أن المؤتمر الوطني رغم عمره الطويل في السلطة فإنه لم يستطع أن يصنع لنفسه ظهراً غير ظهر الرئيس البشير، وليس له عنصر تماسك بخلاف الرئيس البشير، وأن عضويته المليونية لن يجمع بينها جامع إلا رئاسة الرئيس البشير، وأنهم- جميعاً- لن تتآلف قلوبهم على رجل سوى الرجل، نعم كل هذا مظهر من مظاهر قوة السيد الرئيس، ولكنه بلا شك دليل باين وقاطع على ضعف التطور والنمو داخل حزب الدولة، واتساع تفاوت الكتوف إلى مدى شديد الاتساع.
التيار
مقال رائع ومنظم الفكر والكلمات أخي حسن إسماعيل. أتفق معك تماماً في كل ما ذهبت له وأنا عضو في المؤتمر الوطني وقد نزل علينا ترشح السيد الرئيس لدورة جديدة كالطامة الكبري بعد أن وعد بعدم ترشحه مرة أخري، وأملنا الوحيد الآن هو أن يصدق وعده ويعتذر عن المنصب قبل موعد الإنتخابات الرئاسية في أبريل 2015. الرئيس البشير خدم البلاد كثيراً والكثيرون في المؤتمر الوطني – ولست وحدي – نؤمن بأنه حان الوقت لترجله حتي يضرب مثلاً في التنازل السلمي عن السلطة يذكره له التاريخ وحتي يجنب السودان ويلات الحصار والعقوبات والفتن لأن السياسة هي لعبة ذكاء وحنكة في المقام الأول.
كذلك فإن فوز الأخ الرئيس بنسبة حوالي 52% من أصوات المجلس القيادي الذين صوتوا بنعم هي نسبة يُمكن وصفها إستراتيجياً بـ “نسبة الخطر” لأنها تدل علي أن هناك نسبة مقدرة من قياديئ المؤتمر الوطني لا يفضلون إعادة ترشح البشير، كما أنها نسبة غير مريحة لأن يدخل بها مرشح للإنتخابات الرئاسية.
بكل تأكيد شعبية الأخ الرئيس في تنازل مُطرد بسبب الظروف الإقتصادية القاسية التي تعيشها البلاد منذ 2011 جراء إنفصال جنوب السودان.
وأنا من منظور تحليلي للحالة السياسية أري أن التحسن الملحوظ في العلاقات مع السعودية ومصر بعد زيارة البشير للبلدين وكذلك الدعم الأقليمي والدولي الواسع لموضوع الحوار الوطني، كل هذا ساهم في تغيير نظرة الرئيس وجعله أكثر حماساً للإستمرار لدورة رئاسية جديدة.
الله المستعان.