مقالات سياسية

أين كنا؟ حضر الأطباء و لم يجدونا! أين نحن الآن؟!

في اعتقادي أن ( الحوار الوطني) تدبير مُحكَم من تدابير نظام الانقاذ لإدارة الأزمة الخانقة لحكم رئيسه البشير.. و ليس تخطيطاً لحل أزمات السودان التي ظل النظام يعقِّدها عاماً بعد عام.. و في يقيني أن مخرجات الحوار عقدة أخرى يتم وضعها مع أخواتها على قائمة الأزمات المتراكمة.. و رغم جمالها الظاهر، إلا أن تطبيقها لن يتم على الوجه الذي يريده بعض المتحاورين غير المنتمين إلى المؤتمر الوطني.. بل سيتم وفق إرادة النظام لإدارة أزمة حكمه بطريقة مغايرة في شكلها عما هو حادث حتى الآن، إلا أن مضمونها سوف يأخذ السودان إلى جيب البشير السري جداً.. و ربما تخدع المخرجات بعض حلفاء البشير بعض الوقت.. لكنها سوف تتعرى أمام المخدوعين بعد أن تكون قد فعلت بالسودان الأفاعيل..
واجبنا يدعونا ألا ننتظر حتى تنجلي الخدعة أكثر مما انتظرنا، بينما البيئة الحاضنة للانتفاضة قد هيئها لنا الأطباء الأشاوس.. هيأوها لنا كي يفكر كل منا في أنجع الوسائل لتغيير الحال، إن لم يكن قد فكر حتى الآن.. لكن رسائل التأييد للأطباء المضربين تترى من جميع الأحزاب و الهيئات و الفئات المهنية المختلفة، داخل و خارج السودان. رغم مرور أكثر من اسبوع على الاضراب.. تأييد.. و شجب.. و إدانة…
هل نستمر في الغياب و الأطباء ينظرون إلينا في استغراب.. و مخرجات الحوار تستعد لخلق المزيد من بيئة حاضنة للموت المجاني و المزيد من المرارات في النفوس و المزيد من خراب في البيوت؟ لماذا التلكؤ و التقاعس؟ و لماذا ننتظر نحن المعارضة التي تنتظر بدورها الضوء الأخضر من النظام لتبدأ معه المفاوضات المبنية على خارطة الطريق..؟
أؤكد لكم أن لا مفاوضات سوف تأتي بشيئ جديد يضمد جراحات السودان المبتور ثلث أراضيه و المباع نصف المتبقي من الأراضي مقابل حفنة من ريالات و دينارات و دراهم و يُوان صيني.. و أنواط شرف تقدم للبشير في أديس أبابا و القاهرة..
علينا، أيها الناس، أن نحك جلدنا بأيدينا.. و ما جلدنا سوى هذا السودان الذي يعاني من الجرب والجذام و الاكزيما و كل الأمراض الجلدية المستعصية.. و لا معدات في المستشفيات لعلاج تلك الأمراض و غيرها من الأمراض المستوطنة.. و لا أدوية منقذة للحياة إلا في المستشفيات الخاصة..
معظم الميزانية السنوية تذهب لحراسة عرش البشير و مستلزمات قصره الجديد و لوازم استمتاع جيوش مناصريه من الدستوريين و غير الدستوريين.. و معلوم لدينا جميعنا أن فتات الفتات من الميزانية هي التي يتم رصدها للصحة و التعليم.. و جزء كبير من فتات الفتات تلك تبتلعها التماسيح العشارية- و ( خلُّوها مستورة)!
أيها الناس، بسبب نقص المعدات و الأدوية و غياب البيئة الصالحة للعلاج ، خرج الأطباء إلى الميدان،.. حضروا و لم يجدوننا.. و لا زالوا في انتظارنا.. إذن، أين أنتم أيها المعلمون و البيئة في المدارس الحكومية غير صالحة للتعليم؟ و أين نحن كلنا، أيها الاخوة، بمختلف فئاتنا و توجهاتنا، و البيئة في السودان لا تصلح للحياة الانسانية الكريمة..؟
علينا أن نبدأ التنسيق.. لتهيئة المناخ الصالح لصنع مستقبل أفضل لنا.. و مستقبل أجمل للأجيال القادمة..
من ( البشريات) التي تسر المرء ذاك البيان الصادر من المهندسين الديمقراطيين و الذي يدعو إلى تكوين جسم لفئة المهندسين يقوم بما يليه من واجب تجاه المهنة و الوطن.. و نتمنى أن نرى بيانات و بيانات متتالية على تلك الشاكلة تصدر من الآخرين..
لا نريد أن نقرأ بيانات الشجب و الإدانة و التأييد غير المفعَّل بعد الآن.. فكفانا التعاطف الذي لا يصاحبه الفعل المؤكِّد له بالخروج إلى ميدان بطول و عرض السودان العزيز.. كفاية! كفاية ! و الله كفاية! و لا نامت أعين المتقاعسين! و نعذر السودانيين المكتوين بنيران الغربة.. نعذرهم و نسمح لهم أن يتعاطفوا، ما شاء لهم الألم و الوجع، ببيانات الشجب و الادانة.. لأن واقعهم غير واقعنا نحن سودانيي الداخل.. و المؤكد أنهم يعانون ( وجع الوطن) ربما أشد منا.. و كل من اغترب يعرف ما أعني يوم قلت في بلاد الاغتراب:-
“.. طائر ضيَّع الوطن.. في السرى، بل أضاعه في ذرى شبقٍ الوطن.. وطن يذبح الجياد، يفسح الدرب للجراد
كلما الفتى أجاد كالَ فوقه الرماد و تولاه بالمحن……. يا لقلبي على الذي أرَّق الليل جفنه.. أجَّج الصبحُ شجنه.. كلما اجتاز حزنه إرتمى فوقه الوطن” و “……. ها هنا كل مجده، مجده محض إغتراب إنما المجد في الوطن!”..
يظل السودان دائماَ في قلوب المغتربين.. فلا تثريب عليهم أن يؤيدوا و يشجبوا من على البعد.. لكن ما بالنا نحن سودانيي الداخل، نؤيد الأطباء الأشاوس على الورق.. على الورق فقط.. نتفرج و الكرة قد شاتها الأطباء نحونا لنمررها في تناسق نحو المرمى.. نحو الاضرابات و العصيان المدني و إحداث الشلل التام في كل أجهزة النظام!
نعم، تحمل الأطباء مسئولياتهم ( المهنية) و ( الأخلاقية) بكل شرف و أمانة.. فأين العاملون في مختلف المجالات، و على رأسهم المعلمون.. و أساتذة الجامعات و القضاة والمحامون و المهندسون.. و أصحاب الصحف ( الحرة).. يا ناس الصحف، اعلنوا الاضراب.. اعلنوه و أنتم تشاهدون صحفكم تصادر كل يوم بما في ذلك اليوم الذي خرجت فيه مخرجات الحوار لتعلن عن الحريات..!
أيها الناس، نريد تكوين نقابات موازية في مواقع العمل.. نقابات جادة لا تأتمر بأوامر أعضاء المؤتمر الوطني المبثوثين حتى (بين البصلة و قشرتها).. فقد آن أوان قيام نقابات راشدة و واعية بواجبها المهني و الوطني.. و على النقابات أن تدرك أن معظم السودانيين يستخفون بمخرجات الحوار الوطني لأنهم يعلمون أن تلك المخرجات تعني العمل عكس الارادة الشعبية للتغيير المنشود..
لن أحاول السير مع الذين يخوِّنون المعارضين الطامحين في الدخول مجدداً في الحوار مع النظام بعد ما ظهرت (المخرجات) على الهواء مباشرة.. فقط أود أن أقول لهم أنهم يضيعون الوقت و أن البشير يتلاعب بهم كما يتلاعب طفل عابث بدمية .. ألم يروه و هو يرقص برشاقة ناقصة في الساحة الخضراء..؟ كان سعيداً جداً لأن الهدف من حوار وثبته على وشك التحقق.. و سوف تكتمل سعادته إذا ارتضيتم أن تركبوا قاطرة الحوار في عربة الفرملة، هذا ما نكاد نراه من خلال اتصالاتكم المباشرة و تواصلكم غير المباشر مع النظام..!
ما زالت الفرصة أمامكم.. إعلنوا الانسحاب من المفاوضات فوراً، و إلا فسوف يفوتكم قطار الثوار.. بينما قطار النظام يتوقعكم في جوفه.. و أنتم في تردد بين.. بين..! إبدأوا فوراً في التخطيط لانتفاضة لا تبقي للنظام أثر، هذا إذا لم تكن بأيديكم خطط للانتفاضة سلفاً..
الدكاترة في الميدان.. و غيرهم يعد العدة للالتحاق بهم.. كلنا جاهزون.. و ما عليكم سوى الدخول معنا بكل منتسبي أحزابكم و حركاتكم.. و سوف ترون أن الأمر أسهل مما قد تتوقعون. و البشير يعرف ذلك.. و حسب ما ذكرت الأستاذة/ شمائل النور في عمودها بجريدة التيار يوم 11/10/2016 :-” نقلَ أحد قيادات الشعبي حينما قابل حزبه الرئيس البشير، حينما كان الحوار الوطني في بداياته، نَقلَ عن الرئيس أنّه يخشى إن لم يتغيّر الوضع بالحوار، أن يتغيّر بطُرق أُخرى.”
إن التغيير الذي ينشده البشير هو تغيير عجلة التاريخ و تركيب عجلة جديدة/ قديمة تصلح لإعادة التاريخ إلى الوراء.. و نحن نرفض ذلك.. نرفضه بلا مزايدات و لا مفاوضات..

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..