نافذة علي عتمة الأزمة الإقتصادية الحالية

نافذة علي عتمة الأزمة الإقتصادية الحالية

هنالك أدوات إقتصادية Tools معروفة تستخدمها الدولة للسيطرة Control علي الأزمات الإقتصادية وكبح جماح الإنهيار الإقتصادي الكامل Total Collapse عند حدوث التضخم الذي يعرف بأنه الإرتفاع المستمر في الأسعار كنتيجة للتدهور في قيمة العملة الوطنية Local Currency مقابل العملات الأجنبية، أو حدوث ركود Recessions اقتصادي عندما تضعف القوي الشرائية ويزداد العرض الكلي للسلع، هذه الأدوات الإقتصادية تسمي بالسياسات النقدية والمالية وهي وصفات علاجية تشبه تماماً وصفة علاج مرض الملاريا عندما يشخص الطبيب المرض فيقوم بتوصيف الدواء للمريض الذي بأتباعه إرشادات الطبيب والالتزام بتناول الدواء يشفي وتعود له عافيته وقوته.
ينطبق هذا الوصف تماماً علي العلل التي تصيب الإقتصاد فهنالك وصفات علاجية متفق عليها تستخدم للسيطرة علي الأزمة الإقتصادية لخلق إستقرار في سعر الصرف وعودة الثقة للعملة المحلية.
فقد درج الاقتصاديون علي تقديم وصفات علاجية متعارف عليها لعلاج حالة الأزمات الإقتصادية المستفحلة نأخذ علي سبيل المثال النظرية الكينزية الشهيرة التي جاءت في أعقاب الأزمة الإقتصادية Great Depressions التي نشبت بعد الحرب العالمية الثانية، صاحب هذه النظرية هو جون مينارد كينز John Maynard Keynes إقتصادي ليبرالي بريطاني قدم نظريته الإقتصادية في كتابه الذي أسماه “المستوي العام للتوظيف، سعر الفائدة والنقود” The General Theory of Employment, Interest and Money وفيه يوضح أن الناتج الكلي Aggregate Output يتأثر بحجم الطلب الكلي Aggregate Demand في المجتمع والذي بدوره يتأثر بارتفاع الأسعار فينخفض الطلب الكلي أي الصرف علي السلع ولذلك لابد للدولة أن تتدخل عبر السياسات المالية أو النقدية أو الإثنين معا لتنشيط الطلب الكلي وتحريك الإقتصاد حتي يتحقق التوازن الذي في حسب وجهة نظر كينز لن يتحقق عن طريق قوي العرض والطلب كما يعتقد رواد المدرسة الكلاسيكية Classic.

نعلم أن الأزمة الإقتصادية التي تعيشها الحكومة هي أزمة تضخم إقتصادي مصحوبا بالارتفاع في أسعار السلع والخدمات ولكن الغريب في الأمر أن التضخم الذي تعيشه الحكومة يختلف تماماً عن ظاهرة التضخم المعروفة والذي عادة يعالج عن طريق حزمة من السياسات النقدية والمالية Monetary and Fiscal Policies كما أشرنا عاليه تؤدي في النهاية إلي السيطرة علي السوق أما بخفض سعر الفائدة Interest Rate وهو سعر اقتراض النقود مما يشجع البنوك التجارية علي الاقتراض من البنك المركزي Central Bank لتمويل الإستثمار وتسمي سياسة توسعية Expansionary Policy تخفض من حالة البطالة عن طريق التشغيل Full Employment مما يزيد من الدخول فيزداد الطلب الكلي وهكذا ينتعش الإقتصاد.
او تبني الوصفة الثانية وهي السياسة المالية Fiscal Policy التي تتم عن طريق وصفتين: أما أن تزيد الحكومة قيمة الضريبة Tax Increase أو تلجأ إلي خفض الصرف الحكومي Government Expenditure لتحقيق وفرة في الميزانية العامة Budget Surplus لتتمكن الحكومة من دعم وتشجيع الاستثمار فيزيد الطلب الكلي وهكذا أيضاً ينتعش الإقتصاد.

الشاهد رغم أن الحكومة تدعي عبر مؤسساتها المالية Bank of the Sudan and the Finance Ministery أنها طبقت هذه الوصفات مع أتباعها سياسة التحرير الإقتصادي Free Economy لكن الشاهد أن أزمتنا الإقتصادية تستفحل كل يوم وتتنقل منحنيات التدهور Curves من سيئ إلي أسوأ ولم تنجح أي معالجة اقترحت للحد من الأزمة مما يثير الشكوك أن أزمتنا ليست أزمة إقتصادية كتلك التي تحدث في كثير من البلدان وإلا لنجحت الوصفات المقدمة لعلاج الأزمة والسيطرة على حالة التضخم التي نعيشها.
في تقديري أن الفساد قد انتظم كل الدولة وتمكن منها كتمكن السرطان من الجسد للدرجة التي يتعزر معها العلاج فالنتيجة الحتمية لمريض السرطان الذي ينتشر المرض في جسده هي الوفاة طال الزمن أو قصر، هكذا هو سيصبح مصير الحكومة، فهي اتبعت سياسة التحرير الاقتصادي إستجابة منها لتطبيق شروط صندوق النقد الدولي International Monetary Fund الذي يشترط فيها علي الدول النامية ضرورة إتباع إجراءات معينة كشرط للحصول علي شهادة حسن السير والسلوك Good Economy التي تمكنها من الحصول علي الدعم المالي من المؤسسات المالية العالمية International Financial Institutions ومن بين هذه الشروط Conditions تخفيض قيمة العملة الوطنية Local Currency مقابل الدولار حتي تصبح منتجات الدولة رخيصة في السوق العالمية فيزداد الطلب العالمي عليها وهكذا تستطيع الدولة المنافسة Competition والحصول علي النقد الأجنبي لتمول به احتياجاتها كمدخلات الإنتاج ولتدعم أيضا الإنتاج فينتعش الإقتصاد.
ايضا الصندوق يشترط تخلي الدولة عن التزامها دعم السلع والخدمات Good and Services وتترك ذلك لقوي السوق العرض والطلب Supply and Demand شرط المنافسة الكاملة Perfect Competition لتصحيح الاختلالات فيتحقق التوازن وتستقر الأسعار ولا يشترط تدخل الدولة لدعم الخدمات كالصحة والتعليم والمحروقات وغيرهم ليتحقق لها فائض في الميزانية تدعم به الإنتاج Production وتمول الإستثمار وهكذا أيضاً ينتعش الإقتصاد.
أيضا من بين شروط الصندوق خصخصة القطاع العام Privatization وهو بيع المؤسسات العامة وتحويلها إلي القطاع الخاص.

الحكومة طبعا نفذت كل ذلك ولكن النتائج جاءت عكسية علي غير ما يشتهي الصندوق وازمتتا الإقتصادية استفحلت ليبلغ التضخم أرقام خرافية ففقدت معها عملتنا قيمتها الإقتصادية وأصبحت لا تساوي شيئاً للدرجة التي فقدت ثقة المتعاملين بها كوسيلة لتبادل السلع والخدمات علي نحو ما شهدنا يوم ١٥ نوفمبر الجاري عندما تغير سعر الدولار أربعة مرات في اليوم ووصل سعره ٢٨ جنيها مما حدي بالتجار أن يرفضوا بيع منتجاتهم مقابل حزم ورقية لا قيمة لها وربما يصبحوا الغد ليجدوا أنها لا تساوي شيئاً ولذلك فضلوا الاحتفاظ بمنتجاتهم علي الأقل ستحافظ علي قيمتها، هذا يعني أن الإقتصاد السوداني يعيش الآن مرحلة بداية التاريخ مرحلة تجارة المقايطة عندما كانت لاتوجد عملة تعمل كوسيط للتبادل التجاري فيتم تبادل السلع ببعضها البعض، وإلا ماذا يعني رفض التجار بيع منتجاتهم مقابل الحصول علي الجنيه السوداني؟

لن تنجح المحاولات الإقتصادية لعلاج الأزمة، لم تنجح المحاولات السابقة ولن تنجح أيضاً المحاولات اللاحقة فالحل الوحيد هو ترك هذا النظام يموت ليتخلق نظام جديد لا يحمل معه هذه الخواص المسرطنة. وهل حقيقة هنالك حوجة لوجود حكومة فقدت وظيفتها وأصبحت عبئا علي المواطن كما نعيش اليوم؟.

الصادق الزين
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..