مشهد العطش في العاصمة

أم درمان – خالدة ود المدني
انتابني شعور بالعطش الحاد رغم يقيني بالصوم، حال رأيتهم شيبا وشبابا وأطفالا يقفون أرتالا عند بئر تتربع على مساحة في الخلاء البعيد عن البيوتات، هكذا تستمر معاناتهم يوميا للحصول على ماء لا يفي حاجتهم. اتبعنا خطى بعضهم إلى داخل الحي لتكملة بقية المشهد، حيث تتمثل المأساة الحقيقية. أطفال يسحبون (درداقات) يضعون عليها براميل صغيرة ممتلئة بالماء، يجلبونه من بئر كانت تستخدم لتغذية شبكة ذات الحي، قبل أن تصاب بعطل فني فتفيض ويتدفق ماؤها على جنباتها وينبت زرعا. وبالمقابل يتضور من حولها عطشا. صحيح أنه الطبيعي أن يتعرض أي بلد لأزمة مياه حادة، لكن من غير المقبول أن يعطش سكان أرض يجري عليها نيلان، يصبان في حوض يعتبر الأطول في العالم. هنا تتزاحم عربات الكارو، التكتك، البكاسي، وناقلات كبيرة، هنا حول هذه البئر النائية يصطف الجميع من أجل الحصول على حفنة ماء، ما يوحي أنها تتوسط الصحراء الكبرى، يا لها من متناقضات باتت واقعا معاشا ومفروضا!.
كما ترين بنفسك
بمعيتي كاميرتي كنت هناك أستقصي الأمر، سألتهم، التفوا حولي وبصوت واحد قالوا: كما ترين بنفسك، هذا حالنا طوال ساعات النهار ونحن صائمون، نعاني أزمة مياه لا مثيل لها نشرب من الآبار، فيما يسمع النيل صوتنا إذا ناجيناه، ولا ندري لماذا؟ البلولة محمد، يتحدث من على ظهر الكارو، يقول: ما في سبب مقنع لقطع الماء طيلة هذه الفترة، نقف طوال اليوم لأخذ ثلاثة أدوار فقط، واحد لاستخدام البيت والبقية للبيع، أحيانا كثيرة نمن بها لجيراننا ونحن نعلم ظروفهم، وربنا يعوضنا، نناشد الوالي أن يأتي إلينا ليقف بنفسه على معاناتنا.
()
يا لحي جادين الأمدرماني، حيث نحن الآن، أحدث نفسي، ثم أستمع لمحمد إبراهيم، يقول: كل المنطقة تعاني لقرابة الشهر، توقفت شبكتها التي كانت تعمل لساعة وحدة فقط، من الثالثة صباحا وحتى الرابعة، ومع ذلك ندفع فاتورة الماء مرفقه مع الكهرباء. أليس هذا ظلم؟ سعر برميل الماء بلغ مائة جنيه وظروف الناس لا تسمح، ما يجعل أطفالهم ونساءهم يترددون موقع البئر ليردوا الماء ما يتسبب لهم في مخاطر عديدة، قبل يومين سقط طفل داخل ترعة البئر وتم إنقاذه في آخر لحظة، وامرأة حامل جاءها المخاض عند البئر وأسعفت على عجل.
يواصل محمد إبراهيم: هذه البئر تمتد شبكتها إلى حي صالحة وحى الجامعة ومربع 50، ورغم أنها تبعد عنا في حي جادين 50 مترا فقط، لكن تغلق عنا محابسها وتفتح لأحياء الجامعة ومربع (50) التي يقطنها مسؤولون كما يقال، وتابع: نحن فقراء لذا لا يهتمون بنا؟ لكنهم يلهثون خلفنا من أجل الحصول على أصواتنا أيام الانتخابات، وعندما يجلسون في مقاعدهم يديرون لنا ظهورهم.
مجموعة أطفال من مربع واحد، أكبرهم عامر بشير، يسيرون راجلين حتى مربع 9 لنقل الماء عبر الدرداقات، يقول عامر: “نحن ما عندنا مشكلة غير الموية دي، ونتردد أكتر من ست مرات في اليوم وتعبانين شديد”، فيما تحكي الطفلة آمنة يوسف: “برميل الموية غالي ما بنقدر نشتريهو يومي، عشان كدا ننقل بالدرداقة، رغم أن البئر بعيد لكن نعمل ايه ماعندنا حل تاني، وبعد دا ما مكفيانا”، رصيفتها حنان تؤمن على حديثها، وتضيف: أحيانا نقترب من المنزل ويندلق منا الماء فنعود إلى مصدره مجددًا.
()
إلى ذلك يشير بدر الدين قمر رئيس اللجنة الشعبية بحي جادين، إلى أن المنطقة كبيرة وممتدة، وشبكتها تغطي 170 كيلومترا، نفذ منها قرابة 160 كيلومترا، وبها محطتان إحداهما محطة التكامل وبها عطل فني (توقف الطلمبة)، وأبلغنا هيئة المياه بذلك فكانت إجابتها: ” لا تتوفر لدينا طلمبة”، نسبة لتعاملهم مع شركة واحدة لا تزال بضائعها قيد التخليص الجمركي، وهذا سبب تأخير إصلاح العطل، وكشف أن كل المنطقة تعاني عدا الشريط الشرقي رغم أن الإمداد ضعيف، وأردف: هذه الشبكة كانت نتيجة جهد شعبي، حيث دغ كل منزل مبلغ 4 آلاف جنيه، وأردف: قابلت مدير الهيئة وبحسبه كنت أتوقع أن تحل المشكلة، ولم يحدث ذلك.
وينسب بدر الدين قمر إلى مدير هيئة المياه، عبد المنعم، قوله، إن مؤسسته بصدد دراسة لإنشاء بئر جديدة لحل الإشكالية الدائمة، لمربعات ( 3-11-5 ) كونها لم تصل إليها مياه الشبكة، لاكثر من ثلاثة أشهر، واستطرد قمر: المعاناة عامة وهنالك من لا يستطيعون شراء الماء يوميا بهذا السعر، وختم قمر: مجموع المشتركين في هذة الشبكة بالمنطقة يبلغ 7 آلاف مشترك وقيمة ما يدفعه البيت الواحد يساوي 30 جنيها شهري وفي تقديري هذا مبلغ كاف لتوفير الخدمة .

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. بلد عجيبة وغريبة ادهشت العالم بها نيلان واناسها ميتون من العطش ويستوردون القمح هل تعرفها؟؟؟ الاجابة السودان الجواب صح صح صح

  2. كده مبسوطين يا الانقاذ ( حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الله ونعم الوكيل فيكم ىيا من تدعون الاسلام والاصلاح )

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..