لمحات من ذاكرة الأحداث: عندما أحرجتني الفضائية السودانية وما عرفت أودي وشي وين؟!

لمحات من ذاكرة الأحداث: عندما أحرجتني الفضائية السودانية وما عرفت أودي وشي وين؟!
بقلم: خليل الياس
كان في ضيافتنا صديق عربي لصيق بالسودانيين وكثير إعجاب بسلوكهم وكرمهم غير المحدود كما يقول، كما كان شديد الاهتمام بالغناء السوداني، خلال بعض المطربين الذين أُتيحت له فرصة الاستماع إليهم عن طريق الكاسيت دون مشاهدتهم، ولم يتوفر له ذلك، فملأنا إعجابه ذاك ?انتفاخاً وزهواً? .. دعيناه في مرة زارنا فيها إلى البقاء حتى موعد تقديم الفضائية السودانية لمطرب شهير والذي أعلنت عن إطلالته بعد قليل لمشاهديها، فأذعن بفرحة وظللنا في انتظار المطرب ونحن نتابع البث. بعدها بقليل جاء صوت المذيعة الظريفة التي اقتلعت من ثغرها ابتسامة بشئ من الارهاق، وكأنها تستأجرها حتى نهاية الفقرة!، فبشرتنا بأن ذلك المطرب سيملآ ساحتنا بعد حين بشدوه، إستعدلنا في جلستنا وكلنا آذان صاغية، وكذا فعل ضيفنا العزيز. بدأت الفرقة الموسيقية عزفها، وعندما دققت النظر على الفرقة، بدا مظهرها محبطاً، وقد زاده إحباطاً إصرار فني الكاميرا، التركيز على البهو المظلم للأستديو وديكوره بإكسسواراته ? المهلهلة? ، ثم انتقلت الكاميرا وكأنها تصر على إبراز معالم ?الظلام? ، فركزت على أقدام العازفين بأحذيتهم المجافية لأي لمعة دهان، وكثف من إحباطنا عندما ارتفع فني الكاميرا بها إلى أعلى، لتكشف عن ملابس رثة لا علاقة لها بالابداع والمبدعين!، ما علينا .. فربما التقى مطربنا جمعهم في مناسبة عزاء قريب من استديو تلك الفضائية واستدعاهم على عجل وانهمك في ضرورات التسجيل دون أن يحفل بإلقاء نظرة على هندامهم أجمعين!، فكانت صدمتي الأولى وأنا أنظر بطرف عيني لضيفي.
وماهي بلحظات حتى صوبت الكاميرا ?زومها? نحو المطرب نفسه، فأحسست بالصدمة الثانية أمام ضيفي المتيم بالفن والغناء السوداني!، كان المطرب شاحباً، بل عبارة عن شبح يقف خلف الميكرفون، ولو أبصرته قبل اعلان الفضائية عن ?طلعته البهية?، لظننته شحاداً يرجو رحمة من محسنين!، هنا جاءت صدمتي الثانية وأنا أنظر بطرف خجول نحو ضيفي الذي راح يتسأل دون أن يحفل بمتابعة الفنان أو موسيقاه، تفتق ذهني أمام ذلك الموقف لأقول له:- في واقع الأمر هو أحد الممثلين يقلد ذلك المطرب ? بصورة جيدة?، راح ضيفي العربي يتسائل عن زيه، وهو يتثائب! بادرت بالنفي وأنا أعدل من جلستي لتأكيد صدق ما أقول:
:- أبداً والله .. دا ما زيو .. ياخ دا والله العظيم زيو مافي!.
وأضفت أن الممثل يغالي فقط في الآداء لينتزع إعجاب المشاهدين ، فقط لا غير!.. وبعد فترة صمت سادت بيننا، ذابت فيها كل أحاسيسي وشعرت بالحياء يسري من ?فوق راسي لي كرعي? وقد تأكدت تماماً بأن ?إطنابات? ضيفي العربي راحت في حق الله، خاصة عندما دخل في إغفاءة يصاحبها شخير، ومع كل ذلك الاحباط والحرج، كان لا بد من إيقاف هده ?البهدلة? فضغطت عن قصد على الريموت مدعياً وأنا أحس بثقل الصدمة الثالثة أن عطلاً ما أصاب البث، وأدرت إلى قناة عربية شهيرة، لتطل لنا منها مذيعة فيها ? هيبة واجمل قامة واسمح زي? وهي تقدم مطرباً عربياً شهيراً هو الآخر بالنسبة لهم، في أبهى وأشرق أناقة وحضور وطلعة، مصحوباً بكوكبة عازفين بمظهر متناسق ?يلمع? بصحبة آلات موسيقية أكثر لمعاناً!. وعندما حانت مني التفاتة لضيفي العربي متربصاً برغبة دفينة لمقارنة أحاسيسه الصادقة تجاه ما نقدمه من فنون مع ما يقدمه غيرنا، فإذا بي أكتشف تهلل أسارير ضيفي العزيز وإشراق وجهه وانتعاشه من إغفائته التي كانت محصوبة بشخير أرغمته عليها فضائيتنا، غفر الله لها، وها هو ضيفي ?العربي الأصيل? يتماهى مع الحان المطرب العربي وفرقته! مما عاجلني دلك بالصدمة الثالثة!.
عزيزي القارئ:-
من المفترض أن للفضائيات قدرات فنية تتعلق بغرف الميكياج والتجميل لاضفاء مسحة من طلة بهية على المشاهد، ومن المفترض أن لديها وسائل تقنية حديثة لابراز الديكور والاكسسوار لتجميل واقع ووقائع على أكمل صورة، كما من المفترض أنها تملك إمكانيات هندسية تتعلق بالكهربائيات والاضاءة التي تبهر عين المشاهد، وإن كان لابد ونحن قد (حشرنا) أنفسنا في هذا الفضاء الذي يمكن للمشاهد فيه أن يغير رأيه ? بجرة ريموت?، فلا أقل من توفير كل هذه المعينات للبث ?الفضائي? .. وإلا .. إن تعذر ذلك .. فلتكن ساعات البث لفضائيتنا قدر حدود الحفتنا المتواضعة .. دون أن نمد ?كرعينا? أكثر مما ينبغي لأصاب بأكثر من صدمة إحراج أمام ضيوفي الأجانب!.
الميدان