مغترب فى الاجازة

ليس هناك فارق بين الاغتراب ، من حيث انه خروج من دائرة الاوطان، حتى ولو تباينت الاهداف والرؤى …. ولايمكن ان يلتزم الوجدان الانسانى بمعدل الحنين، خلال الشكلـــيات اوالدوافع… فحيثما تمضى يصحبك ذلك الاحساس الجارف نحو الوطن، ولو تناسيته احيانا
قد تحلم بتحقيق طموح ما اصبح عسير، ان تقترب منه، وانت فى كنف الاوطان لا تجنى غير ثمرات الصبروسراب التمنى والخيبة ،ويسمى هذا الضياع داخليا اى انك لا تجد ذاتك داخل الوطن، حين تستشعر فداحة الظلم والاستهوان …اولا تجد قيمتك ،حين تسحــق بنى ادميتك وانت فى احضان بلدك، وفى هذه الظروف قد يصبح الخروج من الوطـــن نعــــمة تحرر…وانعتاق ….ليس من اجل نفسك ولكن من اجل الاخرين…..

عبد المنعم سيد احمد.. كمعظم المغتربين…. الذين لم تترك لهم اوطانهم ، الا خيار الهــجرة والهروب من مرارة الفقر، وضيق الحال، فربما يمكنه ان يجد طريق ما فى خـــضم الحيـاة الاغترابية…
مضت الايام والشهور وتوالت سنوات اغتراب عبد المنعم، تاركا خلفه زوجتــه و قريتـــه درية التى تنتظرعودته بفارغ صبر وطول انتظار ، وربما تطفىء الاتصالات الهاتفية كثيرا من لهيب الاشتياق ونارالانتظار ،هكذا كانت درية تنظر الى الزمن الذى لا يكاد يمضى حتى تتاكل الايام …وتقرب المسافة لعودة عبد المنعم …ربما تعيــد ترتيب البيت الــف مرة ومرة وهى تنظر اليه بعين الحبيب المنتظر ،وقد ينفرط عقد الدمــوع معظم الليالى، لتنسكب شوقا ولهفة وياخذها الخيال… بعيدا بين الايام الدافئة، وهى تعــــانق نشوة اللقاء الحمـــــيم حين يصبح للحنين طعم ونكهة… عند اقتراب عودة عبدالمنعم المهاجر عرفت القــرية عن بكرة ابيها الخبر…اما حال ود سيد احمد فقد كان يحسب الايام كانها دهور لا تمر ولاتدور… متى يتنسم عبير الحيشان ، ولمة الخلان .. متى تملاء خياشيمه ريحة النيل والجـــروف، ويمتع العيون من شروق الشمس …وهى تغازل الحقول وتتخلل النخيل … متى يتكىء مع الاصحاب ويتذوق طعم شاى من يد الحاجة… متى تتكسر حواجز المسافة فى لحظات اللقاء بين احضان الاهل وبشاشة الاخوان ،متى يتناسى ما تكدس فى الاعـــماق من اغتـــــــراب متى يتبادل اطراف الحديث الحلو بين الناس البسطاء…. الذين تكفيه ان محبتهم تفيـــض منهم على من حولهم بدون تكلف، قد لاينسى عبد المنعم ذكريات حية فى اعماقه راسخة بين احلامه… صوت الكلس وهو يدندن يكاد طمبوره يتكلم غناءا وطربا… ويسترجع مع نفسه نغمات تلك الايام الصافية، التى لم يدخل عليها الكدر، ولم تشرخ رقتها رياح الشتات والرحيل….
وصل عبد المنعم سيد احمد وقد فاض به الحنين وابكاه الشجن ،الى قريته التى امتد حنينها فيه كامتداد الاخضرار فيها…..تلك الراقدة على ضفاف النيل كعروس عذراء فى يوم زفافها … يزهو بها النخيل ، كانه يلوح من بعيد بالترحاب، ويمد سعفه وثمـــاره اليانعـــــــة كرما لاستقبال ضيوفه… ذلك الجود الذى تعلمه النخيل من اهل الاصالة والكــرم الحــاتمى الذى يجرى فى عروقهم …كجريان النيل من غــــــابر الازمان….
استقبلته درية والاشواق… تسابق خطواتها ويغالبها الحياء والخجل… فتمد يدها فى خفر الحبيبة الولهانة ،وفى نفسها قد تمردت المشاعر المكبوته، والاحاسيس الجيــاشة كانها جمرة منسية توهجت فى اعماقها ….حتى كادت ان تنطـــــق بين صمتها والكلام …وهى وسـط الجـــمع الغفير من الاهل والاصحاب والجيران… ويضحـــك عبد المنعم كانه مولود جديد فى دنيا قد ادهشته الذكريات ،وهى تحيا امام ناظريه كانه حلم جميل ، اه او كـــــانه قــــد نسى الابتســامة الحقيقية، بين زحمة البعد… ومشوار التغرب الطويل….
ابتهج ودسيد احمد بالاجازة كما ابتهجت به درية والقرية…. الاجازة التى عاش لها وهـو فى ارض الاغتراب كان كل يوم حلويمضيه فى قريته، بين اهله واصحـــــابه… يتـــمنى ان يتكرر… ولايودعه ابدا… كان مجرد الاحساس باقتراب نهاية الاجازة يملاء قلبه العــــاشق لارضه هما ، ويحـــرك الاحزان الحبيسة… ويحى الاغتراب فى وجدانه …باشجانه التى لا يعرفها …..الامن تذوق طعمها.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. اولا لمن تقول ليس هناك فارق بين وتذكر شى يتنظر القارئ الشى الاخر ليعقد بينهم المقارنة وطبعا قريت المقال للاخر عشان اعرف داير تقارن الاغتراب بشنو وكانت خيبتى كبيرة حين فرغت من قراءه المقال . الوصف الحسى جميل جدا لوصف شوق الاهل والزوجة للحبيب العائد بس اطلت جدا فى هذا الوصف . نسال الله ان يعيد كل غائب الى داره واحبته

  2. أنت بحق مبدع بمعنى الكلمة وتملك ناصية القول . أعجبني جدا وصف الزوجة الحبيبة وهي تستقبل زوجها الحبيب القادم ( تسابق خطواتها ويغلبها الحياء والخجل ) ياالله لك من مبدع هذا هوالسودان وهكذا شيم بناتنا الاصيلات . . رد الله الغربة . لك مني الف الف تحية .

  3. اتنفق مع Ahmed AB في ثناءه الجميل لهذا القلم النبيل وهذا الشخص الشفيف الذي دائماً ما يحكي عما يجيش في صدورنا من ويلات الغربة وحنين العودة ..كما اتفق مع زهجان في تعليقه أن هنالك شيءللمقارنة مع الغربة لم يأتي في صياغة النص أو بين جنباته ..ولكن رغماً عن ذلك تظل الكلمات جميلة عميقة في احساسها وتوغلها في اعماق النفس .. سلمت يداك أخي منتصر وسلم قلمك ودمت صوتاً مجلجلاً لأسراب الطيور التي هاجرت وطنها ولا تزال أوتار الحنين للوطن تئن في دواخلها المفجعة بآلام وويلات الغربة ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..