أحكام الإعدام السياسية.. رؤوس في انتظار العفو الرئاسي

الخرطوم : الطيب محمد خير
قضت محكمة الإرهاب بالخرطوم شمال، على نائب رئيس حركة “هاشم ديدان”، محمد إسحق، بالإعدام شنقاً حتى الموت مع الصلب بعد إدانته في أحداث الهجوم الذي نفذته الحركة على حقل (دفرة) للبترول بولاية غرب كردفان، والذي أدى إلى إتلاف معسكر يتبع للقوات المسلحة وقتل عدد من أفرادها ومدنيين بجانب ترويع المواطنين وإثارة الحرب ضد الدولة.
ولا يعد هذا الحكم الأول من نوعه الذي تصدره المحاكم السودانية من أحكام الإعدام الصادرة بحق مدانين في جرائم مشابهة، منها أحكام غيابية بالإعدام صدرت بحق مدانين.
وتخلق هذه الإدانات عادة جدلاً وتكون محل انتقادات لناشطين حقوقيين يصفونها بالأحكام المسيسة بهدف تخويف وترهيب المعارضين والنشطاء. وبعيداً عن كل جدال، فإن أحكام الإعدام الصادرة بحق هؤلاء السياسيين تمثل كابوساً لهم ولذويهم على حدٍ سواء.
تحول
في مرات كثيرة، تدخل العفو الرئاسي، ليزيح رؤوساً من على المقاصل، ولكن إلى اليوم لا يعرف مقدار هذا العفو وما إذا كان حضورياً أو غيابياً.
منسوبو الذراع الطويل
من الحالات الشهيرة التي صدرت فيها أحكام أعدام بحق قيادات سياسية وعسكرية، كانت حالة المجموعة المشاركة في المحاولة الجريئة التي قامت بها حركة العدل والمساواة في مايو 2008 بقيادة زعيمها الراحل دكتور خليل إبراهيم للاستيلاء على السلطة.
حيث دخلت هذه القوات إلى العاصمة لقلب نظام الحكم، لكنها فشلت وتم القبض على عدد من المشاركين بينهم عبد العزيز نور عشر، الأخ غير الشقيق للدكتور خليل إبراهيم وصدرت ضدهم أحكام بالإعدام، وقضوا في سجن كوبر تسع سنوات ومن ثم صدر في حقهم عفو رئاسي وأطلق سراحهم الأمر الذي اعتبرته الأوساط السياسية بأنه صفقة جاءت في إطار مخرجات الحوار الوطني لجذب الممانعين.
حكاية عاصم عمر
هناك أحكام لا تزال تجري محاولات لإصدار عفو فيها مثل الحكم الصادر من محكمة جنايات الخرطوم شمال بإعدام الطالب عاصم عمر حسن شنقاً حتى الموت، بعد أن أدانته بالقتل العمد تحت المادة 130 بعد أن أدانته ذات محكمة الخرطوم شمال بقتل شرطي أثناء احتجاجات طلابية في جامعة الخرطوم.
ووصف معارضون الحكم بأنه سياسي وقالوا إن الهدف منه تخويف وترهيب المعارضين والنشطاء، لكن السلطات ترى أن هذا الحكم لا يندرج ضمن الأحكام التي يمكن أن يصدر فيها عفو رئاسي لكونه جنائياً ومتعلقاً بحق خاص.
تفسير
يقول الخبير القانوني والدستوري نبيل أديب لـ (الصيحة) إن العفو سلطة من اختصاص رئيس الجمهورية باعتباره يمثل الدولة وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية الذي يمنحه حق إسقاط الإدانة أو العقوبة في غير جرائم الحدود والقصاص، مضيفاً: يمكن للرئيس ايضاً وفقًا للمادة (58) أن يوقف السير في إجراءات المحاكمة لكن حكم الإعدام إن كان قصاصاً أو حداً فلا يجوز العفو.
مشيراً إلى أنه في حالة إسقاط العقوبة تسقط معها الجريمة، إللهم إلا في وجود شروط مقابل إسقاط العقوبة عن المدان ومتى خالف الشروط تعود العقوبة.
مضيفاً بأن الجرائم السياسية دائماً توجه فيها تهم (جرائم ضد الدولة والإرهاب) وهي قضايا سياسية كما في حالة مجموعة خليل التي دخلت الخرطوم، ومن ثم أسقط العفو العقوبة واستفاد منه الجميع (من صدر ضده حكم ومن لا يزال في طور التحاكم).
فروق
يقول عضو لجنة التشريع والعدل بالبرلمان السابق الفاضل حاج سليمان بوجود فوارق كبيرة بين الإدانة السياسية والإدانة الجنائية. مشدداً في حديثه مع (الصيحة) بأن صدور حكم بالإعدام لا يتم إلا بموجب إجراءات جنائية ونصوص قانونية واضحة ومعلنة وفي حال توفرت توجب إيقاع العقوبة الجنائية على الشخص المدان، وهنا لا تستطيع أي جهة التدخل للعفو عنه لكن من حقه الاستئناف، بل والطعن في القانون الذي بحقه صدر الحكم.
أما في حال الإدانات السياسية – والحديث للفاضل- فإنها ترد في الغالب بعيد عن الإجراءات القانونية المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية، وهنا تصبح إدانة صادرة من السلطة السياسية وقد تكون بموجب إجراءات عسكرية وغيرها. وهي إدانة بالإجراءات السياسية وتتم المحاكمة فيها بالخيانة العظمى وحد الحرابة والخروج على الدولة وتقويض النظام السياسي، وهنا يصبح الحق في يد رئيس الدولة، وفي أي لحظة تمت تسوية أو انفراج سياسي يمكن للرئيس أن يصدر عفواً وإطلاق سراح بحق كل المقبوض عليهم في قضايا سياسية كما في حالة الحاج آدم الذي اعتبرته الدولة خارجاً عنها بوقتٍ سابق، وكذا أحداث أم درمان التي قام بها الراحل خليل إبراهيم وتم العفو عن المشاركين فيها بعفو رئاسي.
قصة ديدان
بشأن الحكم الصادر بحق قائد حركة هاشم ديدان يقول الفاضل إن حركته سياسية، وهاجمت موقعاً عاماً وبالضرورة حدثت مواجهة بينهم وبين القوة الموجودة في الموقع وحدث موت وقتل لأحد أفراد قوة الحراسة وبالتالي يصبح المدان كل المجموعة المهاجمة بمن فيهم قائدها باعتباره العقل المدبر حتى وإن لم يشارك.
وبالتالي بعد صدور أحكام تصبح المسألة حقاً عاماً بيد رئيس الجمهورية، وتتم المحاكمة بقانون الإرهاب والقانون الجنائي ويعوض أولياء الدم الذين فقدوا ذويهم في الأحداث، وفقاً للمادة 58 التي تشرح سلطاته واختصاصه بصون أمن واستقرار الدولة وهو الذي يعلن الحرب ويصادق على الإعدام ويمنح العفو وليس هناك جهة تملك هذا الحق خلافه.
الصيحة.