العروبة و العربية في السودان

ليس جديداً القول إن الشعب السوداني تتعدد و تختلط مكوناته العرقية لدرجة يصعب معها تحديد ملامح محددة للسوداني . نعرف ذلك أكثر عند لقائنا بالأجانب الذين يبدون تعجباً من وفد سوداني يضم الأسود الطويل و الأبيض القصير و الأسمر الرفيع و الأصفر البدين .. يثور بسبب هذه الاختلافات جدال حول هوية السودان يدعو فيه كل فريق إلى تغليب عنصر أو ثقافة على الأخرى , و غالبا ما ينتهي هذا الجدال بقبول (السودانوية) التي تعترف بخصائص كل مكونات السودانيين ؛ إلا أن ما يلفت الانتباه و يبعث الإزعاج هو الهجوم التي تتعرض له اللغة العربية في ثنايا رفض الاستعلاء العرقي الذي يبدو في سلوك المعتزين بعروبتهم , فينشأ كرد فعل لهذا المسلك البغيض هجوم مضاد لا يكتفي بالتشكيك في عروبة هؤلاء المتمسحين بالعرب الأصليين كما يقول المهاجمون الساخرون , بل يتعداه لتجاهل التفوق الثقافي للغة العربية و الهجوم على اللغة , باعتبارها قد أزاحت لهجات محلية كانت سائدة , و يرفع أصحاب هذا الرأي لواء إعادة الاعتبار للهجات يهددها الاندثار . من المفارقات المرتبطة بهذا التيار أن أصحابه يصدرون آراءهم و بياناتهم في لغة عربية رفيعة ؛ حيث لا تحقق أية لهجة محلية أساساً مشتركاً يلتقي عنده أهل هذا التيار ذوو الخلفيات الثقافية المحلية المختلفة جداً .
لا تخفى أهمية الأساس الثقافي الجامع بتمهيده أرضية سياسية مشتركة تبنى عليها الوحدة الوطنية . و قد حققت العربية الأساس الثقافي , فالأرضية المشتركة , و إليها يعود هذا التمازج اللغوي الرائع الذي مكن كل السودانيين من التفاهم مع بعضهم البعض .
يعتبر الغناء السوداني الجميل من أمثلة التقارب على أساس العربية , فقد صيغت أغنيات جميلة ما كان لها أن تجد إجماع السودانيين لو أن شعراءها تمسكوا بخلفياتهم المحلية و تعصبوا لها .. و على سبيل المثال نذكر شعراء مثل محمد عثمان كجراى و أبو آمنة حامد و محمد الفيتوري و مرسي صالح سراج الذين قد وضعوا بالعربية كلمات رائعة لأجمل الأغنيات رغم تحدثهم بلهجات محلية . و كتبوا بالعربية شعراً غير غنائي مثلما فعل شعراء مجيدون آخرون ينتمون لثقافات محلية .. و بسبب التعامل التلقائي مع لغة غنية جميلة طرب السودانيون و فهموا معاني سال من شعرها الذهب (و ما في داعي تقولي ما في .. يا الربيع في عطرو دافي) .. و لولا العربية الجامعة لما كانت هذه المكانة و القيمة لنشيد أصبح الصبح بلسان النوبي محمد وردي , و لما هتف مرسي صالح سراج منشداً:
حين خط المجد في الأرض دروبا
عزم ترهاقا و إيمان العروبة
عرباً نحن حملناها و نوبة;

العرب

تعليق واحد

  1. للأسف المفال ناقص وتحدث عن وجه واحد من هذه الكارثة ولكن السؤال الذى يفرض نفسه هو ماالحل لإثراء اللغات المحلية؟

    المغرب والجزائر وجدوا الحل فى تضمين وإحترام اللغة الأمازيغية بحيت صارت اليوم تدرس فى المدارس ولها صحفها ودور نشر وإحترام خصوصياتها والمتحدثين بها وكذلك الأمريكان إحترموا اللغات الإسبانية والصينية والكورية(ولهجات الهنود الحمر حيث إستخدموها كشفرات للمخابرات الحربية) وآمنوا بمبدأ الثراء فى التنوع ولا توجد فى الدستور الأمريكى إشارة إلى أن اللغة الإنجليزية هى اللغة الرسمية للدولة بل هى لغة قومية فقط مثلها واللغات الأخرى أما فى السودان فإن الشعور بالتفوق العرقى و(أمة أصلهاالعرب ودينها خير دين يحب) بجانب متلازمة (قوم سود فى ثقافة بيضاء) هى أس البلاء والحاضنة الثقافية لمحاولات إبادة الجنوبيين وأهل دارفور وجبال النوبة النيل الأزرق ومجاولات إغراق نوبة الشمال وطمس ثقافاتهم ولغاتهم إلى درجة حديث البشير لإحدى القنوات الخليجية قبل سنوات بأنه يخشى أن يكون آخر رئيس عربى للسودان!!!

  2. لأن تكون اللغة العربية في السودان هي اللغة القومية الجامعة فلا مشاحة, و لكن يجب أن توجد للغات السودانية الأخري من الاهتمام أوسع مساحة.

  3. المشكلة ليست اللغة و لكن المشكلة هى التعالى العرقى وهذه ا ﻻلوان السمراء الموجودة هى نتاج لحقبات استعمارية حيث حكم اﻻتراك والمصريون السودان من 1821م بقيادة اسماعيل باشا الى 1885م حتي تحرير الخرطوم يعني 64 عاما ثم جاء اﻻنجليز و المصريون بقيادة كتشنر عام 1889م الى 1956م يعنى 67 عاما ليكون اجمالى حقبة استعمار الجنس اﻻبيض للسودان 131 عاما هؤﻻء جيش يعنى شباب ليسوا مﻻئكة وما حمﻻت الدفتردار اﻻنتقامية ببعيد والتى قتل ما قتل فيها وجلها كانت اغتصابات حيث ﻻ قانون دولى انذاك وبعدين مافى احد جاء من الجزبرة العربية بامراءة فهم و جدوا حبوباتنا اﻻفريقيات وتزاوجوا و تصاهروا الى ان انتجو هذا الخليط عرب ممزوجة بدم الزنوج الحار ديل اهلى والمامعترف يبحث عن اجدادو فى تركيا وانجلترا واليونان مصر والهند اتركوا الماضى فانه نتن وخلونا سودانين بس بوضعنا الراهن.

  4. الكاتب عندما يصف العربية باللغة ويصف غيرها باللهجات فهذا يعني أحد أمرين: إما أنه يجهل الفرق العلمي بين اللغة واللهجةً والعلاقة بينهما .. أو أنه يحاول الترميز بذلك إلى دونية ما يسميها اللهجات مقارنة بالعربية ..

    هذا الموضوع شائك وليس كما ينظر إليه الكاتب .. وعلى الكاتب أن يتعلم شيء في معنى مصطلح اللغة واللهجة والعلاقة بينهما قبل الإقدام على الكتابة في أمر هو نفسه يقول بأهميته كونه مادة خلاف حول هوية السودانيين.

    والكاتب لم يتحفنا برأيه حول معنى ومغزى أندثار ما يسميه بـ “اللهجات” التي تحمل أرث وتراث وتاريخ وحضارة شعوب سودانية!

    واللغة العربية – على كل حال – لا تتقدم اللغات على صعيد العالم بقدر الإستعلائية التي يحاول المتحدثون بها تمثيلها بين السودانيين!! وبالنسبة لهم مثل غيرهم هي لغة ليس إلا ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..