مقالات سياسية

زلة رمضان

وصل شهر رمضان المعظم بعد أن ودعناه قبل عام، وكان قد تركنا في حالة يرثى لها، يعود اليوم ليجد نفس الوضع ما زال قائماً بل وأسوأ، فالغلاء مازال مستمراً وتضعافت الأسعار أكثر من مرة مقارنة بالعام الماضي، وفي نفس الوقت لا يتحسن دخل المواطن، ليس هذا فحسب؛ بل ونعاني من قطوعات الكهرباء و المياه مما يدل على أن سياسات الحكومة ما زالت تنتج المزيد من المشاكل الاقتصادية، ليس من جديد يحمل الينا ما يسر او يفرح،(ولسه نحن صابرين على الصبر نفسه).
الحكومات في كل دول العالم قادرة على السيطرة على أسعار السلع واستقرارها من خلال سياسات اقتصادية معروفة تمنع التضخم، وأي مناسبة تمر عليها لاتؤثر على السوق سلباً، ولكن في السودان تتأثر السلع بالارتفاع الجنوني؛ كلما حلت علينا أي مناسبة وخاصة رمضان؛ حيث تبدأ الأسعار في الارتفاع قبل شهور ويستقبله المواطن بحالة من الهم والقلق في الوقت الذي يستقبله الناس في كل العالم بهدوء وراحة بال.
الحكومة في هذا الشهر ليس لديها ما تقدمه للمواطن لينعم بشهر مميز، وحتى المحاولة التى تقوم بها؛ هي نوع من القهر (ومسكة من اليد البتوجع)، فتقدم له ما يسمى بسلة رمضان، وما أدراك ما سلة رمضان، فرصة تستغلها الحكومة للربح فالسلة في حد زاتها لا تكفي لتغطية شهر رمضان كله، وتكلفتها غالية ويدفع المواطن قيمتها بالتقسيط من راتب لا يتحمل لأكثر من نصف سنة، مع أن الحكومة تعتبرها حدثاً وإنجازاً تقدمه للمواطن وتعلنه في مؤتمر صحفي، فيخرج فيه المسؤول ليتحدث بكل فخر عن السلة ومساهمتها في تخفيف العبء المعيشي خلال شهر رمضان، وهي في الحقيقة (زلة رمضان)، وصفقة تكسب من خلفها أضعاف قيمتها الحقيقية.
رئيس اتحاد العمال بولاية الخرطوم، قبل فترة تحدث في مؤتمر صحفي عن استعدادهم لتوزيع سلة رمضان للعاملين بالولاية بتكلفة بلغت 60 مليوناً و 375 ألف جنيه، لعدد 250 ألف عامل في الولاية، سعر السلة 805 جنيهات يتم سداد قيمتها على 7 أقساط، تبدأ بعد عيد الفطر وتستمر الى ما بعد الصفقة الثانية في عيد الأضحى (خروف بالتقسيط ) رئيس الاتحاد وصف سعر السلة للعاملين بأنه أفضل بكثير من سعر السوق وحسب قوله هي تحتوي على 6 مواد اساسية يحتاج اليها العامل .
اذا حسبنا الأرقام التى قالها رئيس اتحاد العمال وقسمنا تكلفة السلة الكلية على عدد عمال الولاية سيكون نصيب كل عامل 241.5 جنيهاً فقط ويفترض ان هذا هو سعر السلة للعامل ، واذا ضربنا سعر السلة بالتقسيط 805 جنيهات في عدد العمال فإن التكلفة الكلية ستساوي 201.250.000، وعندما نطرح هذه التكلفة من تلك سيكون هناك فرق 140.875.000، السؤال هنا: هل هذا الفارق ربح ؟ اذا كان كذلك فهذا يعني ان فكرة السلة ليست من أجل تخفيف العبء على المواطن، وإنما سرقته بطريقة رسمية ويتم خداعه بالتقسيط فأي عبء تخففه الحكومة على المواطن ؟.
لا أظن أن هناك مواطناً قد نسي الظروف السيئة التى وجده عليها رمضان الماضي ولا تلك التى عاشها خلال السنوات الماضية، ولكن هذا العام سيعيش أسوأ منها، واذا استمر هذا الحال لا شك أن رمضان القادم سيجدنا في حالة لا يعلمها الا الله فهل سيصبر علينا الصبر ؟.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..